هل هناك خطة مصرية للتعامل مع التحديات؟! .. بقلم: محمد أبو الفضل

 

محمد أبو الفضل

تثير التوجهات المصرية حيال التعامل مع جملة من القضايا الداخلية والخارجية قدرا من الالتباس لدى قطاع كبير من المراقبين بشأن وجود خطة واستراتيجية يعمل بموجبها النظام المصري أم أن المسألة متروكة للمستجدات والتحديات، إذ تؤدي تطورات متباينة إلى النتيجتين السابقتين.

ما تحقق على الأرض في الداخل على أصعدة أمنية وسياسية وتنموية يقول إن هناك تصورات محكمة وأطرا محددة تعمل من خلالها المؤسسات المركزية في الدولة، وتشير حصيلة التفاعلات التي قام بها النظام المصري على المستوى الخارجي إلى نجاح كبير في إعادة هيكلة العلاقات مع قوى كبرى وصغرى في الشرق والغرب.

كما أن الطريقة التي تدار بها بعض القضايا لا تخلو من عشوائية ما يرجح كفة التعامل مع التطورات حسب ما تمثله من تهديدات، وأن إعادة صياغة الأجندة التي تدار بها البلاد تفتقد إلى الرؤية المستقبلية ما يعني التوقف عند مستوى معين من الأمان السياسي.

بين الرؤيتين توجد مساحة للاجتهادات ترجح كفة كليهما ما يشي بأن هناك تخطيطا في العناوين العريضة وعدم دقة في التفاصيل والتنفيذ في بعض المجالات، وهذه هي الصورة القريبة لفهم مقتطفات حيوية في ما يجري من تطورات على الساحة المصرية.

فما تحقق، بقطع النظر عن الاتفاق والاختلاف معه، جاء نتيجة رؤية يتحرك بموجبها النظام المصري مكنته من السيطرة على مفاصل الأمور وأزالت الكثير من العقبات التي يعتقد أنها ستكون حائلا دون تحقيق أهدافه في الداخل.

لعل الخطة التي تبنتها القاهرة في مجال مكافحة الإرهاب وصلت إلى ما رمت إليه، وتجفيف منابع الحركات الإسلامية داخل القواعد الشعبية وفي مقدمتها جماعة الإخوان لم يأت دون رؤية لها بدايات ونهايات وبينهما أدوات أمنية وسياسية ودينية وإعلامية وظفت بطريقة أفضت إلى خروج هؤلاء من المعادلة الداخلية لعقود قادمة.

استمد النظام المصري تركيزه على الملفات الاقتصادية والاجتماعية من رحم أخطاء وقعت فيها أنظمة سابقة، ويمثل تعمد الرئيس عبدالفتاح السيسي القيام بافتتاح الكثير من المشروعات إحدى أهم رسائله التي تفيد بأنه يعمل لبناء ما أفسده آخرون، وهي إشارات وجدت هوى لدى شريحة من المغرمين به وطبقات مستفيدة من مشروعاته.

ينطوي تضييق الحريات السياسية وتقويض دور الأحزاب وتهميش دور الإعلام على عمل فني مقصود أيضا لأن النظام على قناعة بأن ترك المجال مفتوحا سيكون سببا في تعطيل مسيرته، فتركيزه على السلبيات وتوجيه انتقادات لكثير من أجهزة الدولة يعد أزمة، لكن الخوف يكمن في أن يصبح هذا التوجه خيارا استراتيجيا بالشكل الذي يتناقض مع أحلام التأسيس لجمهورية عصرية.

تأتي المشكلة من محددات غائبة لدى صناع القرار، أبرزها أن القائمين على وضعها وتنفيذها يملكون كافة المفاتيح التي تنسجم مع توازنات أقيمت في خيال أصحابها لشكل الدولة المصرية حتى ولو تم تفريغها من مجموعة ركائز تعتمد عليها الدول التي تصبو إلى غرس جذورها لتتمكن من مواجهة طوفان من التحديات.

أضف إلى ذلك عدم وجود شرح رسمي معلن للبرنامج الذي تسير على هديه الكثير من الخطوات، إذ يفاجأ المصريون بنتائج تتحقق على الأرض وقرارات دون معرفة من أين جاءت وكيف ولماذا، فالغموض البناء بات من أساسيات الحكم بالصورة التي تفسر دوافع تهميش الحريات والتراخي في إجراءات الإصلاح السياسي.

عندما قرر السيسي الترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2014 اعترف أنه لا يملك برنامجا محددا لكنه يملك رؤية للمستقبل، وهي الجملة التي يستند إليها المراقبون لتفسير ما يصعب عليهم فهمه، فالرجل كان واضحا في عدم وجود برنامج سياسي في جعبته.

أخذ الكثير من المصريين هذه العبارة في حينه ورأوا فيها مقدمة لإخفاقات لاحقة في معالجة الترهل الذي بدت عليه الدولة المصرية قبل نحو سبع سنوات، غير أن النتيجة حاليا تخالف هذه التوقعات في نواحي العمران، حيث أثبتت أن الرؤية العامة لدى السيسي لا تقل أهمية عن البرنامج التفصيلي عند التطبيق.

تفك هذه الجملة أيضا جانبا من الألغاز التي تحيط بالنظام المصري، وكعادة غالبية الجنرالات ترك السيسي الباب مفتوحا للتخمينات والتكهنات والتقديرات الصحيحة والخاطئة ولم ينشغل بمن قال ماذا ومن أصاب ومن أخطأ، فالعبرة في نظره بالنتيجة التي يراها الناس أمام أعينهم.

ولذلك يتعزز القول بوجود خطة غير معلنة يسير على هديها الرئيس المصري ولا أحد يعلم أسباب إخفائها غيره، لأنه حقق معظم ما يصبو إليه من تطلعات وطموحات، وساعدته الخطة السرية في القبض على أمور كثيرة بالداخل وهي الصيغة التي تريحه في الحكم، ويقاس مقدار النجاح أو الفشل بما وصل إليه وفقا للأهداف التي رسمها.

نجح الرجل ووصل إلى الكثير مما أراده خارجيا من ناحية الانفتاح على قوى مختلفة أسهمت في تخفيف حدة التهديدات التي كانت تتعرض لها الدولة المصرية، وهو المكسب الذي تحقق بصعوبة وجاء بعد وقت طويل من المثابرة والعمل على تثمين مبدأ المصالح المتبادلة وتجنب الدخول في عداوات سافرة.

لم يأت التقارب الحاصل في علاقات القاهرة مع كل من قطر وتركيا وقبلهما الولايات المتحدة صدفة، بل جاء عقب فترة من العمل حرص النظام المصري خلالها على عدم الانزلاق إلى صدام إقليمي مباشر، وجرى تفكيك أجزاء مهمة في الأزمات المحتدمة، وإبداء مرونة في التجاوب مع الدول التي مددت خيوطها له والتخلي عن المعادلة الصفرية التي يمكن أن تكبد أي دولة تنهض من كبواتها خسائر باهظة.

غاب هذا النوع من المغامرات الخطيرة عن قاموس الدولة المصرية في عهد السيسي ولم يعد مطروحا في أي من أدبيات نظامه حاليا، ما عزز فكرة تنويع الروابط مع دول كثيرة بما فيها دول تعيش مرحلة خصومة معلنة وأخرى مستترة مع القاهرة.

كان تحاشي الدخول في عداوة مع إيران نوعا من الحكمة البعيدة وليس خوفا منها، وكان عدم قطع الخيوط مع النظام السوري رشادا سياسيا، كما أن التلويح بالخشونة في حالتي ليبيا وإثيوبيا عبّر عن الجاهزية العسكرية والقدرة الردعية، وكلها محطات تشير إلى وجود رؤى وتقديرات.

تقود هذه المعطيات إلى أن ثمة خطة لإدارة المرحلة القادمة تستمد ملامحها من الرؤية التي طبقها النظام المصري الفترة الماضية. لكن السؤال الكبير هل ما نجحت القاهرة في تطبيقه يصلح تكراره في المستقبل؟ وهو موضوع مقال آخر.الكلمة سلاح ذو حدين .. فأحسنوا استخدامها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى