“الأحزاب” المصرية .. معارضة أسيرة وصراعات داخلية تربطها المصالح الشخصية

 

حمدين صباحي .. ظاهرة كلامية انتهت بالجلوس فى البيت

فقدت الأحزاب المصرية ذاكرتها السياسية واختارت البقاء في حالة الموت السريري التي أصابتها دون أن تكون لديها قدرة أو رغبة في الاشتباك مع القضايا العامة التي تهم المواطنين، وانعكست هذه الصورة سلبًا على أوضاعها الداخلية بعد أن أضحت وقائع الإقالات والفصل والاستبعاد ورفع الدعاوى القضائية بين قياداتها مهيمنة على الأنباء المتواترة بشأنها في وسائل الإعلام.

الوفد

وقرر رئيس حزب الوفد بهاء أبوشقة أخيرا رفع دعاوى قضائية ضد من وصفهم بـ”المتورطين في أزمة الرسائل المسيئة” التي طالت قيادات الحزب ورموزه من هواتف محمولة مجهولة الهوية، واعتبر أن الرسائل والقائمين عليها يستهدفون مكانة الحزب ويسعون لهدمه وتقويض وجوده.

واشتعلت أزمة الرسائل المسيئة داخل الحزب الأقدم في مصر بعد أن تداول عدد من قادته رسائل تطالب بإسقاط رئيسه لفشله في إدارة الحزب وعدم قدرته على عقد اجتماع الهيئة العليا منذ أربعة أشهر.

جاء ذلك في وقت يشهد فيه الحزب أزمة داخلية متصاعدة منذ قرار فصل عشرة أعضاء نهائيا في فبراير الماضي، وفي ذلك الحين اعتبر أبوشقة أن المفصولين اشتركوا في “مؤامرة كانت تحاك ضد الحزب”، دون أن يعلن تفاصيلها.

الحزب الناصري

وانتقلت شرارة الخلافات إلى الحزب الناصري الذي فشل في إجراء انتخابات على رئاسته بعد وفاة رئيسه سيد عبدالغني مطلع العام الجاري، كما انتقلت الأزمة إلى أروقة المحاكم على خلفية دعاوى مرفوعة من قبل تيارين داخل الحزب يتنازعان رئاسته.

حزب الحركة الوطنية

واستمرت الأزمة داخل حزب الحركة الوطنية الذي أسسه المرشح الرئاسي الأسبق أحمد شفيق على خلفية قرارات إقالة أصدرها رئيسه الحالي رؤوف السيد، بدأت الشهر الماضي بإبعاد عضو مجلس الشيوخ محمد عزمي، واستمرت مع إقالة أحد أمناء المحافظات الخميس (26 أغسطس)، وسط استقالات تقدم بها عدد من الأعضاء.

وتحولت الأحزاب السياسية في مصر من كيانات سياسية تسعى لترويج أفكارها وخلق رأي عام متوافق معها إلى مجرد مقار تتواجد فيها حفنة من الأعضاء الذين يتبارزون حول كيفية تحقيق الهيمنة داخل الحزب باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق مكاسب سياسية مع انفصال الأحزاب عن المواطنين وعدم القدرة على تحقيق شعبية عبر مواقفهم.

ويتفق مراقبون على أن حالة التشظي التي أصابت غالبية الأحزاب تعود إلى عوامل مرتبطة بالقيادات ذاتها التي ليست لديها خبرات تمكنها من أن تشتبك مع الأزمات والمشكلات الداخلية بصورة تدعمها سياسيّا، وعوامل لها علاقة بتعاطي الحكومة مع الكيانات الحزبية الهشة التي يدور معظمها في فلكها دون أن يكون هناك قدر من التنوع والاختلاف معها لتنشيط دورها مجدّدا.

أدوار الأحزاب

وتأتي الأزمة العميقة من ارتباط توجهات دوائر قريبة من الحكومة بأدوار الأحزاب من خلال توسيع قاعدة حضورها في البرلمان، فقد جرى اختيار عدد من رؤساء الأحزاب وأصحاب المناصب العليا داخلها ضمن القوائم المغلقة في انتخابات مجلسيْ النواب والبرلمان الماضية.

وأصبحت عدّة كوادر حزبية مقتنعةً بأن تولي مناصب متقدمة داخل الحزب يعني ضمان الحصول على مقعد في البرلمان دون أن تكون هناك حاجة إلى بناء شعبية عبر التواصل المباشر مع المواطنين أو التظاهر في الشارع.

تنسيقية شباب الأحزاب

وأدى تسليط الأضواء على “تنسيقية شباب الأحزاب” (تضم مجموعة من الشباب والكوادر المنتمية إلى قوى مختلفة) على حساب الأحزاب التقليدية إلى خلق أزمات أخرى؛ فقد تراجع دور الكيانات القديمة، والمستقبل السياسي أضحى لشباب التنسيقية ولم تعد هناك ضرورة للالتفات إلى الكوادر التي تصف نفسها بأنها تاريخية ومازالت قابعة تنتظر أي دور سياسي يمكن أن تقوم به.

كوادر شبابية

ويقود وجود كوادر شبابية تحظى بدعم حكومي فاعل -عبر انضمامها إلى التنسيقية- على حساب أخرى لا تحظى بالمميزات ذاتها إلى توسيع نطاق الصراعات داخل الأحزاب؛ إذ يبحث كل طرف عما يمكّنه من المحافظة على ثقله السياسي داخل الحزب مع غياب الممارسات التي تفضي إلى توحيد الصفوف والبحث عن مصلحة الحزب أوّلا.

حزب تيار الكرامة

وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة محمد سامي إن “تجاهل مناقشة إصلاح الحالة الحزبية المصرية وعدم اهتمام وسائل الإعلام بما تصدره الأحزاب من رؤى ومواقف تتعارض مع توجهات الحكومة أدى إلى زيادة انغلاقها على نفسها والتعامل مع تركة المناصب داخل الحزب كبديل لما تحققه لأعضائها من شهرة ونفوذ”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الحكومة تتوجّس من وجود خلايا نائمة داخل الأحزاب تعمل على  تحقيق أهداف تنظيم الإخوان، وقد تكون هناك تدخلات للتعامل مع الكوادر التي تحوم حولها شبهات العمل لصالح جماعات الإسلام السياسي، ما يجعل بعض الخلافات الحالية مفتعلة في إطار الصراع بين الحكومة والمعارضة المرتبطة بجماعة الإخوان المصنفة إرهابية وفقا للقانون المصري”.

ويؤكد متابعون أن حالة التشكيك في دوافع الأحزاب وتوجهاتها تدفع الكثير من رؤساء الأحزاب إلى التعامل مع أي مطالب يرفعها الأعضاء -وأغلبها ترتبط بطرق إجراء الانتخابات ووضع آليات تسمح بتداول السلطة داخل الحزب- على أنها مطالب تستهدف إسقاط الدولة ومعاداة النظام الحاكم، ما يوجد مبررات جاهزة لفصل الأعضاء واستبعادهم تحت شعارات وهمية لا يمكن أن تُقنع أحدا.

مؤامرة

وأشار بهاء أبوشقة رئيس حزب الوفد، خلال احتفالية نظمها الحزب في ذكرى ثلاثة من زعمائه، الثلاثاء الماضي إلى أن “الحزب يتعرض إلى مؤامرة ليس هدفها الأشخاص لكنها ضد الدولة المصرية يراد بها إبعاد الحزب عن دوره في مساندة ودعم الرئيس عبدالفتاح السيسي في مشروعه الوطني لبناء دولة ديمقراطية حديثة”.

وأشار رئيس وحدة بحوث الرأي العام في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حسن سلامة إلى أن الأحزاب أصابتها الشيخوخة المبكرة وعدم القدرة على استيعاب المستجدات في البيئة المحيطة بها، ما يؤدي إلى ظهور الفجوة الظاهرة بين أجيال طاعنة في السن وأجيال الشباب التي تسعى ليكون لها دور فاعل داخل الأحزاب، ما يقود إلى عدم ظهور نقاط التقاء بين الطرفين.

المصالح الشخصية

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “المصالح الشخصية تسيطر على توجهات القيادات، ولو على جثة الحزب نفسه، نتيجة قصور فهم دور الأحزاب”، مشددا على أهمية فتح ملف الخلافات المتصاعدة عبر تغيير القوانين المنظمة لعملها بما يسمح بإلغاء الأحزاب غير الممثلة في البرلمان.

وباتت عملية اختيار الكوادر الحزبية ضمن القوائم المغلقة في الانتخابات التشريعية بحاجة إلى معايير محددة تجري على أساسها عملية الاختيار بما لا يقود إلى تفشي الصراعات الداخلية على منصب رئيس الحزب والهيئة العليا، ويجب على الحكومة أن تقوم بعملية تقييم لأداء الكوادر التي وصلت إلى البرلمان، ومنع تواجد شخص في فترة جديدة طالما أنه لم يقدم ما يثبت كفاءته السياسية خلال مدته المنتهية.

—— العرب ———-

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى