حكايات المتبرعين بأعضائهم بعد الوفاة في مصر

داخل مجموعة “التبرع بالأعضاء بعد الوفاة” في مصر على فيسبوك، سادت حالة من الفرح الشديد بين الأعضاء.

“أخيرا تقدر نوثق إقرار التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وأنت قاعد في البيت”، تكتب إحدى العضوات، فقد سمحت التطورات الأخيرة في الخدمات الحكومية الإلكترونية بإمكانية توثيق المصريين لرغبتهم في التبرع بأعضائهم، مثل الكلى والكبد والقرنية وغيرها من أجزاء الجسد، حال موتهم في حادث أو بالمستشفيات.

وتنبع أهمية هذه الخطوة من أن الإجراءات المعقدة والطويلة تشكل عائقا كبير أمام الراغبين في الإقدام على هذه الخطوة.

وتروي سارة فؤاد ميخائيل، ٣4 عاما، والتي شاركت في تأسيس المجموعة، “للأسف فإن أكثر من 99 بالمئة من الذين لديهم رغبة في التبرع بأعضائهم يمتنعون عن ذلك بسبب الروتين الحكومي والعوائق التي تواجه الناس مما يجعل رغبتهم تخفت”، وتضيف: “على سبيل المثال أنا قضيت في أحد المشاوير لدائرة الشهر العقاري 3 ساعات، لأن الموظف لا يعرف أصلا نموذج التبرع بالأعضاء”.

وأضافت: “الموظفون لم يكن لديهم أي فكرة عن الأمر، وبعضهم كان يعتقد أن هذا التبرع غير قانوني أو أنه حرام شرعا، وكانوا يدخلون في بعض الأحيان في جدالات حادة لإقناع من قدم إليهم بالعدول عن رغبتهم”.

ولذلك، حاولت سارة وزملاؤها التقدم بطلب عبر الموقع الإلكتروني واختبار النتيجة، وشعروا بالفرح الشديد حين نجحوا. تقول سارة إن هناك الكثير من العوائق الفكرية والاجتماعية التي تمنع الناس في مصر من الإقبال على التبرع بالأعضاء بعد الموت، مشيرة في حديثها إلى موقع “الحرة” إلى أن مجموعتها على فيسبوك تحوى 5 آلاف عضو فقط، كما أن العدد الفعلي لمن سجلوا إقرارات قانونية أقل بكثير.

ولفتت سارة إلى أن الذي جعلها تفكر في الإقدام على خطوة التبرع بالأعضاء هو متابعتها لبعض الأفلام الأجنبية التي تحدثت عن معاناة الكثير من الناس الذين كانوا ينتظرون حدوث معجزة لإنقاذ أحد أحبائهم.

عملية جراحية

أثارت تجربة واعدة في الولايات المتحدة الأميركية بشأن إمكانية زراعة أعضاء خنازير معدلة جنينا في أجسام المرضى المحتاجين الكثير من الجدل الديني في العالمين العربي والإسلامي.
ومن هنا، شاركت في إنشاء المجموعة عام 2014، منبهة إلى أن الهدف منها توضيح الكثير من المعلومات التي لا تزال غامضة عند معظم الشعب المصري بكيفية توثيق رغبتهم، وطرق التغلب على الصعوبات التي تواجههم في سبيل ذلك”.

وعلى مدار الأسابيع الماضية سادت حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أعلنت عدد من الفنانات المصريات رغبتن في التبرع بأعضائهن بعد وفاتهم للمحتاجين. وبدأت الفنانة إلهام شاهين هذا الجدل، حين دعت، خلال حفل توقيع كتاب، إلى أن يتعهد أكبر قدر ممكن من المصريين بالتبرع بأعضائهن بعد الموت. واستجابت للدعوة الفنانة رانيا يوسف، وعضوة البرلمان المصري، الكاتبة فريدة الشوباشي.

وبالنسبة لأعضاء المجموعة، فإن هذا الجدل صحي، وينشر الوعي لفكرة طالما نادوا بها لسنوات، دون استجابة كافية.

