تقرير صادم لـ الايكونوميست: القضية الفلسطينية لم تعد تهم العالم العربي
سلط تقرير نشرته مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية الضوء على تسبب الحكام العرب في تراجع أهمية القضية الفلسطينية في دولهم، مستشهدا باتفاقات التطبيع المتتالية التي أبرمتها دول عربية مؤخرا.
وذكرت المجلة أنه في السنوات الأولى بعد إعلان تأسيس إسرائيل، شجع مؤسسها “ديفيد بن جوريون” على إقامة دولته الناشئة تحالفات متعددة الأطراف بسبب العداوة الشديدة التي يكنها العالم لإسرائيل.
لذا سعى مؤسس إسرائيل إلى إقامة علاقات مع دول غير عربية، وعلى رأسها تركيا وإيران، اللتان أقامتا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عام 1950 (وكانتا أول دولتين بأغلبية مسلمة تفعلان ذلك).
ووفق المجلة: “يبدو أن المحيط الآن أصبح مختلفا إلى حد ما. إذ يشير الاستراتيجيون الإسرائيليون الآن إلى إيران وتركيا باعتبارهما خصمين إقليميين رئيسيين: الأولي بسبب برامجها النووية ونشر ودعم الميليشيات الشيعية، والثانية بسبب احتضانها للإسلاميين السنة، مثل قادة حماس”.
وقالت المجلة: “لم يعد العرب يبدون عنيدين تجاه إسرائيل”، ففي العام الماضي أقامت الإمارات والبحرين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بموجب ما يسمى بـ”اتفاقيات إبراهيم”، وحذا السودان والمغرب حذوهما.
تراجع بدون غياب
ولكن على الرغم من التطبيع غير المسبوق والمتسارع من قبل دول عربية مع إسرائيل فإن هذا لا يعني أن القضية الفلسطينية فقدت أهميتها، وفقا لـ”ذي إيكونوميست”.
واستشهدت المجلة بحرب غزة الأخيرة التي استمرت 11 يوما في شهر مايو/أيار، وقالت إنها أظهرت عكس ذلك، وكانت عنصرا أساسيا في نشرات الأخبار.
وأشارت إلى أنه يضاف إلى ذلك أيضا أنه من الصعب للشعوب العربية التعبير عن رأيهم في قضية عامة في منطقة ذات أنظمة قمعية.
وأضافت المجلة أنه يمكن القول إن معظم العرب يرون معاملة إسرائيل للفلسطينيين على أنها انتهاك أخلاقي، حتى لو كان عدد أقل من الناس يعتقدون أنه يمكن أو ينبغي محو إسرائيل من الخريطة.
ولفتت إلى أن معظم معاهدات السلام التي أبرمتها إسرائيل في العالم العربي تعتبر اتفاقيات باردة بالتأكيد.
وذكرت أن مصر على سبيل المثال جنت فوائد دبلوماسية وأمنية من معاهدة 1979، لكن المصريين ليس لديهم سوى القليل من العلاقات الثقافية أو الاقتصادية مع جيرانهم، كما كافح المبعوث الإسرائيلي الجديد في المغرب لأشهر للعثور على موقع لمكتبه.
ومع ذلك، فإن القضية الفلسطينية، التي كانت ذات يوم قضية مركزية في العالم العربي، هي الآن مجرد واحدة من بين العديد من القضايا.
فلم تقاتل أي دولة عربية إسرائيل منذ ما يقرب من 50 عامًا، ولا أي جماعة غير فلسطينية منذ عام 2006. وفي واقع الأمر، لم يعد الصراع العربي الإسرائيلي، الذي فعل الكثير لتجميع المنطقة معًا، موجودًا بشكل ذي معنى الآن.
الوحدة والانقسام
وذكرت المجلة أنه حتى في أيام القومية العربية، التي شهدت فيها الدول العربية انقسامات ومشاحنات كبيرة لا سيما بين مصر والسعودية، ظل التوحد العربي إزاء القضية الفلسطينية ممتدا.
وكان الصراع العربي الإسرائيلي استثناء لكل الانقسامات العربية، وتجسد في “اللاءات الثلاث” لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف ولا مفاوضات، وظل ذلك سياسة مشتركة بين الدولة العربية لعقود.
