شولتز.. رجل السنافر الذي قاتل ليصبح حاكما لالمانيا
سنوات طويلة تحدث فيها أولاف شولتز عن حلمه الأكبر، أعلنه في وجه الجميع حتى عندما كان أقرب للاستحالة منه للتحقق، فكان له ما أراد.
فشولتز “٦٣ عاما” تحدث مرارا خلال السنوات الماضية عن رغبته وحلمه في أن يصبح مستشارا، قالها في التصريحات الصحفية مرارا، وأعلنها لمؤيديه والصحفيين في أبريل/نيسان الماضي عندما كان حزبه يحوز تأييد ١٤% فقط من الناخبين.
وبثقة بدت في وقتها “مبالغا فيها” أو “في غير محلها”، وقف الرجل الستيني مخاطبا مؤيدي الحزب الاشتراكي الديمقراطي والصحفيين: “أريد أن أصبح مستشارا”.
لكن عبارته كانت مبالغا فيها طوال الأشهر الماضية، وحتى قبل شهرين فقط من انتخابات سبتمبر/أيلول الماضي، لأن حزبه كان عالقا في المرتبة الثالثة بـ14% من نوايا التصويت، وبعيد بأكثر من عشر نقاط عن المقدمة.
غير أنه ظل على ثقته الكبيرة في قدراته وخبراته وفرص حزبه، حتى إنه قال في تصريحات لمجلة دير شبيجل الألمانية قبيل الاقتراع: “هذه فرصة حقيقية لنا.. نحن (أي الاشتراكيين الديمقراطيين) الوحيدون الذين يملكون مرشحا لائقا ومناسبا ومؤهلا لمنصب المستشار”.
ومنذ تسمية الحزب الاشتراكي الديمقراطي، شولتز، مرشحه للمستشارية صيف 2020، برز اسم الرجل كأكثر المرشحين خبرة بدولاب العمل الحكومي على المستوى الفيدرالي، والأكثر تمرسا في العمل السياسي.
وبعد خروج المستشارة أنجيلا ميركل من الساحة السياسية بشكل طوعي وقرار عدم خوضها الانتخابات، أصبح شولتز بشكل تلقائي المرشح الأبرز لخلافتها، لأنه يملك خبرة كبيرة في الدولاب الحكومي، ويشغل منذ مارس/آذار 2018، منصب وزير المالية؛ أهم حقيبة في الحكومة، بالإضافة إلى منصب نائب المستشارة.
كما أن شولتز شغل منصب عمدة هامبورج “وسط”، وهي واحدة من أهم المراكز الاقتصادية في ألمانيا وفي أوروبا بأثرها، في الفترة بين عامي 2011 و2018.
شولتز المعروف بلقب “رجل السنافر” لتشابه ابتسامته بالشخصية الكارتونية الشهيرة، كان يعد نفسه لمنصب المستشار منذ 2019، ويقبض على حلمه وهدفه بثقة كبيرة.
ففي أبريل/نيسان 2019، تحدث شولتز لمدة 40 دقيقة في معهد بيترسون للدراسات في واشنطن عن “التعددية في النظام الدولي” و”الفلسفة السياسية”، و”التنمية المستدامة”، أمام جمع من الصحفيين والمتابعين.
وعندما بدأ الملل يضرب القاعة، وجه أحد الحضور سؤالا لشولتز: حزبك يؤدي بشكل سيئ في استطلاعات الرأي، ماذا يمكن أن يفعله الحزب حيال ذلك؟، ورد السياسي المخضرم: يحب أن يدعم الحزب التوازن الاجتماعي والثقة في المستقبل، كما يجب أن يستعد لحكم البلاد.
واعتبرت وسائل الإعلام الألمانية في ذلك الوقت، رد شولتز، تعبيرا واضحا عن رغبته في أن يصبح مستشارا خلفا لميركل، بل ذهبت مجلة دير شبيجل المرموقة للقول إنه “أطلق بالفعل حملته من أمريكا”.
أمل وعمل
لكن الأمل والحلم شيء والعمل السياسي شيء آخر، فالرجل لم يكتف بالثقة، وإنما خاض حملة قوية لأشهر طويلة في ظل أرقام شعبية متدنية لحزبه وابتعاد كامل عن صراع المقدمة.
وبحملة قوية وبرنامج يركز على قضيتي المناخ والرعاية الاجتماعية، حقق شولتز قفزات كبيرة في شهرين فقط، وتحرك حزبه تدريجيا من المرتبة الثالثة، إلى المقدمة، ووصل القمة قبل أسابيع قليلة من الانتخابات، وحافظ عليها في النتيجة النهائية.
وطوال هذا الطريق، تغلب السياسي المخضرم الذي حمل آمال حزبه في العودة إلى السلطة بعد 16 عاما من الغياب، على عدد كبير من العقبات والصعوبات.
أولى هذه الصعوبات هو التراجع الكبير والمستمر في شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ الانتخابات التشريعية التي أجريت في سبتمبر/ أيلول 2017، إذ حصد آنذاك 20.5% من الأصوات، واحتل المرتبة الثانية بعد الاتحاد المسيحي (33%)، وواصل بعدها السقوط الحر إلى نسبة 14%.
كما أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي عانى ظروفا صعبة في ٢٠١٩، حيث تعرض لخسارة كبيرة في الانتخابات الأوروبية في مايو/أيار من هذا العام، واستقالة رئيسته أندريا ناليس. وعانى الحزب فراغا على مستوى القيادة وفوضى سياسية استمرت أشهر، حتى انتخاب قيادة جديدة في نهاية نفس العام.
فيما كان آخر تحد واجه شولتز، هو تنفيذ الشرطة بأمر من الادعاء العام تفتيشا في أروقة وزارة المالية التي يترأسها، قبل أيام من الاقتراع، لفحص اتهامات في تلكؤ الوزارة في مواجهة جرائم غسل الأموال، لكنه هاجم الخطوة ووصفها بـأنها “مسيسة وترمي لتحقيق هدف سياسي”، نافيا أي تقصير في مكافحة هذه الجرائم.
مفاوضات صعبة
خبرة شولتز واستراتيجيته في الحملة الانتخابية منحت حزبه فوزا صعبا بالاقتراع التشريعي في سبتمبر/أيلول الماضي لأول مرة منذ ٢٠ عاما، ثم بدأت خطوة المفاوضات الصعبة لتشكيل ائتلاف جديد.
وكما قاد الاقتراع، خاض شولتز وحزبه الاشتراكي الديمقراطي مفاوضات صعبة مع حزبي الخضر والديمقراطي الحر، توقع أكثر المتفائلين أن تستمر ٦ أشهر، لكنه حسمها في شهر واحد وتوصل لاتفاق لتشكيل ائتلاف حاكم جديد.
وعلى أساس هذا الاتفاق، انتخب البرلمان الألماني اليوم الأربعاء، شولتز مستشارا جديدا للبلاد، ليقود البلاد لمدة ٤ سنوات مقبلة، محققا حلما قديما قاتل من أجله، فكان له ما أراد.