أيمن السيسي يواصل البحث عن ذهب السلطان المعظم في قارة أم الصغير .. «ثلاثية الجارة 2»
تحقيق: أيمن السيسي (تصوير: محمد عبده)
>> نقلا عن صحيفة الأهرام
عام 2006 عزمت على السفر إليها -من سيوة- فجرًا، تمتعًا ببرودة الهواء قبل سخونة شمس الضحى، كان الصباح مبالغًا فى فتنته وسيارتنا ترتقي الطريق الصاعدة من سيوة، تلاحقنا أشعة الشمس من خلف التلال البعيدة لتعانق خضرة الأرض، وتنازع ندى الفجر على خد الشجر.
انفلتنا إلى الصحراء لمسافة 270 كم من سيوة وحتى الجارة، مررنا فيها بـ “بئر النص” ثم انحرفنا يمينًا باتجاه “الجارة”، قفر هي الطريق ومرهقة للسيارة، انطلقنا وكأننا نغوص فى طريقنا الهابطة إلى أعماق الأرض، الصحراء يمينا وشمالا جرداء قاحلة، أخالني عدتُ إلى أزمنة سحيقة موغلة في القدم.
في، الزيارة سمعت لأول مرة باسم ياجا، عندما سألت شيخها حسن خليفة -الذي أكرم وفادتي بكوب من النعناع و”باكو” من البسكويت- لماذا لم تغادروا الواحة إلى “ِقريشت” فى سيوة، عندما فكر اللواء مختار قنديل رئيس جهاز التعمير الأسبق إنشاء بيوت لكم فيها بالقرب من العمران والناس بدلا من عزلتكم في واحة قصية لا تصلونها إلا بشق النفس وتنعدم فيها الخدمات، فلا كهرباء ولا تليفونات ولا مواصلات ولا موارد سوى بعض البلح، وكميات بسيطة من الزيتون؟.
رد الرجل: ونسيب سيدي ياجا لمين!!!! قالها فى استهجان وحنو على شيخه الساكن ضريحًا فوق الجبل اتجاه الشرق، قرب البلدة القديمة الرابضة فوق كتلة صخرية كبيرة ترتفع أربعين متراً فوق سطح الأرض على مساحة تزيد قليلا على 5 آلاف متر، وتبدو للرائي من بعيد كأنها سفينة أرخت قلوعها واستقرت فوق الجبل.
لم اهتم بأياجا ولابضريحه ولم أزره هو ومجاوره عبد الله واهتممت بالزيتون والنخيل وبئر مياه عين فارس التي تخرج 350 مترًا في الساعة ومهدرة دون الاستفادة منها، عام 2012 طرت إلى نواكشوط عاصمة موريتانيا لأتخذ الطريق منها إلى “تمبكتو” مدينة الله وجوهرة الصحراء برا، لتغطية أحداث انفصال أقليم “أزواد” عن دولة مالي -أقليم الطوارق الذي ألحق بها قصرًا عند زوال الاحتلال الفرنسي عام 1960- ولكن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب قفز على تمرد الطوارق واحتل “تمبكتو” وأعلنها إمارة إسلامية.
في نواكشوط اصطحبني صديقي الدكتور محمد ولد أحظانا رئيس اتحاد كتاب موريتانيا إلى المعهد الوطني للمخطوطات للبحث عن مخطوطات لرسالتي للدكتوراه عن أزمة الفقه في مواجهة خصوصية واقع الصحراء، استقبلتنا مديرته ابنة بنت الخالص، وفرت لي فرصة البحث، واجتهد معي وساعدني بعض موظفي الحفظ للوصول إلى بعض ما أحتاج فوجئت باسم “ياجا” في مخطوط “الذين ولدوا بعد الموت”، قال كاتبه مجهول الاسم: إن منسا موسى أخفى الكنز فى إحدى جزر النيل الزنجى، وظل قائمًا على دفنه يتابع عبيده الثلاثين وعلى رأسهم “ياجا”…هل هو ياجا دفين الجارة؟ استبعدت ذلك ولم أر ثمة علاقة والمسافة بين الواحة وتمبكتو آلاف الأميال، والسنوات قرون…. بعد عودتي من تمبكتو لم أستطع – رغم شقاء الرحلة- أن أكون في مدينة النعمة بأقصى شرق موريتانية، وعلى بعد 160 كم من ولاته أهم مدن الصحراء ودرة المدن القديمة ولم أزرها متتبعًا خطوات ابن بطوطة التي زارها قبل ستمائة عام وأن أزور “كومبي صلح” عاصمة مملكة غانة القديمة بلاد الذهب فتحاملت وتحملت مشاق الطرق الوعرة وزرتهما لتكتمل المفاجأة الأسطورية وتتجمع لدي خيوط الحكاية…حكاية الكنز المخبوء الذي دفع سلطان مراكش (المغرب) الاحتلال تمبكتو ودفع أوروبا لاحتلال افريقيا .ففي رحبة ولاته قادتني جولة البحث إلى الفقيه التازختي الذي بلغ آنذاك أكثر من 120 عامًا، وكان قد قضى في مصر عامًا بعد عودته من الحج عام 1318 هجري \1901 ميلادي بحثًا عن نصف خريطة الكنز ليكمل بها النصف الآخر الذي استخرجه قبلها بأعوام من “باب القيامة”، بعد أن وجد إشارات إليه في مخطوط “المأثور فيما نصحت به ملوك التكرور” الذي كتبه الإمام الجلال السيوطي وذكر فيه اسم “ياجا”…… لماذا بحث أسكيا محمد سلطان صنغي عن آثاره في مصر والحجاز بعد 150 عامًا من موت ياجا ولماذا سأل عنه الإمام السيوطي؟ السبب هو كنز الذهب الذي جمعت لي المصادفات واحتمال الشقاء في رحلات مرهقة على مدى سنوات خيوط الحكاية.
ضريح “ياجا” في “الجارة” عبارة عن غرفة مبنية بالطوب اللبن، عرضها ثلاثة أمتار وطولها أربع، ترتفع وسطها مقصورة الجثمان مغطاة بالساتان الأخضر الذي تآكلت حوافه وعلاه التراب وأعلاه تنتصب أربعة أعمدة حليات زينت بالهلال وسطه النجمة، معلق على أحدها بندير “طار” قديم متهالك، وعلى الحائط المقابل عُلقت ربابة قديمة مقطعة الأوتار، تحتها صندوق خشبي قديم حُفر على واجهته “الحرم النبوى .. هدية من محمد عبد الله سامى” والتاريخ 1043 هجريًا “وضع فوقه بعض صاجات وأدوات الاحتفال، وبراد شاي قديم ومصحفًا طُبع في أربعينيات القرن العشرين وبعض “البخور والعطور”. زينت الجدران الأربعة ببعض أوعية الخوص الفارغة، أما الملابس والأقمشة الموجودة فى الصندوق فقد كانت تستخدم في الاحتفال بمولده في ليلة تمام القمر،بصحيح انهم لا يعرفون تاريخ مولده، ولم يسجلوا تاريخ وفاته ولكنهم ربطوا الاحتفال به بموسم حصاد البلح، وظل للمقام خادم يتوارث خدمته أباً عن جد، آخرهم موسى عبد الجواد الذى انصرف عن خدمته بعد توظيفه كعامل لتشغيل مولد الكهرباء الذي ينير الواحة ساعات محدودة في الليل، داخل الضريح فوق المقصورة، يمتد جذع نخلة من الجدار الشرقي إلى الجدار الغربي، عُلق فيه حبل تتدلى منه 41 من بيض النعام، جميعها فارغ مجوف وبعضها مكسور، قال الشيخ عمر الذي اصطحبني لزيارة المقام: أنه سمع القدماء يحكون أن بعض حجاج الغرب منذ مئات السنين…. تذكرت أن مثل هذا البيض رأيته فى مقام أحد الأولياء فى مدينة طبرق في ليبيا، وما قرأته على لسان الكولونيل “لانسى نورث” الذى تولى قيادة الهجانة بمصلحة الحدود المصرية فى عشرينات القرن العشرين في مذكراته: “على بعد ثمانين ميلاً تقريبًا جنوب سيوة لمحت بعض قطع من الآلات الصوانية وبقايا من بيض النعام .
