تبون في القاهرة لنزع فتيل الحرب بين الجزائر والمغرب !
استمرارا لجهود الوساطة التى تبذلها مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي لنزع فتيل الحرب بين الجزائر والمغرب ، تاتى زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى القاهرة اليوم بحسب ما صرحت به مصادر دبلوماسية .
وتشهد العلاقات الجزائرية المغربية توترا منذ عقود بسبب قضية الصحراء.
وقطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في 24 أغسطس 2021، على خلفية اتهام الجزائر للرباط بالقيام بـ “أعمال عدائية”.
كما منعت الجزائر الطائرات العسكرية والمدنية المغربية من استخدام مجالها الجوي.
وكان الفريق السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، قد زار القاهرة الايام الماضية لاجراء مباحثات لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين . كما يشارك في المعرض الدولي الثاني للصناعات الدفاعية والعسكرية “إيدكس 2021″.
وقال الخبير العسكري الاستراتيجي المصري، اللواء محمد علي بلال ان زيارة المسؤول الجزائري لمصر، هي لتنسيق المواقف بين مصر والجزائر، خاصة أن هناك مشكلة حاليا قائمة بين الجزائر والمغرب، فيجب التدخل لإعادة العلاقات العربية –العربية”.
وحول دور مصر في هذه الأزمة أضاف اللواء بلال: “مصر لها علاقات وثيقة وتاريخ نضالي كبير مع الجزائر، كما لها علاقات طيبة مع المغرب، حتى أنه هناك علاقات أسرية بين المغرب ومصر، وبالتالي هذه الزيارة تأتي لشرح الموقف الجزائري، ومحاولة أن تكون مصر هي الراعي الأساسي لتصفية أسباب توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب”.
وعلق اللواء بلال على توقيع معاهدة الدفاع بين المغرب وإسرائيل واعتبار الجزائر بأنها تهديد لها بقوله: “تدخل مصر يمكن أن يشكل طمأنينة للمغرب والجزائر، لأن مصر لها علاقات سياسية واتفاقات أمنية قوية مع إسرائيل، وكانت تقوم بوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين، وفي هذا الوضع أيضا تستطيع مصر أن تعيد العلاقات بين الجزائر والمغرب. إنها مجريات سياسية عالمية ودولية وإقليمية، ولذلك أتى مندوب الجزائر إلى مصر، لأن مصر لها علاقات مع إسرائيل، فإن تقريب وجهات النظر بين الجزائر والمغرب، تدخل بها أيضا إسرائيل، ومصر هي الأكثر قربا من جميع هذه الأطراف والأكثر طمأنة لها”.
وكان المحلل السياسي الروسي “فلاديمير أودينتسوف” سلط الضوء على التدهور الملحوظ في العلاقات بين الجزائر والمغرب، الذي بلغ حد استعداد البلدين تحسبا للحرب، مشيرا إلى 3 جبهات تعمل على إشعال أزمة العلاقات بينهما.
وذكر “أودينتسوف”، في مقال نشره بموقع “نيو إيسترن أوتلوك”، السبت، أن الجزائر تتهم المغرب بالعدوان على منطقة الصحراء الغربية، التي ينظر إليها المغرب كإقليم تابع له، بينما تعترف بها الجزائر كدولة مستقلة، معتبرة أن بقاءها ضمن حدود المغرب ليس سوى أثر من آثار الاستعمار الإسباني.
وأضاف أن الجزائر لا تريد حربًا مع المغرب، لكنها مستعدة للقيام بذلك، خاصة مع تزايد قلقها بشأن تعزيز التعاون العسكري بين تل أبيب والرباط بعد توقيعهما اتفاقية دفاعية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
واعتبر المحلل الروسي علاقات المغرب العسكرية مع إسرائيلة بمثابة جبهة ثانية لإشعال حرب محتملة مع الجزائر، مشيرا إلى أن التقارب المغربي مع إسرائيل، بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما كجزء من صفقة أبرمت بمشاركة نشطة من الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2020، يتعرض لانتقادات شديدة في الجزائر.
وأوضح أن الجزائر ترفض أي علاقة مع إسرائيل حتى يتم إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، على الرغم من حقيقة أن بعض الدول العربية خففت بالفعل من موقفها تجاه القضية الفلسطينية.
أما الجبهة الثالثة لإشعال الأزمة بين الجزائر والمغرب، فيرى “أودينتسوف” أنها تتمثل في إجراءات دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إزاء الصراع في الصحراء الغربية، خاصة بعد اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” بالسيادة المغربية على المنطقة في أواخر عام 2020.
فنتيجة لهذه السياسة، فتحت عدة دول أفريقية قنصليات في الصحراء الغربية، وبالتالي أعلنت دعمها للمغرب، وذلك بفضل الضغط الفرنسي على المستعمرات السابقة في وسط وغرب إفريقيا، بتحريض صريح من واشنطن، حسبما يرى المحلل الروسي.
وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، انتقد “عمار بلاني”، معبوث الجزائر الخاص للصحراء الغربية والمغرب العربي، في مقابلة مع خدمة الصحافة الجزائرية (APS) ، إدراج الصحراء الغربية في الخريطة الكاملة للمغرب.
وارتبط ذلك بجولة جديدة من الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، بعد أن قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع الرباط في أغسطس/آب 2021 وأغلقت المجال الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية.
ويشير “أودينتسوف” في هذا الصدد إلى أن الجزائر هي أكبر دولة في إفريقيا، وتضع نفسها كقوة إقليمية لها مباديء خاصة، وتنظر قيادتها بشكل سلبي إلى أي محاولات من قبل دول أخرى للتدخل في سياستها.
ويرى المحلل الروسي أن جمع الجزائر بين أيديولوجيتها التاريخية وموارد الغاز الكبيرة يسمح لها بمقاومة أي ضغط خارجي بنجاح، حتى لو كان من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
وأشار إلى أن الجزائر حذرة للغاية من محاولات دول الناتو، خاصة فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، للتدخل في شؤونها الداخلية.
وفي هذا الإطار، صرح الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون”، في يونيو/حزيران 2021، بأن الجزائر غير مستعدة لأن تكون التالية بعد سوريا على قائمة واشنطن، ولا يمكنها تكرار مصير “القذافي”، ولذا “لن تخون أبدا تحالفها مع روسيا”.
وفي هذا الإطار يمكن قراءة موقف الجزائر الرافض لعمليات حلف الناتو العسكرية في ليبيا ومالي وسوريا ودول أخرى، إذ تنظر قيادتها إلى النزاعات الدائرة في هذه البلدان على أنها “شؤونها الداخلية” التي لا ينبغي للأطراف الخارجية التدخل فيها.
وعن تداعيات اشتعال العداء بين الجزائر والمغرب، يلفت المحلل الروسي إلى أن القوات المسلحة للبلدين تعتبر تقليديًا الأقوى في المنطقة المغاربية، وضمن الأقوى في أفريقيا، إذ دأب كل منهما على شراء أسلحة حديثة عالية التقنية وبنّاء قدراتهما الدفاعية.
وعلى مدار الـ15 عامًا الماضية وحدها، وقعت الجزائر سلسلة من عقود شراء الأسلحة الرئيسية مع روسيا، بما في ذلك مقاتلات “سو 30” وأنظمة الدفاع الجوي “إس 300″ و”إس 400” و”بانتسير إس 1″، بالإضافة إلى 600 دبابة من طراز “تي 90” و300 عربة مشاة مدرعة من طراز “تيرميناتور”، وعدة آلاف من مدرعات “فوكس” الألمانية.
وفي المقابل، لدى المغرب قوة مسلحة مماثلة، دعامتها الأساسية تتمثل في 400 دبابة من طراز أبرامز الحديثة، و3000 دبابة من الطرازات الأقدم.
وفي خريف عام 2021، أشارت تقارير إعلامية إلى أن الجيش المغربي اشترى طائرات إسرائيلية بدون طيار من طراز “IAI Heron” و”Harop kamikaze”.
وهنا يشير “أودينتسوف” إلى أن الجيش الجزائري يقوم على النموذج السوفياتي الروسي، بينما يشبه الجيش المغربي إلى حد كبير نسخة من الجيش الأمريكي.
لكن القوات الجزائرية تبدو عمومًا أكثر استعدادًا للقتال، ويرجع ذلك أساسًا إلى حربها شبه المستمرة ضد مجموعات الإسلاميين المتطرفين، المتمركزة في المناطق الصحراوية من البلاد، حيث يشارك جميع أفرادها بانتظام في عمليات مكافحة الإرهاب، حسبما يرى المحلل الروسي.
ويؤكد “أودينتسوف” أن نزاعًا مسلحًا بين الجزائر والمغرب سيكون كارثيًا على المنطقة بأسرها، إذ أن هكذا تصعيد “يمكن أن يضرب أسعار الغاز، وهو ما قد يكون مؤلمًا بشكل خاص لأوروبا”.
إلى جانب ذلك، يعد البحر الأبيض المتوسط نقطة استراتيجية عالمية، وفي حالة حدوث أعمال عدائية بين البلدين الجارين، فإن آلاف المغاربة والجزائريين المنتشرين في جميع أنحاء أوروبا، سينجرون إلى الصراع، ما يعني أزمات قد تطال الداخل الأوروبي ذاته.
وبالتالي، فإن التحدي الرئيسي اليوم، حسبما يرى المحلل الروسي، يتمثل في الحد من التوترات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، خاصة عبر كبح التدخلات الخارجية لصالح المغرب على النحو الذي فعلته إدارة “ترامب” سابقا.