بريطانيا تتطلع إلى فتح صفحة تجارية جديدة مع دول الخليج
وكالات – لندن:
يعكس إصرار حكومة بوريس جونسون على توسيع العلاقات الاقتصادية مع الخليج أن دول المنطقة باتت مرشحة بقوة لتصبح إحدى الوجهات التجارية والاستثمارية المستهدفة لبريطانيا مستقبلا مع سعيها لوضع أسس شراكات استراتيجية أكثر انفتاحا.
وأطلقت بريطانيا الجمعة عملية التفاوض بغية إبرام اتفاقيات تجارية جديدة مع السعودية وعدد من دول الخليج الأخرى، وذلك في ظل سعي الحكومة لإقامة علاقات اقتصادية أعمق.
وبدأت المؤشرات حول عقد اتفاقيات خليجية في نوفمبر الماضي بإطلاق مراجعة مشتركة للعلاقات الاقتصادية. وقد اختتمت في يونيو الماضي.
وترى لندن أن توقيع اتفاقيات تجارية حرة مع دول وتكتلات، مثل دول الخليج ومنظمة التعاون الإسلامي ودول آسيان، قد يخفف من تبعات خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وتوتر العلاقات التجارية مع الأوروبيين.
وتعتقد أيضا أنه من الضروري توسيع حجم شراكتها الاستراتيجية الممتدة مع دول الخليج وخاصة الإمارات لتضم مجالات أكثر تنوعا مثل تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي والعلوم الطبيعية.
واتخذت وزيرة التجارة الدولية آن – ماري تريفليان أولى خطواتها نحو بدء مفاوضات تجارية مع دول الخليج الست، حيث شرعت في حملة الهدف منها دعوة الشركات البريطانية إلى إبداء رأيها بشأن ما ينبغي أن يشمله الاتفاق التجاري مع تلك الدول. كما أكدت أنها ستلتقي ممثلين عن دول الخليج في لندن. لكنها لم تحدد موعد ذلك.
وقالت تريفليان في بيان “نريد اتفاقا حديثا وشاملا يزيل الحواجز التجارية أمام سوق ضخمة للأغذية والمشروبات، وفي مجالات مثل التجارة الرقمية والطاقة المتجددة بما من شأنه أن يوفر وظائف جيدة في بريطانيا”.
ويقول المسؤولون البريطانيون إنه من المهم للغاية ألا تقتصر العلاقات على قضايا البيع والشراء وإنما تمتد إلى شراكة استراتيجية حقيقية يتم بموجبها تبادل أفضل الممارسات بين بريطانيا ودول الخليج لتحقيق المصالح المشتركة مع مناقشة التحديات والوصول إلى حلول فعالة لها.
وسبق أن ذكر وزير التجارة الدولية السابق ليام فوكس في فبراير 2019 أن بريطانيا تتطلع إلى إنشاء منطقة تجارة حرة مع دول الخليج في المستقبل القريب، لكن من غير المعروف ما إذا كانت تريفليان ستعيد إحياء هذه الفكرة.
وتأتي المفاوضات في الوقت الذي استحوذ فيه صندوق الاستثمارات العامة السعودي (الصندوق السيادي) على نادي نيوكاسل يونايتد بقيمة تقدر بنحو 410 ملايين دولار، والذي كان يملكه الملياردير البريطاني مايك آشلي، وذلك بعد الحصول على موافقة رابطة الدوري الإنجليزي عقب عام ونصف العام من الانتظار.
وقال ياسر الرميان محافظ الصندوق “يتماشى الاستحواذ مع استراتيجية الصندوق، حيث تركز استراتيجيته على قطاعات رئيسية، بما فيها قطاعا الرياضة والترفيه”.
كما جاءت المفاوضات عقب يوم من مناقشة وزير المالية وزير دولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار الكويتي خليفة مساعد حمادة مع عمدة الحي المالي لمدينة لندن ويليام راسل، وفينسنت كيفني الذي سيستلم مهام المنصب في نوفمبر المقبل، قضايا أهمها دور الكويت كبوابة للاستثمار العالمي والتمويل الأخضر والابتكار والتكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى الخدمات المالية وتشجيع الاستثمارات.
وكانت حكومة أبوظبي قد أعلنت منتصف الشهر الماضي خلال زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أنها ستضخ 13.8 مليار دولار في بريطانيا على مدى السنوات الخمس المقبلة، فيما سيكون بمنزلة دفعة كبيرة لطموحات جونسون لتعزيز الاقتصاد بينما تسعى الدولة الخليجية لتنويع اقتصادها بما يتجاوز الوقود الأحفوري.
وقال مكتب الاستثمار البريطاني وشركة مبادلة للاستثمار (الصندوق السيادي) في بيان مشترك حينها إن “الاستثمارات ستعزز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في البلدين وتزيد الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة المتجددة”.
واستثمرت الإمارات بالفعل حوالي 1.5 مليار دولار في الاقتصاد البريطاني، بما في ذلك 1.1 مليار دولار في قطاع علوم الحياة.
وقال الرئيس التنفيذي لمبادلة خلدون المبارك حينها “سيساعد توسع شراكتنا الاستثمارية السيادية على تسريع التمويل والابتكار في القطاعات الرئيسية التي تعتبر أساسًا للنمو الاقتصادي في كلا البلدين”.
وأضاف “نعمل بالفعل على تطوير برامج طموحة للتحول في مجال الطاقة والتكنولوجيا والاستثمار في البنية التحتية من أجل خلق فرص عمل جديدة وتقوية الروابط التجارية بين بلدينا”.
وستعزز أي اتفاقية مع بريطانيا خطة الإمارات العشرية، التي تم الكشف عنها الشهر الماضي، لمضاعفة حجم اقتصادها وجذب 150 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر بحلول 2030.
وبموجب الاتفاقية المحتملة سيتم إعطاء الأولوية للاستثمارات بناء على قدرتها على توفير فرص العمل في كلا البلدين، وتعزيز قدرات البحث والتطوير وتعزيز العلاقات الاقتصادية.
ويرجح خبراء أن تكون هناك مكاسب لدول الخليج تتمثل في تحسين شروط الاستثمار والقوة التفاوضية، لاسيما في ما يتعلق باتفاقيات التجارة الحرة.
وترتبط بريطانيا فعلًا بعلاقات استراتيجية اقتصادية وتجارية واستثمارية وعسكرية وطيدة مع دول الخليج، وقد تجاوز حجم التجارة مع المنطقة 30 مليار دولار في العام الماضي.
وتشير التقديرات إلى أن حجم التجارة البريطانية مع دول الخليج بلغ نحو 61 مليار دولار في 2019، وهو ما مثل قرابة 7 في المئة من حجم تجارة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي في العام ذاته، وهو رابع أكبر مبلغ بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين.
لكن بعض الخبراء يعتقدون أن العمل على إبرام اتفاق تجاري رسمي قد يشعل من جديد المخاوف السياسية بشأن من الذين ستسعى بريطانيا، بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لزيادة التجارة معهم.