عودة أخطر خطير .. ورجال الدولة شاهد ما شفش حاجة
**عودة أخطر خطير .. ورجال الدولة شاهد ما شفش حاجة
**دولة البلطجة تحكم في غياب دولة القانون
**بلطجة + نفوذ + فلوس = “ص.ن”
كتب : محمد يونس
واقعة القتل التي شهدتها مدينة إسماعلية والتي أثارت غضب الرأي العام ، وأدمت القلوب، ليست الأولي ولن تكون الأخيرة، وستتكرر مادام هناك تخاذل شديد وغير مبرر من الدولة متمثلة في الأمن العام، وتدق ناقوس الخطر وتحذر من تفشي جرائم البلطجة في مصر بشكل كبير خلال الأعوام القادمة.
في تقرير أصدرته وزارة الداخلية عن معدلات الجريمة في مصر خلال عام 2018، أرجع التقرير أسباب إرتفاع معدلات الجرائم إلي أنتشار الأسلحة النارية، والإفراج عن عدد كبير من العناصر الإجرامية، وشيوع ظاهرة العنف الإجتماعي، وتطرق التقرير أيضاً إلي إرتفاع معدلات الجريمة في مصر خلال السنوات الماضية، حيث احتلت مصر المركز الثالث علي مستوي الوطن العربي.
**صناعة البلطجة في مصر
كان الفتوات في مصر القديمة هم أصحاب النخوة والشهامة ونصرة المظلوم، وقد تجاوز بعضهم هذه المفاهيم إلي سلوكيات سيئة كما كتب الأديب الراحل نجيب محفوظ عن الفتوة مستلهماً أبطالاً من حياة الفتوات، الذين كانوا يأخذون إتاوات من جميع دكاكين الحارة، مقابل حمايتهم وعدم التعرض لتجارتهم، ومن كان منهم يظهر أمارات الإعتراض، كان يجد ضربات النبوت والسكين في أنحاء متفرقة من جسده فيذعن ويدفع الإتاوة المطلوبة، اختلف شكل الفتوة القديمة مع فرض الدول العربية سيادتها علي أراضيها وإنشائها مؤسسات نظامية وأمنية لفرض القانون، ولكن جرت العادة علي أنه كلما تخلصنا من شئ سئ يأتي ما هو أسوأ منه، فظهر مصطلح البلطجة في أبشع صوره، فالبلطجة حرفة أخري بدأت تظهر وتتغول في مصر مع نهاية عهد السادات، لكنها تفشت إلي حد كبير في عهد الفساد الأكبر عصر مبارك ورجال الحزب الوطني، حتي أصبحت صناعة وحرفة يعمل بها ما لا يقل عن مليون مصري أو أكثر، وكان رجال أثرياء الإنفتاح هم من شجعوا هذه الصناعة للحصول علي ما لا يحق لهم، في زمن الإنحطاط تغيب الدولة ويتواري القانون ويصير كل شئ مباحاً بقوة السطوة والسلاح، ولم يجد المواطن من يجيره من سطوة البلطجية.
**إمبراطور البلطجة في مصر
قبل 8 سنوات كانت كل الألسنة في مصر تتحدث عن شخص واحد بعينه، أصبح حديث الصباح والمساء، شخص يمتلك أسلحة نارية وحيوانات مفترسة ويقود ما يشبه المافيا في أرجاء البلاد، شخص تغني له مطرب شعبي شهير في إحدي حفلات الزفاف قائلاً “وزير داخلية مصر إسمه حبيب العادلي، احنا بقي وزير داخليتنا .. ص . باشا . ن”، كل هذا لم يحرك ساكناً حينها للاجهزة الأمنية في مصر ولا حتي القيادة السياسية.
بدأ وزير داخلية المطرب الشعبي الشهير حياته عاملاً مع والده المعلم “ح .ح” تاجر الخردة بمنطقة السبتية بالقاهرة، ولم يستمر معه كثيراً وتوجه بالقبلة نحو مهنة البلطجة وشراء الأسلحة النارية، ونقل مقر عمله من منطقة السبتية إلي منطقة بولاق بمنزل والده، وخصصه لإستقطاب البلطجية وتدريبهم علي مهام عملهم المنظم، وبدأ بتشكيل مجموعات منهم وتوزيعهم علي مناطق وسط البلد لإبتزاز أصحاب المحلات وفرض إتاوات عليهم، ومع رضوخ أصحاب المحال التجارية لأعمال فرض السيطرة والإبتزاز، قرر “ص.ن” توسيع دائرة الإبتزاز إلي محلات شارع الهرم، وأطلق رجاله علي الملاهي الليلية فوجد إستجابة سريعة من أصحابها وتم تخصيص رواتب شهرية نظير الحماية وإتقاء شر البلطجي الشهم، حتي أصبحت مرتعاً له ولأصدقائه، واستمر في توسيع دائرة نشاطاته الإجرامية إلي أن وصل صيته لرجال الداخلية في عهد مبارك، وتم إستدعائه حينها للإستعانة به في تسويد بطاقات الإنتخابات لصالح مرشح الحزب الوطني المنحل اللواء بدر القاضي.
أسطورة البلطجة الشاملة ليس أول بلطجي ولن يكون أخرهم، ولكنه بلطجي فريد من نوعه، إنه الأمير الذي إستطاع إختراق أسوار السلطة السياسية، وصادق قيادات الحزب الوطني المنحل، وقيادات الشرطة وعلي رأسهم حبيب العادلي، حتي أصبح أنصار المناضل البلطجي الشهم يعددون كراماته، من المشاركة في تزوير الإنتخابات بدافع وطني، إلي تقديم خدمات جليلة للوطن، وينتفض عدد من رموز الدولة وقامتها لإستقبال المعلم “ص. ن”، فكيف تحول أحد البلطجية وشبكاته إلي أدوات ضبط إجتماعي؟، وكيف تحول إلي مؤسسة كبيرة يمتد نشاطها في عوالم مختلفة من السياسة إلي الإقتصاد؟.
**عودة صاحب مؤسسة البلطجة الكبري للمشهد من جديد
يطل علينا من جديد أمير البلطجية في مصر، بعد أن خرج من السجن بعفو رئاسي، بظهور متكرر وملفت لأنظار الجميع، ما بين حفلات لبعض نجوم الفن وجلسات صلح، والجميع في إستقباله إستقبال الفاتحين وسط مجموعة من الجاردات والخارجين علي القانون، محاولاته المستمرة وظهوره المتكرر في المناسبات العامة والخاصة، في ظل تجاهل وغفلة تامة من أجهزة الدولة المعنية من عودة أخطر خطير للمشهد من جديد، مما يعيد للأذهان ترك الحبل علي الغارب لمثل هؤلاء لتشكيل مجموعات إجرامية جديدة يعيثون في الأرض فساداً، ويصبحون دولة فوق دولة القانون، ويتحكمون في الشارع ويجبرون الغلابة علي الخضوع والخنوع لقوانين دولتهم، بالإبتزاز وفرض الإتاوات، ومن يبدي رأياً معارضاً أو تذمراً، فمصيره القتل والسحل والخطف والإغتصاب.
تغلغل وإزدياد نفوذ دولة بلطجية “ص.ن” خطر داهم علي النظام، تفوق خطورته، ما ترتكبه الجماعات الظلامية من جرائم إرهابية، وسيتوحش حتي ينقلب من جديد علي دولة القانون، وعندها لم تتمكن المؤسسات الأمنية من كبح جماح المخاطر الجسيمة للبلطجية، وستخضع لإبتزازها وقوانينها الإجرامية، وهنا بداية الفوضي الحقيقية.
غياب الإرادة في مواجهة البلطجية إنما يمثل كارثة، وسنجد سقوطاً للأبرياء ضحايا لهذه الدولة الخارجة عن القوانين والأعراف، كما تدفع الشرفاء إلي الكفر بدولة القانون، وهنا الأمر يتحول إلي فوضي عارمة.
**البلطجية يحكمون شوارع مصر
هل يليق بالجمهورية الجديدة أن تشهد هذا الحجم من البلطجية والخارجين عن القانون، دون أن تضع خطة محكمة للسيطرة علي هؤلاء وحماية المواطنين من بطشهم؟، أم أن النظام الجديد بدأ يستعين بتجارب الأنظمة السابقة في إستخدام هؤلاء البلطجية.
الجمهورية الجديدة التي يسعي لها الرئيس السيسي وشعب مصر العظيم الذي يقف خلف قيادته السياسية من أجل حلم ينتظره الجميع منذ سنوات، لن يسمح بإستنساخ تجربة المناضل “ص.ن”، وإستخدامه من جديد في قمع وفرض إتاوات علي المصريين، لأن الرئيس يعلم جيداً أن المواطن المصري يتحمل أمواج الغلاء والجباية التي ارهقت الجميع، ليس حباً في شخصه أو لحجم الإنجازات التي تشهدها البلاد، ولكن من أجل توفير الأمن والأمان والإستقرار، فإذا غاب هذا الشرط لم يتحمل المصريين سيادتكم ساعة واحدة، والمؤشرات في الشارع المصري تنذر بخطر داهم علي الجميع لن يتحمل نتائجه المواطن فحسب، بل الدولة ككل مسؤولة عن مواجهة أعمال البلطجة التي أصبحت في طريقها أن تأكل الأخضر واليابس في ظل غياب أمني غير مفهوم أو مبرر.