المتبرع الأول
يقول يوسف راضي عبد الملك، 30 عاما، أحد مؤسسي مجموعة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، أنه في الأغلب أول مصري يحصل على وثيقة تثبت الرغبة في التبرع.

راضي الذي يعمل مهندسا مدنيا في وزارة الإسكان المصرية، كان قد حصل على وثيقة التبرع قبل 4 سنوات عندما كان في السادسة والعشرين من عمره، موضحا أن الفكرة راودت ذهنه خلال بحثه عن العادات الاجتماعية السيئة التي تقيد حياة المصريين، ومنها التخوف من التبرع بالأعضاء بعد الموت، رغم عدم وجود أي أضرار على المتبرع وذويه من جميع النواحي الأخلاقية والدينية والصحية.

وزاد: “بدأت أبحث في كتب القانون حيث وجدت أن التبرع مسموح به منذ 2010، مع لائحة تنفيذية واضخة، وعرفت كيف يمكن أن أتبرع عبر اتباع الخطوات والتي تبدأ بتوقيع إقرار في الشهر العقاري (الكاتب العدل) مع التأكيد على عدم وجود أي ضغوطات أو الحصول على لقاء مادي”.

ويروي : “الأمر كان جديدا في مصر، رغم مرور 7 سنوات على صدور القانون وقت تبرعي، ولذلك فإن مدير الشهر العقاري بدا مستغربا لأنها كانت أول حالة تمر عليه”.

وكانت مصر قد أصدرت قرارا لتنظيم نقل الأعضاء في 2010، بعد 8 سنوات من المداولات. وفي حين انصبت النقاشات وقتها حول تعريف الموت، والموت السريري، ودور الدولة في تمويل عمليات نقل الأعضاء للضرورة ومكافحة الاتجار بالأعضاء، فقد نص القانون أيضا على إمكانية أن يتبرع الناس بأعضائهم بعد وفاتهم، لكن لم تحظ المادة باهتمام وقتها، ولم يسع أحد لتفعيلها.

في الآونة الأخيرة تمكنت أجهزة الأمن المصرية من ضبط عناصر عصابة متخصصة بالنشاط الإجرامي في الاتجار بالأعضاء البشرية

يكمل راضي: “مسؤول الشهر العقاري كان متعاونا، وراجع معي القانون واللائحة التنفيذية والإجراءات المتبعة، وعندما انتهيت ذهبت إلى اللجنة العليا لنقل الأعضاء في وزارة الصحة، وأيضا واجهت حالة من الاستغراب هناك لأني كنت أول حالة في مصر، وطلبوا الرأي القانون بهذا الشأن”.

بعد أن تأكدت اللجنة من قانونية الطلب، منحوه الوثيقة التي تقر بأنه متبرع بأعضائه، حال الوفاة بحادث أو في مستشفى.

وعن هدفه من تأسيس مجموعة على فيسبوك، أجاب: “بعد انتشار قصتي بدأت بعض الناس يتواصلون معي لمعرفة ماذا فعلت والخطوات التي اتخذتها، ولذلك قررت مع بعض الأصدقاء تأسيس تلك المجموعة لتوضيح الأمور والخطوات للعديد من الناس”.

“فأل سيء”
من جهته، يقول مهندس الكمبيوتر، بيشوي خيري (30 عاما)، أنه أقدم على توقيع وثيقة التبرع في العام الماضي.

ولفت في حديثه إلى موقع “الحرة” أنه واجه بعض العقبات عندما ذهب إلى إحدى دوائر الشهر العقاري إذ كان البعض حذره من الأمر قد يكون محرما دينيا وأنه قد يجرى استغلال ذلك للتجارة باعضائه، وأضاف: “ولكن بعد أخذ ورد تمكنت من إقناعهم بنبل وسمو غايتي التي تهدف إلى مساعدة الآخرين يوما وقد يكون طفلا وحيدا لوالديه”.

وشدد خيري على أنه ما زال يخفي الأمر على والديه وعائلته، خوفا من أن يعتبروا خطوته “فأل سوء” على حياته، خاصة وأنه ما زال في ريعان الشباب، وأن من أحد شروط القبول التبرع بأعضائه أن يكون قد مات في حادث سيارة أو مرض خطير على سرير بالمستشفى.

