إسرائيل غيّرت سياستها تجاه إيران: استمرار العقوبات ولا هجوم عسكريا
لا يبدو تباهي إسرائيل بعزمها إسقاط النظام الإيراني واقعيا ربما بالإمكان إضعافه لكن إذا انهار النظام في النهاية فسيحدث هذا نتيجة تحولات داخلية.
في 2022 ستشتد معضلة إسرائيل: هل ينبغي مهاجمة منشآت الإنتاج والمخاطرة بحرب؟ وهل أزمات لبنان السياسية والاقتصادية لا تلجم كثيرا عمل حزب الله؟
تفضل إسرائيل نظاما إيرانيا بـ90% تخصيب لكنه فقير في أزمة اقتصادية عميقة ملاحق دوليا مكروه داخليا، على نظام إيراني بـ60% تخصيب ويغدق أموالا على حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وصناعة الاسلحة.
* * *
اعتبر محللون إسرائيليون أن التقارير حول السياسة الإسرائيلية تجاه مفاوضات فيينا النووية الجارية وتهديدات إسرائيلية بشن هجوم عسكري في إيران لا تعكس الحقيقة والواقع، ولا تعكس المحادثات الجارية بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول الاتفاق النووي أيضا. فأولويات إسرائيل بالنسبة لإيران مختلفة كما أن قدرة إسرائيل على شن هجوم عسكري ليست متوفرة حاليا، ولن تكون متوفرة في السنوات المقبلة.
ووفقا للمحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، فإنه بموجب الرسائل التي تصل إلى إسرائيل من واشنطن وفيينا بشكل مباشر وغير مباشر لا تترك مجالا للشك بأن “الإدارة الأميركية تلمح، تقترح، تدفع إسرائيل إلى التهديد بهجوم عسكري على إيران”. وذلك بالرغم من أن “إدارة بايدن تبذل جهدا بالغا من أجل التوصل إلى اتفاق مع إيران، وبأي ثمن تقريبا”. ورفضت إسرائيل حتى الآن هذا الطلب الأميركي.
وأوضح برنياع هذا التناقض بأن الإدارة الأميركية، من بايدن وجميع العاملين فيها، هم خريجو جولات المحادثات السابقة مع إيران، في عهد الرئيس باراك أوباما. “لقد رأوا كيف أن التهديدات الإسرائيلية بعملية عسكرية، في العامين 2013 و2015، ليّنت مواقف إيران في المفاوضات”.
وأضاف أنه رغم غضب الأميركيين من خطابات رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها، بنيامين نتنياهو، في الأمم المتحدة والكونغرس، “لكنهم عرفوا كيف يستخدمونها. فالضغوط السياسية والعسكرية دفعت طهران وواشنطن إلى تنازلات. وهذه كانت مساهمة نتنياهو في الاتفاق الذي عارضه”.
وبحسب برنياع، فإن “الأميركيين توقعوا أن تقوم إسرائيل بالدور نفسه الآن، وأن تهدد بحرب وتليّن مواقف الإيرانيين في فيينا”. لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، ووزير الخارجية، يائير لبيد، ووزير الأمن، بيني غانتس، “بلوروا فيما بينهم مفهوما يتمسكون به. وإذا كنت أفهمهم بشكل صحيح، فإنه تم تغيير التصور. وغانتس سافر إلى واشنطن هذا الأسبوع، من أجل تسويق التغيير لنظرائه الأميركيين، وقال بينيت إن الأميركيين يصدقونه. وتم إيفاد رئيس الموساد، دافيد برنياع، كلاعب تعزيز”.
والتغيير الحاصل في السياسة الإسرائيلية الآن، حسب برنياع، هو أن نتنياهو كان يحذر من وصول إيران إلى تخصيب يورانيوم بنسبة 90%، بخطابه في الأمم المتحدة حاملا لوحة رُسمت عليها قنبلة، عام 2012، ويهدد بأن هذا يعني أن إيران ستصنع سلاحا نوويا، وبالتالي حربا ستشنها إسرائيل.
وتابع برنياع أن “الأميركيين جاؤوا إلى فيينا من أجل تحقيق اتفاق يجمد تخصيب اليورانيوم لفترة محدودة. وفي المقابل تلغي أميركا قسما من العقوبات. وبنيت اعترض، ورأى أن ذلك سيعلق ولن يوقف التخصيب. وقال إن ’النتيجة ستكون ضخ فوري لمليارات الدولارات إلى المشاريع العسكرية الإيرانية ولأذرعها الإرهابية’”.
ويعني ذلك أن الموقف الإسرائيلي انتقل من التركيز على نسب التخصيب إلى التركيز على المبالغ المالية. “إذا توصلت أميركا وإيران إلى اتفاق يجمد التخصيب مؤقتا، سسيخرج 12 مليار دولار، نقدا، من الحسابات البنكية المجمدة وتُنقل إلى إيران. وإذا توصلوا إلى اتفاق واسع، سيقترب المبلغ من 50 مليار دولار”، بحسب برنياع.
وأضاف أنه “تعزز الإدراك في إسرائيل أن إيران، مع الخبرة المتراكمة والمعدات والإصرار، هي في صورة دولة عتبة، وربما في مكانة دولة عتبة. وخيار الحكومة الإسرائيلية هو بين إمكانيتين سيئتين.
وهي تفضل نظاما إيرانيا مع 90% تخصيب، فقير، في أزمة اقتصادية عميقة، ملاحق في المنظومة الدولية، مكروه داخليا، على نظام إيراني مع 60% تخصيب وينثر أموالا على حزب الله، حماس، الجهاد الإسلامي، صناعة الاسلحة.
وهناك جهد أيضا لإدخال التقدم الإيراني إلى تناسبية. وقال أحد صناع القرار في إسرائيل إن 90% مادة مخصبة هي مثل بارود بدون مدفع، وليس بالإمكان فعل شيء به”.
تهديدات إسرائيل أشبه بمسدس بدون ذخيرة
من جانبه، أشار المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، إلى أن وضع المحادثات في فيينا صعب، لكنها لا تحتضر. “وهناك تناقضات في إسرائيل حيال النتيجة المرجوة من هذه المحادثات. والأمر الثاني، هو أن التهديدات بهجوم لم تعد تثير انطباعا كبيرا في العالم، وخاصة في أعقاب الكشف عن خلافات داخلية شديدة حيال إهمال الخيار العسكري ضد إيران في السنوات الأخيرة”.
وأضاف هرئيل أن سجالا ساخنا دائرا في إسرائيل حول هجوم جوي إسرائيلي في إيران، “وربما هذه كانت إمكانية واقعية قبل عشر سنوات. والآن، فيما الجيش الغسرائيلي بدأ بإنعاش الخطط العسكرية، ستمرّ سنوات أخرى على ما يبدو قبل أن تتم دراسة الأمر بجدية، وفي حينه ايضا ينبغي دراسة احتمالات النجاح وكذلك المخاطر بأن يؤدي الهجوم إلى حرب إقليمية، تكون فيها الجبهة الداخلية الإسرائيلية معرضة لاستهداف غير مسبوق من جانب حزب الله. وبكلمات أخرى، فإن المسدس الذي تلوح به إسرائيل يكاد يكون فارغا من الذخيرة حاليا”.
وفي هذه الأثناء، ينتظرون في إسرائيل نتائج محادثات فيينا. واعتبر هرئيل أن فشلها من شأنه أن يؤدي إلى تغيير في موقف الإدارة الأميركية، وربما يوافق بايدن على إعادة النظر بإمكانيات أخرى. “وهذا ما سيحاول قوله غانتس في واشنطن. فإسرائيل معنية بعقوبات أشد على إيران، إلى جانب تلميح أميركي يجسد وجود تهديد عسكري، مثل مهاجمة قواعد الميليشيات الشيعية في أرجاء الشرق الأوسط. والإدارة، حسبما تبين حتى الآن، تميل إلى إجابة سلبية”.
ولفت هرئيل إلى أنه “في الجيش الإسرائيلي يتغلغل، بتأخير معين، الإدراك أن الحديث لا يدور عن صراع ضد البرنامج النووي، وإنما عن منافسة إستراتيجية طويلة المدى مع الإيرانيين. فهذه معركة معقدة، ليست محدودة بالوقت ولا بحسم واضح في نهايتها بالضرورة. وإسرائيل لا تميل إلى التفكير بمصطلحات أو بأمدية زمنية كهذه. لكن إيران هي دولة عظمى إقليمية، دولة عملاقة تعمل استنادا إلى وعي تاريخي قوي وإدراك مختلف للزمن، وأظهر نظامها قدرة مثيرة للإعجاب على الصمود في أزمات وأوضاع معقدة”.
وأضاف أنه “على هذه الخلفية، لا يبدو التباهي في إسرائيل بعزمها إسقاط النظام الإيراني واقعيا. ربما بالإمكان المساعدة في إضعافه، لكن إذا انهار النظام في النهاية فإن هذا سيحدث نتيجة تحولات داخلية”.
وأشار هرئيل إلى أن إسرائيل نفذت عمليات كثيرة ضد إيران في العقد ونصف العقد الماضية، بينها اغتيال علماء وهجمات متواصلة في سورية.
وبحسبه، “يبدو أن حزب الله موجود عند عتبة قدرة إنتاج ذاتي كبير لدقة القذائف الصاروخية في لبنان. وتم وصف تطور كهذا في الماضي بأنه خط أحمر. وفي العام المقبل، ستشتد المعضلة الإسرائيلية: هل ينبغي مهاجمة منشآت الإنتاج والمخاطرة بحرب؟ وهل الأزمات السياسية والاقتصادية الهائلة في لبنان لا تلجم كثيرا حيز عمل حزب الله؟”.