تضافرت جهود الدول العربية لقتال إسرائيل في 1948 و1967 و1973.
ولعبت هزيمة عام 1967، التي شهدت إخماد أربعة جيوش عربية دورًا كبيرًا في زوال القومية العربية.
ونتيجة لذلك، استقال “جمال عبدالناصر”، ثم تراجع عن قراره، غير أن الهزيمة تركته في حالة شعور بالتضاؤل، فقد أُجبر على رفع دعوى من أجل السلام في اليمن.
وأشارت المجلة إلى سخرية الكاتب الراحل “محمد حسنين هيكل” (المقرب من “عبدالناصر”) في حينها بعد الحرب من أن القوة في العالم العربي قد تحولت ثورة ثورة إلى ثروة ثروة.
وذكرت المجلة أن التحول لم يكن واضحًا تمامًا؛ في البداية سيحل الدين محل القومية (الثورية)، لكن اليوم انتقل مركز الثقل في المنطقة إلى دول الخليج الغنية.
ولم تصبح الكثير من الدول العربية تتعامل بشكل مستقل عن غيرهم حتى السبعينات عندما كان المد القومي العربي أخذ بالفعل في الانحسار.
وذكرت أن الشيخ “زايد”، مؤسس دولة الإمارات، تحدث كثيرًا عن الفلسطينيين ووصف إسرائيل بالعدو، لكنه لم يكن على الإطلاق في حاجة للتصرف وفقا لهذه الكلمات.
وأوضحت المجلة أن الحرب العربية الإسرائيلية الأخيرة دارت بعد أقل من عامين من حصول الإمارات العربية المتحدة على دولة ذات سيادة في عام 1971.
ونقلت المجلة عن دبلوماسي من دولة عربية (لم تسمها) أعلنت تطبيع علاقاتها مؤخرا مع إسرائيل: “مع كل حبنا للفلسطينيين، ودعمنا التقليدي لهم، تأتي نقطة حيث لن نكون قادرين على التضحية بمصالحنا من أجل النضالات المحلية على الجانب الفلسطيني”.
وذكرت المجلة أنه يمكن إقامة جدال في هذا الإطار حول كلمات الدبلوماسي المذكور، حيث إن دول الخليج ترتبط بعلاقات أمنية هادئة مع إسرائيل منذ سنوات، وتضحيات تلك قليلة من أجل الفلسطينيين.
وتابعت: ومع ذلك، فإن تسمية القضية الفلسطينية بـ”صراع محلي”، يسلط الضوء على مدى ضآلة الفائدة العائدة من القضية في الوقت على للحكومات العربية.
ولفتت المجلة إلى أن الإمارات من حين لآخر ترسل رسائل بأنها ترى نفسها كزعيم إقليمي، لكن تحقق ذلك يبدو غير محتلما.
وأوضحت أن الإمارات تفتقر إلى حجم مصر، أو النفوذ الديني للسعودية، أو التاريخ الطويل للعواصم العربية مثل بغداد ودمشق.
كما يشكل المواطنون 10% فقط من سكانها البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، حتى موقعها، الذي يقع أطراف شبه الجزيرة العربية، يجعلها أقرب إلى دلهي منه إلى القاهرة.
ولفتت إلى أن العمل والعيش والراحة المالية في الإمارات كانت مصدرا للقوى الناعمة للدولة الخليجية على العرب، رغم أن الكثير منهم لديهم نظرة شيفونية ضدها ويعتبرون أنه لولا النفط لما نجحت ولا فاقتهم ماليا.
ووفق تصريح أحد المسؤولين في الإمارات للمجلة: “نريد أن يكون لدينا شرق أوسط، وعالم عربي، يشبه الطريقة التي ندير بها بلدنا”.
وذكرت المجلة أن الإمارات لديها نفور من السياسة الجماهيرية، وهذا ما يجعل إسرائيل شريكا منطقيا لها، إذ تقدم تل أبيب لأبوظبي أدوات مراقبة متطورة مثل “بيجاسوس” للتجسس على الصحفيين والناشطين، وغيرهم.
وخلصت المجلة إلى أن الصراع العربي الإسرائيلي كان بمثابة تمرين في السياسة الجماهيرية، استخدمه القادة العرب لتحقيق أهداف محددة لم يعودوا بحاجة إليها في الوقت الحالي.