خبراء : الغزو الروسي لأوكرانيا لن يكون “نزهة”
في الوقت الذي لا تزال روسيا تحشد جنودها قرب الحدود مع أوكرانيا، يؤكد محللون أن أي تحرك عسكري روسي “لن يكون سهلا” كما حصل في 2014.
وتشير تقارير استخباراتية أميركية إلى زيادة في تحركات القوات الروسية نحو حدودها مع أوكرانيا، حيث تزداد المخاوف من غزو واسع النطاق لأوكرانيا يتوقع أن يحدث مطلع العام المقبل، وفق تحليل نشره موقع معهد “بروكنغز”.
وتحذر الدول الغربية موسكو من أنها ستواجه عقوبات اقتصادية غير مسبوقة إذا أقدمت على غزو أوكرانيا.
وتدور حرب أهلية في شرق أوكرانيا بين قوات كييف وانفصاليين موالين لروسيا اندلعت عام 2014 بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم، والتي تسببت في نزوح أكثر من مليوني شخص ومقتل أكثر من 14 ألف شخص.
4 عوامل
المحلل السياسي، علي رجب، يرى في حديثه لموقع “الحرة” أن هناك 4 عوامل “تؤشر على أن أي عملية عسكرية روسية محتملة ضد أوكرانيا لن تكون نزهة كما كانت في شبه جزيرة القرم”.
أولها، أن أوكرانيا لديها حاليا شبه حالة من الاستقرار السياسي على عكس ما كانت عليه في 2014، وهو الاستقرار الذي يدعم القوات المسلحة الأوكرانية في عملية توحد القرار أمام أي محاولة عسكرية روسية للتدخل في أوكرانيا.
والعامل الثاني، هو وجود موقف أوروبي قوي ليس داعم لأوكرانيا عسكريا وسياسيا واقتصاديا واعلاميا واستخباراتيا فقط، ولكن هذا الموقف هو مدعوم من مخاوف أوروبية بأن أي عملية عسكرية روسية ضد أوكرانيا تشكل بداية لعودة روسيا للسيطرة على شرق أوروبا وهو ما يهدد أوروبا كلها لاحقا، أي أن أوكرانيا تشكل خط الدفاع الأول عن الدول الأوروبية ضد أي حرب محتملة مع روسيا.
أما العامل الثالث، فهو دور الولايات المتحدة الأميركية في دعم أوكرانيا ودول شرق أوروبا وأيضا حلف الناتو في مواجهة أي تهديد روسي حقيقي، وهذا كان واضحا، حسب رجب، من تصريحات إدارة البيت الأبيض والبنتاغون والكونغرس الأميركي، أي أن عملية عسكرية ضد أوكرانيا قد تهدد باندلاع حرب واسعة في منطقة شرق أوروبا.
والعامل الرابع، هو دعم الدول الأوروبية وحلف الناتو والولايات المتحدة بتسليح الجيش الأوكراني، وحصول جيش أوكرانيا على أسلحة متقدمة من دول الناتو في دعم ضد أي تهديد روسي، وأيضا عملية التدريب العسكري ورفع الكفاءة العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية مقارنة بما كانت عليه في 2014.
وأشار رجب إلى أن اندلاع حرب في شرق أوروبا من قبل روسيا يدخل الاقتصاد الروسي والعالمي في أزمة في ظل ما يمر به العالم من جائحة كورونا، وقد تجد روسيا وحيدة في مواجهة أوروبا في حالة اندلاع هذه الحرب، ناهيك عن تهديدات أوروبا بوقف خطوط الغاز الروسية، والاتجاه إلى غاز دول شرق المتوسط، يجعل من الصعب على الاقتصاد الروسي التقليدي الصمود في حرب طويلة في شرق أوروبا، وهو ما يهدد قدرة الدولة الروسية على دفع التكلفة المحلية والدولية لأي عمل عسكري ضد أوكرانيا.
“مهمة غير سهلة”
المحلل السياسي، عامر السبايلة، قال في رده على استفسارات “الحرة” إن “روسيا لن تستطيع الدخول في حرب مباشرة ومفتوحة مع أوكرانيا.
وأكد أنه في حال قيامها بغزو أوكرانيا “لن تكون مهمة سهلة أو نزهة”.
وأضاف أنه منذ وصول إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بدأت روسيا بمحاولة قياس مدى قدرتها على التمادي لتحقيق المكاسب الدولية خاصة بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
ويشير إلى أن ما تقوم به روسيا من تحركات استفزازية يهدف إلى تشتيت الانتباه الأميركي، وإثبات أن إعطاء روسيا مكتسبات دولية هو الطريقة الأفضل لاحتوائها.
المنطق الخاص لبوتين
ستيفن بيفر، من معهد بروكينغز أشار إلى أنه في عام 2015 ، “توسط الألمان والفرنسيون في اتفاق يسمى مينسك الثاني بين الأوكرانيين والروس، وكان الهدف منه حل الصراع، لكن للأسف ، لم يتم تنفيذه مطلقا. ولا حتى البنود الأولى التي كانت تتعلق بوقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة من خط التماس”.
ويرى أن “موسكو أرادت الحفاظ على هذا الصراع المحتدم وهي تستخدمه كوسيلة للضغط على أوكرانيا وتشتيت انتباهها”.
وأضاف أن ما يحدث في الأسابيع الماضية “كشفت عنه مخاوف استخباراتية والكثير من القلق تم التعبير عنه في واشنطن وعواصم أوروبية حيث زادت أعداد القوات الروسية بالقرب من أوكرانيا، ورغم أنه قد يكون تكرارا لما رأيناه سابقا إلا أن هذه المرة أكثر جدية، حيث يتوقع أن يبلغ عدد الجنود الروس 175 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا”.
ويؤكد بيفر أن “تكاليف قيام روسيا بتوغل عسكري كبير في أوكرانيا كبيرة ويجب أن يتم إثناؤهم عن القيام بذلك، ومن وجهة نظر الكرملين قد تكون هناك تنازلات من كييف والغرب مع مجرد تهديد القوة العسكرية الروسية”.
وزاد أن “هناك الكثير من التكهنات حول ما سيحصل بين روسيا وأوكرانيا، فيما تريد أوكرانيا أن تكون مرتبطة بالغرب بشكل كبير نتيجة للسياسات الروسية”.
ويعتقد بيفر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتجه نحو الخداع أكثر من النية الفعلية لغزو حقيقي، خاصة وأن “بوتين لديه منطقه الخاص”، لكن الغرب منزعج بشدة من سلوكيات روسيا.
ويرى أن “بوتين وصلت له رسائل الغرب خاصة من خلال الاتصال الهاتفي الذي تلقاه من بايدن، حيث يمكن أن تقع عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو، وقد يرى تدفقا للمساعدات العسكرية الغربية بشكل أكبر لأوكرانيا في مواجهة روسيا”.
وحتى على الصعيد العسكري، فإن “أوكرانيا في 2021 تختلف كثيرا عما كانت عليه في 2014، إذ أصبح لديها عشرات الآلاف من الجنود، ما يعني أن ما كانت تراه موسكو بالمهمة السهلة، لم تعد كذلك” وفق بيفر.
ويشير إلى أن “الأمر مثير للسخرية بعض الشيء حيث تمتلك روسيا أكبر ترسانة نووية في العالم، ولديها أكبر وأقوى قوة عسكرية تقليدية في أوروبا، كما لديها قوات تحتل أجزاء من أراضي أوكرانيا، لكن الرئيس يطالب بوتين بضمانات أمنية بأن الناتو لن يتوسع في ضم دول في المنطقة”، ناهيك عن مخاوف بوتين الأمنية من أنه “قد تكون هناك صواريخ هجومية أميركية في أوكرانيا يمكن أن تضرب موسكو في غضون 5 دقائق”.
ويوصي بيفر بمواصلة “الدبلوماسية من أجل نزع فتيل الأزمة، رغم أنها ستكون عملية طويلة وشاقة، بدلا من الحديث عما يمكن أن يكون أكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية”.
ضمانات أمنية
وأعلنت روسيا مؤخرا أنها سلمت إلى الولايات المتحدة قائمة “مقترحات” تشمل الضمانات القانونية التي تطالب بها لأمنها الذي تعتبره مهددا.
وقال يوري أوشاكوف، مستشار السياسة الخارجية في الكرملين للصحفيين “سلمت وزارة الخارجية الروسية مقترحاتنا الملموسة إلى المسؤولين الأميركيين”.
وأوضح أن هذه المقترحات “الهادفة إلى وضع ضمانات قانونية لأمن روسيا” تم تسليمها بصورة خاصة إلى مساعدة وزير الخارجية المكلفة شؤون أوروبا، كاربن دونفريد التي زارت موسكو هذا الأسبوع بعد زيارتها كييف.
وأعرب بوتين خلال اجتماع عبر الفيديو مع نظيره الصيني شي جينبينغ عن أمله بأن “يكون رد الأميركيين وحلف شمال الأطلسي إيجابيا على هذه المقترحات”، بحسب مستشار الكرملين.
وفي مقطع فيديو نشر الأربعاء، قالت دونفريد إنها “ستنقل هذه الأفكار إلى واشنطن وتشاركها مع حلفاء وشركاء” الولايات المتحدة.
وأضافت أنها أعربت خلال المناقشات في موسكو عن “مخاوفها إزاء التعزيزات العسكرية لروسيا قرب أوكرانيا”، مجددة تأكيدها التزام واشنطن الدفاع عن “سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها”.
ودعا بوتين إلى إجراء مفاوضات “فورية” مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة حول الضمانات التي طلبها مطلع ديسمبر من نظيره الأميركي، جو بايدن.
وتعارض روسيا بشكل خاص أي توسع للحلف في الدول المجاورة لها مثل أوكرانيا، وترغب في الحصول على ضمانات قانونية من شأنها استبعاد مثل هذا الاحتمال مستقبلا.