سحب الأموال من البنوك.. دعوات مسمومة وخبيثة
سحب الأموال من البنوك.. دعوات مسمومة وخبيثة
دعوات مسمومة وخبيثة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب المصريين بسحب أموالهم من البنوك، زاعمة تعرضها لمخاطر شديدة!
تعرضت نحو 10 بنوك مصرية للإفلاس والتعثر وكان مصيرها الاختفاء والدمج خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، ورغم ذلك لم يفقد مودع أمواله في تلك البنوك.
القطاع المصرفي ملك للمصريين وليس للحكومة والسلطة الحاكمة، وهو الذي يدير مدخرات تتجاوز 6 آلاف مليار جنيه منها 3.6 تريليون جنيه للقطاع العائلي.
البنك المركزي المصري يضمن أموال المودعين وأي بنك يتعرض لمخاطر سواء أزمة سيولة أو تعثر في تحصيل أمواله فالبنك المركزي يضمن ودائع عملائه كاملة.
* * *
خلال الأيام الماضية انتشرت دعوات مسمومة وخبيثة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب المصريين بسحب أموالهم من البنوك، زاعمة تعرضها لمخاطر شديدة.
معظم الدعوات مجهولة المصدر أو من شخصيات لا تملك خبرة في إدارة الأموال والاستثمارات والنقود، واستند بعضها إلى مخاوف وأحيانا مزاعم ومعطيات غير حقيقية ومؤشرات مبالغ فيها، من بين تلك المزاعم التي يسوقها أصحاب دعوات سحب الأموال من البنوك:
– الحكومة المصرية يمكن أن تضع يدها على أموال المدخرين أسوة بما حدث في بلدان أخرى آخرها لبنان.
– الحكومة تعاني من أزمة سيولة نقدية، وسط مخاوف أثارها بعض الاقتصاديين من احتمالات دخول مصر على مشارف أزمة مالية جديدة، قد يترتب عليها إفلاس بعض البنوك.
– أزمة السيولة وصلت القطاع المصرفي في ظل توسع الحكومة في الاقتراض من البنوك بغزارة لتمويل مشروعات كبرى وتوقف البنوك عن اقراض بعضها عبر ألية الإنتربنك.
– هناك مخاوف لدى الحكومة من قيام المودعين بسحب أموالهم في حال حدوث قلاقل اقتصادية عالمية تنعكس سلبا على الاقتصاد المصري وذلك عقب رفع البنك المركزي الأميركي وغيره من البنوك المركزية الكبرى سعر الفائدة لمواجهة زيادة مخاطر التضخم.
زادت تلك الدعوات عقب التقرير الصادر عن مؤسسة فيتش العالمية للتصنيف الائتماني والذي حذر من أزمة سيولة مرتقبة في القطاع المصرفي بسبب شح النقد الأجنبي وزيادة عجز الحساب الجاري لمصر، وإقرار البنك المركزي المصري آلية لمنح سيولة طارئة للبنوك التي تعاني عجزاً في السيولة، ودعوة رسمية للمصريين لإيداع الأموال في البنوك بدلاً من العقارات.
الملفت في الأمر أنّ تلك الدعوات المسمومة والخبيثة التي تنتشر من وقت لآخر لا تستند إلى أساس اقتصادي ومالي سليم، بل إلى مخاوف يجري تضخيمها.
وبالتالي فإن الهدف منها قد لا يكون توعية المودعين والخوف على أموال المدخرين، بل إثارة الذعر بين جموع المصريين، وإحداث نوع من الارتباك داخل أكثر القطاعات الاقتصادية حساسية في البلاد.
وربما دفع المدخرين نحو سحب أموالهم من البنوك ووضعها تحت البلاطة، وبالتالي تعريض البنوك لمخاطر عدة منها السرقة والضياع والتآكل والتضخم. وربما دفع البعض نحو تهريب أمواله إلى الخارج كما جرى في سنوات سابقة.
والملفت أيضاً أنّ صوت هذه الدعوات التي انضم إليها بعض الاقتصاديين المناوئين للسلطة الحاكمة وصل بسرعة إلى آلاف المدخرين الذين باتوا يخشون على تحويشة عمرهم وضياعها، خاصة في ظلّ الأزمة المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن، وتوسع الحكومة المحموم في الاقتراض من البنوك، وهو ما يرفع أرقام الدين العام إلى معدلات غير مسبوقة. وكذا الاقتراض الخارجي الشره.
لكن هذه الدعوات تجاهلت حقائق عدة على الأرض منها مثلا أن البنك المركزي المصري يضمن أموال المودعين، وبالتالي فإن أي بنك يتعرض لمخاطر سواء أزمة سيولة أو تعثر في تحصيل أمواله فإنّ البنك المركزي يضمن ودائع عملائه كاملة، عكس ما يحدث في دول أخرى، وهذه الضمانة تمتد لكل البنوك العاملة في مصر، سواء محلية أو عربية أو أجنبية، ومعمول بها منذ سنوات طويلة.
تاريخياً، هناك نحو 10 بنوك مصرية تعرضت للإفلاس والتعثر وكان مصيرها الاختفاء والدمج خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، ورغم ذلك لم يفقد مودع جنيهاً واحداً من أمواله في تلك البنوك.
خذ على سبيل المثال بنوك الأهرام والنيل والاعتماد والتجارة–مصر ومصر أكستريور والمصري المتحد والدقهلية التجاري والمصرف الإسلامي الدولى للاستثمار والتنمية والمهندس وغيرها.
بنوك تعثرت كلها بسبب الفساد وسوء الإدارة ونهب أموالها من قبل برلمانيين ورجال الأعمال ومصرفيين، ورغم إفلاس تلك المصارف وإغلاق أبوابها بقرار من البنك المركزي ودمجها في وحدات مصرفية أخرى واختفائها للأبد، فإنّ البنك المركزي المصري تكفل بسداد أموال المودعين كاملة رغم تبخرها بسبب ضخامة الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها لدى تلك البنوك والتي تجاوزت ملياري جنيه في أحد البنوك، ما يعادل 580 مليون دولار بأسعار ذلك الوقت.
القطاع المصرفي هو ملك لكل المصريين وليس للحكومة والسلطة الحاكمة، وهو الذي يدير مدخرات تتجاوز 6 آلاف مليار جنيه منها 3.6 تريليون جنيه مملوكة للقطاع العائلي.
والعميل الأهم لهذه البنوك هو المودع وليس المقترض، وبالتالي فإن أي هزة بالقطاع ستكون لها انعكاسات مباشرة وخطيرة على المواطن ومدخرات المجتمع والاقتصاد القومي.
فالمواطن قد يفقد مدخراته كما حدث في لبنان، أو يحصل على جزء صغير منها وبالتقسيط على سنوات كما حدث في بلاد أخرى، وموظف الدولة لن يحصل على راتبه الشهري في حال تعرض البنوك لتعثر مالي، لأن البنوك هي الممول الأول للخزانة العامة، ومن أموالها يتم سداد الرواتب العاملين في الجهاز الإداري للدولة.
وفي حال تعثر القطاع المصرفي لن تجد الحكومة المال الكافي لتمويل واردات الأدوية والأغذية والبنزين والسولار والوقود وقطع الغيار ومستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة وغيرها.
ولن يجد رجال الأعمال المال الكافي لتمويل مشروعاتهم الاستثمارية والإنتاجية التي يتم من خلالها توفير فرص عمل ملايين المصريين.
ببساطة، فإن اقتصاد أي دولة يتهاوي وينهار بسرعة في حال تعثر القطاع المصرفي رئة أي اقتصاد، وما تجربة لبنان عن المصريين ببعيد.
القطاع المصرفي قطاع حساس جداً، والمناكفات السياسية يجب ألا تمتد لهذا القطاع الذي يجب ألا يتم العبث به، لأن الاقتراب منه خط أحمر ولعب بالنار ممكن أن تلتهم الجميع في أيام معدودة، وفي المقدمة المواطن نفسه.
الحكومات تغادر مواقعها وإن طال الزمن، وبالتالي فإنها ليست متضررة من تعثر القطاع المصرفي، عكس المدخر الذي قد يكون المتضرر الأول وربما الأخير من أي أزمة تتعرض لها البنوك.
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي