مؤتمر العراق والعمائم السوداء.. بقلم: طه خليفة
في النظر لمؤتمر العراق الذي شاركت فيه 9 دول عربية وإسلامية وفرنسا.. علينا التركيز في الحضور الإيراني، فهو الأهم..
طهران العاصمة الأكثر نفوذاً في العراق، والأعمق تأثيراً في قراره النهائي، هذا القرار ليس بأيدي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وحده، رغم أنه كان يتصدر طاولة الاجتماع ويتحدث كما لو كان ممسكاً حقاً بمفاصل السلطة..
صلب القرار في أيدي قوى الشراكة في الحكم، والإمساك بالسلاح، والسيطرة على الأنصار والأرض، وهم العمائم السوداء من الشيعة، وبعض أصحاب الياقات البيضاء من الساسة الملحقين بالجماعات الطائفية، وقليل من أهل السنة، أما الأكراد في الشمال فهم مستقلون في إدارة شؤونهم، ولا ولاية لبغداد عليهم.
وإيران لابد أن تمرر، أو تقبل القرار العراقي، أو لا يجب أن يتصادم مع مصالحها، أو يلحق ضرراً بها.
وإيران أولاً في العراق بسبب الجوار التاريخي، والعلاقات المتداخلة المتشابكة، والبعد الطائفي والمذهبي، وأذرعها الكثيرة والقوية والمتغلغلة من الأحزاب والتنظيمات الشيعية..
ولو لاحطتم أن كلمة وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان كانت باللغة العربية، وليست الفارسية، في إشارة لافتة بأن إيران ليست ضيفاً ولا حاضراً غريباً عن العراق والعرب المتواجدين في الاجتماع، إنما تتحدث بلسانه ولسانهم العربي المبين، وهذا تكريس لدورها، وتأكيد لاستحالة عزلها عن جوارها الخليجي ومحيطها العربي، أو تجاهلها في كل ما يتعلق بشؤون الخليج والمنطقة.
هكذا يريد أن يؤكد الملالى، وغياب أمريكا عن المؤتمر ترجمة واقعية لتآكل دورها في هذا البلد، وما تبقى من جودها العسكري والسياسي فيه لم يعد يثير الردع أو الهيبة بعد هزيمتها وانسحابها المتعجل والعشوائي والفضائحي من أفغانستان.
والاحتلال الأمريكي لعاصمة الرشيد أفسح المجال لإيران لتدخل وتتربع في العراق وتُحكم قبضتها عليه مما عجزت عنه قبل ذلك.
واشنطن، أكملت تدمير العراق، بعد الديكتاتور صدام، وأهدته على طبق من فضة لـ إيران، والعرب ساعدوا الأمريكي بغباء سياسي نادر في حماقاتها وفوضاها المنظمة.
بعد إيران بمسافة تأتي تركيا صاحبة النفوذ في الشمال العراقي، ولها دور ما في القرار الاستراتيجي في هذا البلد، خاصة بعد رفض استخدام أراضيها وقواعدها في غزوه عام 2003، ودورها المهم في إسقاط نتائج استفتاء الأكراد للأنفصال عن العراق في 2017.
الفرنسي حاضر على كل موائد الاجتماعات العربية باحثاً عن دور ومصالح، ومحاولاً مزاحمة ألمانياً في قيادة الاتحاد الأوروبي وتمثيله في الخارج بعد خروج بريطانيا منه، وهو يكتسب بعض قوته في الشرق الأوسط من دعمه للأنظمة العربية الحاكمة رغم أنها مطلقة وفردية، لكن لا تعنيه الديمقراطية والحريات وشعارات الثورة الفرنسية، فهذه القيم للفرنسيين فقط، وليست لشعوب العالم خاصة عالم الجنوب المظلم..
و ماكرون شخصياً يمثل نقطة ضعف لفرنسا، فالأيام أثبتت أنه ليس على قدر البلد الذي يحكمه، لهذا يتطرف في بعض المواقف ظناً منه أن ذلك يصنع زعامة عالمية له.. آخر الرؤساء الكبار في هذا البلد كان شيراك..
الحضور بعد ذلك، بما فيهم السعودية، هو مجرد تواجد وكلمات ولقطات ولقاءات، وليس أكثر من هذا.