قرأت في مخطوط “الذين ولدوا بعد الموت” أن ياجا كان أحب عبيد “منسا موسى” إلى قلبه، وكان يعرف السحر ولغة الكهان. وأنه رصد على الكنز عندما أخفوه في نيل الزنوج-نهر النيجر- قريبا من “كابارا” الرصد لحمايته.. بعدها اصطحبهم السلطان منسا موسى في رحلته إلى الحج – أكتوبر عام 1324م-724هـ – ضمن خمسمائة خادم، وستة آلاف حارس، مع ثلاثمائة جمل محملة بالذهب، وليس ذلك ببعيد عما كتبه الصحفي والرحالة الفرنسي “فيلكس ديبوا فى كتابه “تمبكت العجيبة” (1862-1945) من أنه سمع عن ذهب مدفون وسط نهر “تمبى”، تحت جزيرة صخرية يُشاع أنها مقر “روح الربيع” موطن “الكاهن الأعظم” الذي يمثل نائب إله الخلق، يعيش في بيت من الذهب، وأن الأطفال حول النهر أخبروه أنهم سمعوا ضوضاء وجلبة وصرير أبواب منازل القوى العليا عند فتحها وإغلاقها ….”
وما سجله الرحالة العرب عن رحلة منسا موسى للحج، وأنه وزع في مصر من الذهب الكثير كهدايا وعطيات لكل من التقاه فى البلاط السلطانى، غير ما وزع من صدقات ومساعدات للفقراء، ذكر ابن بطوطة – زار مصر بعد رحلة منسا بسنوات – أن : “الذهب كان مرتفع الثمن بمصر، المثقال لا ينزل سعره عن خمسة وعشرين درهماً، إلى أن جاء إليها السلطان منسا موسى منذ اثنتي عشرة سنة. فمن يومئذ نزلت قيمته ورخص سعره، واستمر على الرخص إلى الآن”….
وكتب إبن فضل الله العمري في كتابه “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار: “رأيت أهل مصر لهجين بذكر ما رأوه من إنفاقه، “ولقد أفاض هذا الرجل بمصر فيض الإحسان، لم يدع أميراً مقرباً ولا رب وظيفة سلطانية إلا وصله بجملة من الذهب، ولقد كسب أهل مصر عليه وعلى أصحابه فى البيع والشراء والعطاء، والأخذ ما لا يحصى، وبذلوا الذهب حتى أهانوا فى مصر قدره وأرخصوا سعره. وفي الحجاز أفاض على الحجيج وأهل الحرمين فيض الإحسان، ومنح أهل مكة مائة ألف قطعة من الذهب، وهو ما حفلت به مراجع التاريخ أما مخطوط “الذين ولدوا بعد الموت فذكر كاتبه “: “أن المنسا موسي ترك عبده ياجا في مكة لكي يجهز له بيوتا لإقامته مع حاشيته يقضي فيها بقية عمره مجاورا في الحرم بعد أن يعهد لابنه محمد بالملك، ويعود بكميات الذهب التي خبأ نصف خريطته في الباب، ولكنه مات بمرض يصيب الإبل قبل أن يستخرج الكنز فظل لا يعلم مكانه ولا يمتلك نسخة من الخريطة الا ياجا”،……بعد حجة منسا موسى بما يقرب من مائة وخمسين عاما (1515م)، توجه “أسكيا محمد ” للحج وحمل معه من الذهب أيضا ما لايحصى، وأسرف فى المنح منه في الحجاز، وفي مصر زار الامام جلال الدين السيوطي ليسأله عن ” ياجا” ولم يكونا يعرفان انه هو نفسه دفين هذي الواحة الصغيرة ” الجارة
في مخيم “إمبره” للاجئين الطوارق في باسكنو -قبل التوجه الى تمبكتو- كنت قد تعرفت على حمدان ديكو أحد باحثي التاريخ واللاجئ مع عدد من مواطنيه التمبكتيين اللاجئين الهاربين من الحرب والإرهاب في ” ازواد” إلى موريتانيا، عندما تسامرت معه حول العلم وكثرة الذهب التي اشتهرت به هذي البلاد، وجهني إلى البحث عن الشيخ محفوظ ألفا في تمبكتو -إذا نجوت من الموت أو الخطف على طول الطريق التي سأتنكبها باتجاه المدينة المقدسة، فالرجل لديه مخطوطات نادرة تتحدث عن “باب القيامة، لم أحضر هدمه ولا هدم بعض اضرحة الأولياء في تمبكتو بمعاول تنظيم القاعدة بسبب تأخري في “باسكنو” عدة أيام في ضيافة أميرها الفاضل عبد الله ولد سيدي حننا حتى يجد لي سائقا يستأمنه على حياتي، خصوصا وأن القتل أو الخطف يترصد العابرين على الطريق، الى أن وفر لي احمد الصغير الذي مضيت معه في ركب يضم علي ولد الداه، ومحمود قابيل الذين كانوا خير رفقة ليومين قضيناها في الطريق إلى “تمبكتو” حتى وصلتها آمنا، حينها شعرت بإحساس الحسن الوزان “ليو الأفريقي” عندما قال: “أن الوصول إليها هو سر أسرارها …” وفيها -رغم رقابة جماعة أنصار الدين لي وتضييقهم على حركتي – استطعت الوصول إلى الشيخ محفوظ وسؤاله عن المخطوطة “ذكر ممنوح العطية” التي حدثني عنها حمدان، أخبرني الرجل أنه ورثها والد عن والد، لكنها لم تعد بحوزته، فقد أهداها قبل عشر سنوات الى معهد أحمد بابا التمبكتي للمخطوطات خوفا عليها من الهلاك، فوجودها معه لم تعد له أهمية، أوصاني بالبحث عنها إذا استطعت دخول المعهد. أو قراءة المعلومات مفصلة عنها في كتابي “تاريخ السودان” و”الفتاش”، وهما أهم مصادر التأريخ لبلاد السودان الغربي، ففى “الفتاش” قال محمود كعت: “وحصل له-يقصد أسكيا محمد- ثلاثمائة ألف ذهب، والذى أخذه من مال «شي عال ” الذي تحت يده: أما الذى فى داره فى الحفرة والتابوت فكثير”.
أما عبد الرحمن السعدى فقال في كتابه “تاريخ السودان”: “وأما المال، فثلاثمائة ألف ذهب، أخذه (أسكيا محمد) من الخطيب عمر من مال «سُنى على» الذي تحت يده، وأما الذى فى داره، فقد غبر ولم يرَ منه شيئا …طلبت في إصرار من جماعة ” أنصار الدين ” دخول معهد “أحمد بابا التمبكتي ” امتنعوا حتى وافق إياد أج غالي أمير الجماعة – حاليا أمير جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين ” في غرب أفريقيا – بعد أن أبلغته رسالة شفهية من وزير موريتاني سابق أنقذ حياته عندما غادر جنوب لبنان الى دمشق هربا من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة أحمد جبريل – منتصف الثمانينات، وقال لي :حظك سعيد يا مصري، ولك ما تريد تكريما للوزير، ولأنك من مصر وسمي شيخنا واستاذنا (يقصد أيمن الظواهري)، وأمر عناصره بفتح المعهد لي…..في غرف الحفظ رأيت المناضد والكراسي مقلوبة ودوسيهات وحوافظ المخطوطات والملفات مبعثرة، وكأن يدا عملت على إتلافها أو سرقة ما فيها _ -يضم المعهد اندر المخطوطات ضمن عدد 30 ألف مخطوطة- فتشت دواليب الحفظ بحثا عن المخطوطة المقصودة ” ذكر ممنوح العطية” حتى عثرت عليها، كاتبها الفقيه ألفع دندي، وجدتها كما قال لي الشيخ محفوظ ألفا تتحدث ايضا عن الكنز وعن ياجا.
استأذنت أبو مصعب أحد أمراء “أنصار الدين” في تصوير بعضها فرفض : ليس لدي أوامر من الشيخ يوسف.. نظرت إليه باستعطاف، مط شفتيه وهز كتفيه، ونحى وجهه عني، فأخرجت من جيبي نوتة صغيرة، سجلت بعض أسطرها على عجل لأنهم أرادوا اخراجي سريعا، حتى يبدأوا في تخزين “براميل الجاز” تمهيدا لإحراق مخطوطات المعهد، لأنها تحوي كفرا -كما قال لي – وبالفعل أحرقوا كثيرا من المخطوطات وسرقوا الكثير ايضا، .، وكانو قد هدموا “باب القيامة” تحت إشراف ” أمير الحسبة ” “أبو تراب ” أحمد المهدي الفقي، بعد أن ظل أهل تمبكتو يحافظون لقرون، حزنت أن وصلت الى “مدينة الله ” تمبكتو بعد هدم الباب بعد أن سألت أبوتراب: لماذا هدمتم الباب ؟ فقال:هدمناه لأن اعتقاد الناس فيه كفر…. (مؤخرا حكمت عليه الجنائية الدولية في لاهاي بالسجن تسع سنوات).
…. في “جاو” التقيت الباحث في تاريخ دولة الأساكي باكورى الاسكي، سرد لي المعلومات، أن أنه من سلالة اسكيا إسماعيل الذى تقلد الملك لرغبته فى إنقاذ والده أسكيا الحاج محمد من الحالة المزرية التي وضعه فيها أخيه أسكيا بنكورى بنفيه إلى جزيرة “كانكاكا” غرب “جاو” ليعيش في وضع بائس وفقر مذل، متروكًا على الشاطئ شبه أعمى، تتقافز حوله الضفادع كما تنبأ له الإمام السيوطي وانه بالفعل فقد بصره ومات بعدها بسنوات عام 1538، سألته عن الذهب فأخبرني أن أسكيا محمد بحث عن “العبد الصالح” ياجا الذى أؤتمن على وقف ملك الصنعي في الحجاز، وعن أثاره.لكنه لم يعثر على خبر له … .عدت إلى الجارة قبل شهرين صحبة محمد حماد مدير الإعلام بجهاز تعمير الساحل الشمالي الغربي والجيولوجي ابراهيم عبد العال، اتخذنا الطريق الأقرب طوله 90 كم وتم تعبيدها مؤخرًا عن طريق الجهاز مما وفر علينا وعلى العابرين إليها مشاق الطريق الأطول (120كم9) والذي تم إعادة رصفه ايضا، عند صعودي الى الضريح رفقة شيخها الحالي جبريل عاودني الشعور بالعجز عن الفصل بين الواقع والأسطورة. فهنا تختلط الأسطورة والخرافة بالحقيقة والواقع.عدت الى زمن منسا موسي واسكيا محمد، مسترشدا بالمخطوطات التي قرأتها في تمبكتو ونواكشوط وولاته، وتحدد علاقة دفينها ياجا بالذهب وبسلطان مالي المعظم الذي يعُدَّ – حتى الآن – من أغنى أغنياء العالم، حيث قدر خبراء الاقتصاد العالمي ثروته بحسابات العصر الحالي – بـ400 مليار دولا .
أما مخطوطة السيوطي “المأثور فيما نصحت به ملوك التكرور” الذي وعدني “الفقيه التازختي” أن يمنحنيها عند عودتي، لكنه توفي قبل أن يفي بوعده، وعلمت أن المخطوطة سرقت وهربت الى دبي، قال لي أنه ورثها عن جدوده، تحدث فيها السيوطي عن زيارة أسكيا محمد له وسؤاله وأن أحد فقهاء تمبكتو من عائلة أقيت أخبر أسكيا محمد أن الخريطة سيجدها محفوظة عند الإمام الأزهري الذي سيكون على رأس المائة عام، وظن أنه السيوطي 900 هجرية، وفي مكة بحث الفقيه التازختي قبل مائة عام عن أي أثر ل-ياجا كما بحث أسكيا قبله بأكثر من 400 سنة، الفرق بين البحثين أن أسكيا محمد سمع اسم “ياجا” يتردد بين سلالة عبيد “منسا موسى” من أبناء من بقوا مجاورين فى الحرم ينتظرون عودته، كما سجلت مخطوطة ذكر ممنوح العطية” سألهم “أسكيا الحاج محمد” عنه، منهم من ذكر أنه سافر للعراق للتعلم، وهناك اختفى، وتشيع للإمام المهدى وظل ينتظره عند باب السرداب أسابيع، فلما طال عليه الغياب، قرر الدخول إليه وأطلق عزائم السحر التى يعرفها، فانزاحت له الصخرة، فدلف من ورائها إلى السرداب بحثا عن الإمام، ليعلمه بأمر الكنز، فانغلقت عليه الصخرة وبقى فى السرداب، ومنهم من حكى أنه صعد الجبل فى مكة واعتكف فى غار حراء وبعدها اختفى، لم يقف له أحد على أثر، سوى ما خلف من متعلقاته، نعلاً وقميصًا ومسبحة .. ومنهم من قال إنه عاد إلى “تمبكتو” ومكث فيها أيامًا غير معروف لمن رآه، ثم تركها إلى “ولاته” وأودع الخريطة أحد الفقهاء، أما الإمام السيوطي فذكر في مخطوطه “المأثور” قال لى أسكيا محمد: يا سيدنا السيوطى أنت إمام المائة فهل وصلتك الخريطة، فنفيت، فسار إلى بلاده بعد أن وعدته بالسؤال عن ياجا والبحث عن الخريطة فإن وجدتها وافيته بها،، وكانت عندى بعض كتب سراج الدين البلقينى، فأخرجتها ذات يوم بعد ما اتهمنى السخاوى بالسطوعلى انتاج العلماء لأقارنها بما فى بطون كتبى، ربما تواردت بعض الجمل أو الأفكار، فاستوقفتنى كلمات السراج البلقيني عن ياجا الذي تعرف اليه في الحرم وتوادا، آنسه وائتنس به بسبب حادثة حدثت للبلقينى من مرض كاد ينهى حياته فى الحج، وأشرف ياجا على علاجه بعشب كان يجيئه من بلاده مع الحجاج، فحفظها له البلقينى فصحبه فى رحلة الإياب، الى آخر مرحلة فى مصر على بُعد مرحلتين من أول بلاد الصحرا، إكراماً له ووفاءً لصنيعه، وفيها مرض ياجا ومات، غسَّله البلقينى بيديه وواراه التراب، وأوصى بمقامه مجاوريه من أهل البلد الصغير الذى دفن فيه على الجبل، -لم يحدد السيوطي أو السراج البلقيني اسم المكان ولكن الإشارات كلها تؤكد انها الجارة، يقول السيوطي ” :فأيقنت أنه الذى سأل عنه الاسكيا وأضاف انه اخبر أسكيا أنه الخليفة الحادى عشر، وأن الذي سيجدد الدين هو الخليفة الثاني عشر متمم الخلفاء الذين عناهم الرسول….. ” فقرر أن لايستخرج الكنز ويتركه له، خصوصًا بعد ما أخبره السيوطي أن أولاده سيبددون ملكه، فأسكيا كتب رسالة لهذا الخليفة الذي سيكون بعده، وأودع نصف الخريطة التي معه فى باب مسجد الإمام يحيى، وأطلق شائعة أن القيامة ستقوم إن فُتح الباب … تلازمت خطواتي الصاعدة إلى ضريح ياجا مع نبضات قلبي وتلاحقت أفكاري عن الكنز وخريطته المجهولة متذكرا آخر ما كتبه “ألفع دندي ” في مخطوطته “ذكر ممنوح العطية” بقوله: “أن أحدًا لم يصل إلى الكنز!!” فهل بالفعل لم يصل إليه أحد؟ ربما….وربما وصل إليه آخر، وربما ظل هذا الكنز سراب الباحثين فى الصحراء الملعونة .. حيث احتل أحمد المنصور الذهبي سلطان مراكش (المغرب) تمبكتو بحثا عنه وأرسل ملوك فرنسا الرحالة والمغامرين إليها من أجله، منهم من قتل ومنهم من عاد ولكن بدون الذهب حتى احتلت فرنسا كل بلاد الذهب (غانه وكومبي صالح وتمبكتو) في نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، وظل أسم “ياجا” مجهولا، ولكن هل ظل الذهب مخبوء أم عثر عليه أحد المغامرين، أو احد رجال الاحتلال الفرنسي، أم السلطان أحمد الذي أتخذ لقب المنصور الذهبي بسبب احتلاله لتمبكتو.