كاتب أمريكي لبايدن: أوقفوا الشيك الممنوح على بياض للإمارات
“على الولايات المتحدة أن توقف الشيك على بياض الممنوح للإمارات”.. بهذا العنوان طالب الكاتب الأمريكي جون هوفمان -المتخصص في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط والإسلام السياسي، في مقال له بمجلة “فورين بوليسي”، إدارة “بايدن” باتخاذ خطوات ضد أبوظبي، أبرزها وقف تصدير الأسلحة، بعد أن تسبب الدعم الأمريكي اللامحدود لها في إطلاق العنان لتصرفاتها التي أضرت بالمصالح الأمريكية في المنطقة، على حد قوله.
ويقول “هوفمان”، إن الإمارات، والملقبة في واشنطن بـ”إسبرطة الصغيرة”، بات سلوكها ضارًا لمصالح الولايات المتحدة،ليس فقط داخل الشرق الأوسط ولكن في الداخل أيضًا.
ويفسر الكاتب وجهة نظره قائلا: كانت السياسات التي اتبعتها الإمارات في الشرق الأوسط مزعزعة للاستقرار بطبيعتها ، وفاقمت العديد من الحروب الأهلية المستمرة في المنطقة، وانتهكت القوانين الدولية ، وعملت بنشاط على تخريب محاولات التغيير الديمقراطي.
ويضيف: “تقترن بهذه المساعي الإقليمية بمحاولات الإمارات المتكررة للتدخل في السياسة الداخلية للولايات المتحدة على أعلى المستويات ومراقبة الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين الأمريكيين في مختلف أنحاء العالم”.
ويعتبر “هوفمان” أن الإمارات أصبحت في الآونة الأخيرة أحد العناصر الأساسية في سياسة واشنطن الرامية إلى التنصل من أعبائها الإقليمية في الشرق الأوسط ووضعها على كاهل بلدان في المنطقة لأن بوصلة واشنطن أصبحت متجهة نحو آسيا.
ويبدو -وفقا للكاتب- أن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” تبنت هذا المنهج؛ حيث وافقت على بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار -بما في ذلك طائرات “إف-35” إلى أبوظبي، بل وأشادت بالإمارات باعتبارها “شريكا أمنيا رئيسيا” للولايات المتحدة.
وبعد انتخابها مؤخرا كعضو غير دائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفترة عامين تبدأ في يناير/كانون الثاني 2022، يعتقد مسؤولون أمريكيون أن أبوظبي ستكون الآن قادرة على مساعدة الولايات المتحدة على تعزيز مصالحهما المشتركة على المسرح العالمي.
وطالب “هوفمان” واشنطن بإعادة تقييم مثل هؤلاء “الحلفاء” الذين تسعى لجعلهم يصونون مصالحها في الشرق الأوسط قبل أن تتحول إلى مسارح أخرى، ومحاسبة أبوظبي “التي تسعى إلى التدخل بشكل غير قانوني في السياسة الداخلية للولايات المتحدة”، وللقيام بذلك، يجب “إنهاء شيك واشنطن على بياض للإمارات، على حد تعبيره.
ويؤكد الكاتب أن الإمارات، بعد أن تسلحت بالأسلحة الأمريكية المتقدمة، برزت كواحدة من أكثر الدول تدخلا في شؤون الآخرين بالمنطقة، كما تتبعت سياسات أطالت أمد الحروب الأهلية في المنطقة، وخلقت أزمات إنسانية، كما سحقت التطلعات الديمقراطية للشعوب، وغذت المظالم الكامنة، مما أدى إلى اضطرابات وقلاقل.
ويبدأ “هوفمان” بضرب الأمثلة على هذا “السلوك الإماراتي المارق”، قائلا إن أبوظبي تدخلت في مصر لدعم الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب الراحل “محمد مرسي”، وتعيين “عبدالفتاح السيسي” حاكما، ووفرت مساعدات اقتصادية للانقلاب، وفي سوريا أظهرت أبوظبي دعمها لرئيس النظام السوري “بشار الأسد” من خلال التعبير عن دعمها للتدخل العسكري الروسي عام 2015، والمشاركة مع موسكو في “عمليات مكافحة الإرهاب”، وإعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، وحث جامعة الدول العربية على نطاق أوسع، والمجتمع الدولي؛ لتقبل بشار الأسد الذي أثنت عليه أبوظبي “لقيادته الحكيمة”.
كما أن الإمارات، وفقا للكاتب، دعمت الجنرال المتقاعد “خليفة حفتر” في ليبيا، في حملته العسكرية وغاراته الجوية على العاصمة طرابلس، وتزويده بالأسلحة في انتهاك للحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة، كما تم اتهام الإماراتيين باستخدام المرتزقة السودانيين لدعم قوات “حفتر”، وتمويل مرتزقة مجموعة “فاجنر” الروسية الذين يقاتلون من أجله، والانخراط في جرائم حرب في ليبيا.
وفي اليمن، والكلام لـ”هوفمان”، كانت الإمارات طرفًا مباشرًا في خلق وإدامة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم التي أودت بحياة أكثر من 230 ألف شخص مع وجود ملايين الأشخاص على شفا المجاعة.
ويضيف أن الإمارات تورطت في جرائم حرب وتعذيب وتجنيد أطفال، ووجهت حملات باستخدام جنود أمريكيين سابقين يعملون حاليا كمرتزقة، وبحسب ما ورد بتقارير فقد نُقلت أسلحة أمريكية تمتلكها الإمارات إلى مقاتلين مرتبطين بتنظيم “القاعدة” وميليشيات سلفية متشددة أخرى.
وعلى الرغم من ادعاء الإمارات بأنها انسحبت في عام 2019، لا تزال أبوظبي تقدم الأسلحة والدعم للميليشيات المحلية المنتهكة، وتواصل العمليات الجوية لدعم هذه الميليشيات، وتواصل احتلال أجزاء من اليمن بشكل غير قانوني.
ويواصل: “مؤخرا، أعربت الإمارات عن دعمها للانقلاب في تونس، ويُفترض أن أبوظبي راضية عن الانقلاب في السودان نظرا لعلاقاتها القوية مع الجيش”.
وتمثل أيضا تصرفات أبوظبي الإقليمية والدولية -وفقا للكاتب- ضررا بالغا بسمعة الولايات المتحدة العالمية، وتجعل وعد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” باتباع سياسة خارجية أمريكية تركز على حقوق الإنسان “يبدو مجرد نفاق”.
وبالإضافة إلى سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان بالداخل ومساهمتها في الأزمات الإنسانية بالمنطقة، فقد دعمت الإمارات اضطهاد الصين لسكانها المسلمين من الإيجور، واحتجزت ورحلت أعدادا منهم إلى الصين.
وحذر “هوفمان” من أن أبوظبي لم يقتصر دورها على الإضرار بالمصالح الأمريكية في الخارج وتقويضها، بل سعت كذلك إلى التدخل المباشر في السياسة الداخلية للولايات المتحدة فيما ينبغي اعتباره هجوما مباشرا على الديمقراطية الأمريكية.
ويشير الكاتب إلى واقعة اتهام “توماس باراك” المستشار السابق للرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، بالعمل كعميل أجنبي غير مسجل حاول التأثير على مواقف السياسة الخارجية لإدارة “ترامب”، ويزعم المدعون الأمريكيون أن “باراك” تم توجيهه من قبل مسؤولين إماراتيين على أعلى المستويات – بمن في ذلك ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد آل نهيان”، ودفع “باراك” المرشحين المفضلين لدولة الإمارات لشغل مناصب على مستوى مجلس الوزراء في إدارة “ترامب”، بما في ذلك منصب وزير الخارجية ووزير الدفاع، ومدير وكالة المخابرات المركزية.
بالإضافة إلى ذلك، والكلام لـ”هوفمان”، في سبتمبر/أيلول الماضي، اعترف ثلاثة عملاء سابقين في المخابرات الأمريكية بالعمل كجواسيس إلكترونيين للإمارات، واختراق شبكات كمبيوتر مختلفة في الولايات المتحدة.
ويتابع: “لطالما اعتمدت الإمارات على عملاء استخبارات غربيين سابقين للمساعدة في جهود المراقبة لدبلوماسيي الأمم المتحدة وموظفي الفيفا ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين السياسيين والمواطنين الأمريكيين”.
ويلفت “هوفمان” إلى أنه كان هناك دور إماراتي في مسألة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، حيث كشف “تقرير مولر”، الذي كان يحقق في تلك القضية، أن أحد الأفراد من محور التركيز الرئيسي للتقرير، وهو “جورج نادر”، كان مبعوثا لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” و”بن زايد”، وكان له اتصالات رفيعة المستوى مع المسؤولين الأمريكيين والروس.
ويستمر “هوفمان” في سرد الحقائق حول التدخل الإماراتي في الشأن الداخلي الأمريكي، مسترجعا ما تم الكشف عنه بصحيفة “نيويورك تايمز” من تجمع ثلاثة أفراد في برج ترامب للقاء نجله “جونيور”، والذي أكد لهم أن الأمراء الذين قادوا السعودية والإمارات كانوا حريصين على مساعدة والده في الفوز بالانتخابات كرئيس، وذلك من خلال جمع المعلومات وتشكيل الرأي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عبر حسابات مزيفة.
ويختتم الكاتب مقالة بالقول: “لقد حان الوقت لواشنطن لإنهاء شيكها على بياض لـ(إسبرطة الصغيرة)، والاعتراف رسميًا بالدور الذي لعبته في المساعدة على زعزعة استقرار الشرق الأوسط، وتقويض التقدم الديمقراطي في المنطقة، وجهودها للتدخل بشكل غير قانوني في السياسة الداخلية للولايات المتحدة”.
ويضيف: “الطريقة الأكثر إلحاحًا للقيام بذلك هي إنهاء مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات، والتي تُستخدم لإطالة أمد الصراعات الإقليمية، وارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، وتعزيز السياسات التي ليست في مصلحة الولايات المتحدة”.
ويردف: “على الرغم من أن مثل هذه الإجراءات قد تعرض مستقبل القاعدة الجوية للولايات المتحدة في الظفرة للخطر، يجب اغتنام هذه الفرصة لإعادة النظر في الوجود العسكري الأمريكي الواسع في المنطقة، والذي كان بحد ذاته مزعزعًا للاستقرار، ويجب أن تكون إعادة تقييم علاقة الولايات المتحدة مع الإمارات بمثابة حافز لإعادة فحص أكثر جوهرية لاستراتيجية واشنطن الأوسع نطاقاً في الشرق الأوسط مدعومة بأسطورة معيبة عن الاستقرار الاستبدادي”.