تحديات قانونية ودينية
من جانبه وجه رئيس جامعة عين شمس، رسالة للمجتمع بأهمية تفعيل القانون الذي يسمح بنقل الأعضاء من المتوفين حديثا مثل باقي الدول لأنه سوف يسهم بشكل كبير جدا في إنقاذ حياة آلاف المرضى، وفقا لما ذكر موقع “المصري اليوم”.

وأضاف المتيني أن العائق الوحيد أمام تفعيل القانون هو عائق نفسي ومجتمعي وليس طبيا أو دينيا، خاصة بعد موافقة الأزهر والكنيسة على القانون.

وشدد المتيني، على أن التبرع حاليا ينحصر في إطار تبرع شخص حي إلى آخر، معتبرا أن هذا لا يحل المشكلة، وهنا تتفق معه سارة فؤاد التي تقول إن مصر تشهد حوادث سير تودي بحياة الآلاف من الناس كل عام (13 ألف ضحية كمعدل سنوي)، قائلة إن قانون التبرع بالأعضاء لا يسمح سوى بأخذ أعضاء الموتى الذين فقدوا حياتهم جراء حوادث أو خلال موتهم في المستشفى جراء جلطة على سبيل المثال، أو الذين توفوا إكلينيكيا.

وتشير سارة إلى أن اللجنة المسؤولة عن زراعة الأعضاء في وزارة الصحة وعدت مرارا بتفعيل آليات القانون عندما يصبح لديها عدد كاف من المتبرعين مما يسمح بوضع نظام يتضمن وجود بنوك لحفظ الأعضاء وربط ذلك النظام بالمستشفيات، لكن حتى الآن، مازالت الأعداد قليلة وهامشية.

ورغم إقرار الأزهر ودار الإفتاء والكنيسة جواز تبرع المسلمين والمسيحيين بأعضائهم، فإن ثقافة التحريم مازالت منتشرة بين كثير من المصريين، إذ تقول سارة “البعض قد ينشر شائعات عبر منصات التواصل وفي أحاديث المجالس بأن ذلك الأمر غير صائب ويخالف تعاليم المسيح”.

ويتفق معها دينا راضي (54 عاما)، إحدى عضوات المجموعة، إذ تقول أنها مستاءة من انتشار فتوى “قديمة ومتشددة” للداعية الإسلامي الراحل، محمد الشعراوي، على منصات التواصل، والتي حرم بموجبها التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، بحجة أن أعضاء جسد الإنسان ملك لربه وليست ملك له.

وتقول راضي في حديثها لموقع “الحرة”: “للأسف هناك الكثير ممن اقتنعوا بتلك الفتوى رغم أن شيخ الأزهر ودار الإفتاء والكثير من علماء الدين المعتبرين أكدوا أن لا ضير في هذه المسألة وأن فيها خير كثير للبشر”. وتضيف راضي أنها وثقت إقرارها بالتبرع بأعضائها بسبب كلام والدتها، التي كانت تنصحها دائما أن تعطي آخر كسرة خبز لشخص محتاج، بدلا من أن تلقيها في القمامة.

وتروي: “كلام والدتي أثر في جدا فإن كنا نحن كمصريين في ثقافتنا الشعبية نحترم رغيف العيش إلى هذه الدرجة، فالأصح أن نحترم أجسادنا التي منحنا الله إياها ولا نجعلها طعاما للدود في وقت يمكن أن يستفيد من أعضائنا مرضى بأمس الحاجة إليها”.

ويتفق معها خيري، الذي يرى أن إزالة العوائق البيروقراطية ستغير ثقافة التبرع بشدة، قائلا: “السبب في عزوف الغالبية عن التسجيل للتبرع هو التكاسل في الإقدام على خطوة تأخذ الكثير من الجهد والتعب دون وجود أي مردود على المدى القريب”.

ويراهن خيري أن “المعدن الطيب” للمصريين سيغلب في النهاية، وستصبح ثقافة الوصية بالتبرع أمرا عاديا في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى