مركز المدينة .. مخطط إسرائيلي لتدمير القدس الشرقية
تحاول البلدية الإسرائيلية في القدس المحتلة إضفاء صفة التطوير على مخطط كبير وسط القدس الشرقية، لكن الفلسطينيين يقولون إنه يستهدف عملية تدمير ممنهجة للمدينة ومنع إقامة عاصمة لدولتهم المأمولة.
وعلم السكان عن المخطط الذي أطلقت عليه اللجنة اللوائية الإسرائيلية للتخطيط والبناء (تتبع البلدية) اسم “مركز المدينة”، من خلال لافتات تم وضعها على أعمدة الإنارة والجدران في المدينة.
ويغطي المخطط منطقة تصل مساحتها إلى نحو 700 دونم (الدونم ألف متر مربع) تشمل المنطقة الحيوية المحيطة بالبلدة القديمة في مدينة القدس الشرقية.
وأعلنت اللجنة اللوائية الإسرائيلية عن المشروع نهاية عام 2020، ومنذ ذلك الحين عكف مختصون وخبراء فلسطينيون على دراسته حتى وصلوا إلى استنتاج بوجوب رفضه.
وحددت اللجنة الإسرائيلية مطلع العام الجاري موعدا نهائيا للاعتراض عليه ثم جرى تمديد الموعد حتى نهاية يوليو/ تموز الماضي.
لكن قبول المحكمة العليا – أعلى هيئة قضائية في إسرائيل – التماس ضد عيوب بالترجمة من اللغة العبرية إلى العربية رافقت نشر المخطط وطريقة إعلام المتضررين منه أدى إلى تأجيل موعد الاعتراض إلى أجل غير مسمى.
وأما الفلسطينيون فيقولون إن مخاطر هذا المخطط قد تبرز من جديد في أي لحظة بحال سمحت المحكمة العليا الإسرائيلية بتقديم الاعتراضات عليه مجددا.
ويقول مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية (غير حكومية)، “خليل التفكجي” إن “مخطط ما يسمى بمركز المدينة هو بمثابة عملية تدمير ممنهجة للقدس الشرقية”.
ويضيف “التفكجي” في حديثه للأناضول: “المخطط يستهدف منطقة تمثل عصب الحياة للقدس الشرقية، ففيها مؤسسات تعليمية ومراكز تجارية ومؤسسات ثقافية”.
ويشمل المخطط المنطقة الممتدة من باب العامود، أحد أشهر أبواب القدس القديمة، مرورا بشوارع السلطان سليمان وصلاح الدين والزهراء والمسعودي، وصولا إلى حيي وادي الجوز والشيخ جراح.
ولا يشمل المخطط إقامة أي أبنية استيطانية ولكنه يقيد البناء الفلسطيني في المنطقة لسنوات طويلة مقبلة.
وقال “الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين” بالقدس، في تقرير مكتوب إن “المخطط يشمل تعليمات مفصلة حول استعمالات الأراضي المختلفة بما في ذلك السكن، المناطق المفتوحة، الشوارع، فنادق وغيرها”.
وأضاف: “المخطط يشمل تغيير في الاستعمالات المسموحة، تحديد مساحات البناء القصوى، تحديد عدد طوابق أقصى، تحديد أبنية ومناطق للحفظ، وضع شروط لإصدار تراخيص بناء ووضع خرائط تفصيلية، شق وتوسيع شوارع، تعليمات حول مناطق أثرية، وضع تعليمات وشروط حول تراخيص البناء ووضع تعليمات بالنسبة لهدم مباني”.
وتابع الائتلاف: “للمخطط، الذي وضع دون التشاور مع السكان في المنطقة، أبعاد سلبية كثيرة وكبيرة في جميع مناحي الحياة السكنية والاجتماعية والاقتصادية ولا يلبي احتياجات السكان في أي مجال من مجالات التطوير وهو يخدم السياسات الإسرائيلية الاستراتيجية في المنطقة كقوة استعمارية”.
وفي هذا الصدد، يشير “التفكجي” إلى أن “السلطات الإسرائيلية قامت بوضع المخطط دون التشاور مع السكان رغم مزاعمها بأنه يهدف الى رفاهيتهم”.
ويوضح أن “الهدف هو إبقاء ما هو قائم على ما هو عليه مع الحفاظ على عدد معين من السكان الفلسطينيين في المنطقة وربطها مع القدس الغربية”.
الهدف النهائي للمخطط
ويردف “التفكجي”: “الهدف النهائي للمخطط هو منع إقامة عاصمة للدولة الفلسطينية في مدينة القدس الشرقية”.
ويتضح من خلال دراسة أجراها خبراء الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين بالقدس إن “المخطط يحدد إمكانيات تطوير السكن في المنطقة بشكل كبير”.
وقالت: “المخطط لا يتيح أي تطوير معماري للمنطقة ولا يرقى إلى الحد الأدنى من التطوير، لا يسمح بإضافات بناء للسكن، نسبة البناء قليلة ويسمح بإضافة 76 وحدة سكنية فقط”.
وأضافت: “تقييد إمكانية اصدار تصاريح بناء بشروط كثيرة ومنها التعجيزية، مثال على ذلك ضرورة توفير مواقف للسيارات ضمن حدود الأرض وتراخيص مسبقة من سلطة الآثار”.
وتابعت الدراسة: “جميع الأبنية التي كانت قائمة قبل عام 1967 صنفت كمبان تاريخية مع تقييدات كبيرة في عملية البناء والتراخيص والترميم (غالبية المباني في المنطقة)”.
كما يتضمن المخطط منع البناء على مسافة 75 مترا من سور البلدة القديمة.
ويقول “التفكجي”: “الهدف هو السيطرة الكاملة على المنطقة المحيطة بالبلدة القديمة من خلال تقييد نسبة البناء ومنع البناء إلا في حالات قليلة”.
وبهذا الصدد، يقول المحامي “غياث ناصر”، أحد المدافعين عن السكان ضد المخطط: “لقد تم تصميم المخطط لتجميد وضع المدينة ومنع البناء والتخطيط، والمطلوب هو إلغاء هذا المخطط بشكل كامل”.
ويضيف “ناصر” في حديثه للأناضول: “لم يتم التشاور مع السكان بشأن المخطط، ولم يتم إبلاغهم بتفاصيله كما هو مطلوب من أجل الاعتراض عليه”.
ويقول الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين بالقدس، إن أحد بنود المخطط ينص على أن “تصادر المناطق المخصصة للأغراض العامة من قبل اللجنة المحلية ويتم تسجيلها باسم السلطة”.
ويوضح: “هذا يشمل طرق، حدائق، مناطق ترفيهية أو رياضية، آثار، مواقف سيارات، أرصفة، محطات قطار، محطات حافلات، أسواق، مسالخ، مقابر، مباني التعليم والدين والثقافة والمؤسسات الجماهيرية والمستشفيات والعيادات والملاجئ العامة ومراكز الشرطة والإطفاء ومرافق الصرف الصحي ومناطق للنفايات ومرافق الإمداد بالمياه وأي أغراض عامة أخرى يوافق عليها وزير الداخلية”.
ويتابع: “المساحات أعلاه قدرت من قبل مهندسين مختصين بما يقارب 50% من مساحة المخطط”.
ويلفت إلى أن “التقييدات المفروضة في المخطط على إمكانيات تطوير الفلسطينيين في المنطقة وفي القدس الشرقية بشكل عام لتخدم أهداف سياسية إسرائيلية تتعارض مع كل الأطر القانونية سارية المفعول في المنطقة”.
وكان مسؤولون فلسطينيون ومؤسسات حقوقية وفعاليات فلسطينية دعت الفلسطينيين الذين لديهم عقارات في منطقة المخطط لتقديم اعتراضات ضده، وليس من الواضح إذا ما كنت السلطات الإسرائيلية ستأخذ باعتراضاتهم.
واحتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، وأعلنت أن المدينة بشقيها الشرقي والغربي، عاصمة موحدة لها، وتحتفل الخميس المقبل بهذه الذكرى.