نهلة سليم تكتب:  القطار اللعين 

في حياة كل منا قطار لعين هذا القطار الذي لم تركبه بمحض إرادتك فجأة تفتح عينك تجده يمضي بك دون أن تستطيع أن تعترض عليه وبالتالي لن تستطيع إيقافه بل لا تستطيع حتي بإرادتك أن تنزل منه في المحطة التي تراها أنت مناسبة لك أو ترى انها المحطة التي تريد قصدها وكيف تراها كذلك وأنت حتى لم تقدم على الذهاب إليها بل وصلت إليها عبر هذا القطار اللعين دون إرادتك.

هذا القطار اللعين أطلقت عليه هذا الأسم لأنك لا ترى في محطاته المخيفة التي يجبرك بأن تمر عليها فقط بل أحياناً وصلت به البجاحة أن يجبرك أن تنزل في محطاتها الغير مؤهلة لاستقبال البشر بأن تنزل إليها تلك المحطات عبارة عن غابات موحشة لكنها لا تظهر لك وقت نزولك إليها فكانت إجبار من هذا القطار اللعين بأن تنزل منه وتعيش بين اشواك

تلك الغابة المرعبة، لم تجد غير التيهة والخوف وأحياناً الزعر وأحياناً أخرى خيبة الأمل المرجوه فيها في أن يأتي إليك قطار آخر ينجيك من تلك التوهان الموحش فهذه المحطات لم تظهر لك وحشيتها وانت نازل من القطار كما ذكرت بل علي العكس فعندما وطأت قدمك قد تبدو لك و من أول وهله وانت تخطو أولى خطواتك فيها بأنها محطة هادئة نظيفة مرتبة جداً إلى أن تبدأ تكتشف خطورتها وعبثها رويداً رويداً .

ففي تلك المحطات المضنية التي أوقفك فيها قطار حياتك اللعين وأجبرك أن تخرج إليها دون إرادتك بل توقف عندها ولم يتحرك لكي لا يكون لك أدنى أختيار في ان تبقى به أو تنزل إليها ، جعلك تخرج منه وانت معتقد أنها المحطة المقصودة فنورها مزيف ورصيفها مغشوش ولافتاتها مزورة إلى أن تكتشف الحقيقة وبعد أن تتوه في دروبها لعدم استطاعتك على مقاومة طروقها الواعرةً، تكتشف بأنك أخذت القطار الخطأ وهذا القطار الذي ركبته أجبرك عدة مرات علي النزول لعدة محطات

لكن في كل محطة نزلت إليها وعشت فيها وأعطيتها من وقتك ومجهودك لا شك إنك لم تخرج منها فارغ اليدين بل محصن بتجربة مريرة هذه التجربة تعلمت على الأقل فيها كيف تمشي في الطرق شديد الظلام وأنت واثق بنور السماء الذي سيهديك إلى سواء السبيل

تعلمت إن نهاية كل ألم راحة .. نهاية كل مجهود نجاح نهاية كل حزن فرح نهاية كل تضحية جزاء عظيم من الخالق
وأن الشيء الذي الأكيد الذي ستخرج به من تلك التجربة إنه لا إختيار ولا قوة منك في ركوبك في القطار قد تصفه بالعين لكنه جعلك محصن بالتجارب التي قد تنقلها لغيرك كي يستفيدوا منها
وإن اختيار الله لك لكي يجعلك تمر بهذه التجارب كي تنقلها لعباده كي لا يقعوا فيها ، لأمر عظيم ويستحق منك التأمل فيه كي تعلم مقدرتك عند الله الذي يعرف قوتك في التحمل كي يرسل لك كل تلك الصعاب لأنه يعلم إنك قدها وستنتصر علي اصعب ظروفها وستنقلها لغيرك من بني البشر كي يحظروا منها وهذا أمر مقدر عليك ومقدر لك

لذا عندما تجلس في محطاتك اللعينة تلك لتنتظر القطار الذي سيأخذك منها لا تحزن ولا تيأس بل افتخر وأصبر وأعلم إنك ممن اختارهم الله من أولي العزم الذي ذكرهم وفضلهم وجعلهم في منزلة الأنبياء والصديقين

إذن هذا الإنتظار غير إنه كشف لك جانب كبير من قوة ذاتك في تغلبه على أشد الصعاب إلا أنه ربى بداخلك أمل كبير يجعلك دائما تنتظر وتنتظر فتنظر إلى القضبان التي سيأتي عليها القطار القادم وأنت مليء بالأمل والأماني بأن القادم هو من سيحمل لك إلى طريق السلامة على قضيانها تلك تلك الأماني الذي تمنيتها في كل محطة مخيفة قمت بها وعشتها ومشيت في دروبها المليئة بالأشواك والتيه قد جعلتك إنسان مفعم بالأمل الذي هو سر الحياة

إذن معنى وجودك على محطة من محطات اللعينة تلك والتي قد تكون ظلم قد تكون عدم توفيق قد تكون صدمات في حياتك قد تكون كل شيء تمنيته وآتي لك عكسه فصبرك علي كل هذا هو في حد ذاته نصر كبير لك بأنك لازلت على قيد الحياة لكن أمتلأت بالقوة والثقة بالنفس والإيمان بأن القادم أجمل وأعظم وإنتظارك للقطار القادم لهو الدليل القاطع على أن الأمل هو من جعلك تحيا لأن لا حياة بدون أمل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى