بعد انتصار طالبان.. “دولة الشريعة” بمواجهة تغييرات مصر والسعودية
بمجرد إحكام طالبان قبضتها العسكرية على العاصمة كابل، ارتسمت مشاعر الحماسة على وجوه بعض الإسلاميين العرب الذين يرون في وصول الحركة المتشددة للحكم انتصارا للإسلام والمسلمين و”الإمارة الإسلامية” في أفغانستان.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، احتفى الجهاديون وأنصار تنظيم القاعدة بالأحداث الأخيرة في أفغانستان. وجاء في أحد المنشورات، وفقا لترجمة مجموعة سايت للاستخبارات التي تراقب الإعلام المتطرف: “لقد تم فتح أفغانستان وانتصر الإسلام”.
وتعدت هذه الإشادات منشورات مستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي، لتصل إلى بيان رسمي من أعلى سلطة دينية في سلطنة عمان.
فعلى حسابه في تويتر، كتب مفتي سلطنة عمان أحمد بن حمد الخليلي: “نهنئ الشعب الأفغاني المسلم الشقيق بالفتح المبين والنصر العزيز على الغزاة المعتدين”.
نهنئ الشعب الأفغاني المسلم الشقيق بالفتح المبين والنصر العزيز على الغزاة المعتدين ونتبع ذلك تهنئة أنفسنا وتهنئة الأمة الإسلامية جميعا بتحقيق وعد الله الصادق، ونرجو من الشعب المسلم الشقيق أن يكون يدا واحدة في مواجهة جميع التحديات وأن لا تتفرق بهم السبل وأن يسودهم التسامح والوئام. pic.twitter.com/CpSHwAeihX
— أحمد بن حمد الخليلي (@AhmedHAlKhalili) August 16, 2021
وتأتي سيطرة الحركة الإسلامية المتشددة على البلاد في وقت تعبر فيه قوى إقليمية في المنطقة مثل مصر والسعودية والإمارات عن سخطها من جماعات إسلامية، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها الدول الثلاث.
ويقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد بان لموقع “الحرة” إن بعض الإسلاميين يروجون لوصول طالبان للحكم باعتباره نصرا للإسلام والمسلمين ولدولة الشريعة التي يحلم بها كل الطيف الإسلامي بدءا من السلفيين ومرورا بالإخوان ووصولا إلى المجموعات الجهادية على اختلاف مسمياتها.
وأضاف “هناك إيمان مشترك لدى كل هذه الجماعات بما يسمى بدولة الشريعة أو دولة الإسلام أو الإمارة الإسلامية التي تتحدث عنها طالبان منذ البداية”.
وفي بياناتها، تشير حركة طالبان إلى أفغانستان باعتبارها “إمارة إسلامية” في وقت تؤكد فيه مسودة بيان في مجلس الأمن “بقوة أن إمارة أفغانستان الإسلامية غير معترف بها في الأمم المتحدة وتعلن أنه (المجلس) لا ولن يدعم إقامة أي حكومة في أفغانستان يتم فرضها بالقوة العسكرية، أو عودة إمارة أفغانستان الإسلامية”.
وعندما حكمت حركة طالبان أفغانستان بين عامي 1996 و2001، فرضت نظاما إسلاميا متطرفا، فمنعت النساء من الخروج من المنازل، وحظرت الترفيه، ونفذت إعدامات علنية.
ورغم الاختلاف الفكري للجماعة الأفغانية عن مثيلاتها من الجماعات الإسلامية في الدول العربية، كانت المملكة، حتى وقت قريب أيضا، تحظر الترفيه وتمنع الموسيقى والحفلات المختلطة وتغلق دور السينما، لكنها شهدت انفتاحا غير مسبوق بفضل إجراءات اتخذها ولي العهد محمد بن سلمان.
وشهدت السعودية تحديدا لدور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت بمثابة شرطة دينية في البلاد، حتى انعدم دورها تقريبا، مما سمح لبعض النساء بالخروج من منازلهن دون عباءة أو غطاء للرأس.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي السعودي، عبد الرحمن الملحم، لموقع “الحرة”: “ولي العهد اتخذ على نفسه عهدا بمحاربة الإرهاب والتطرف والفكر الظلامي. هذه الآفات الثلاثة كانت موجودة في المملكة فيما تعهد الأمير محمد بن سلمان باجتثاثها من الجذور”.
ويستبعد المحلل السياسي، رئيس منتدى الخبرة السعودي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، أحمد الشهري، أن يؤثر وصول الحركة الأفغانية للحكم على حماس الإسلاميين في بلاده، قائلا لموقع الحرة: “ما يحدث في أفغانستان ليس له أي صدى في المملكة، ولا علاقة لطالبان بأي حاضنة شعبية في السعودية”.
وفي إطار سعيها إلى التخلص من صورة التشدد الديني، قررت السلطات السعودية مؤخرا قصر استعمال مكبرات الصوت الخارجية على رفع الأذان والإقامة للصلاة، الأمر الذي أثار استفز المشاعر الدينية لبعض السعوديين، معبرين عن ذلك عبر وسم (هاشتاغ) #نطالب_بإعادة_مكبرات_الصلاة الذي تصدر قائمة الوسوم الأكثر انتشارا في المملكة على مدار أيام.
ويقول الشهري: “السعودية لم تخالف نصوص القرآن والسنة باتخاذها بعض الإجراءات. ومكبرات الصوت أمور تقنية لم تعرف إلا حديثا ولذلك وجودها من عدمها لا علاقة له بالدين.. أما في ما يتعلق بالحفلات والغناء فمن المعروف أنها من الأمور المختلف فيها بين علماء المسلمين، ولا تمس ثوابت العقيدة وأصول الدين”.
وبعد 20 عاما على طردها من الحكم، من جانب تحالف بقيادة الولايات المتحدة بسبب رفضها تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، عقب اعتداءات 11 سبتمبر 2001، استعادت الحركة الإسلامية المتشددة السلطة.
ويرى بان أن التحالف طويل الأمد بين طالبان والقاعدة ودعمها المطلق للتنظيم إلى حد تحمل كلفة عقدين من الزمان من الوجود الأميركي وضرب مقدرات الحركة على مدى 20 عاما يصنع صورة ذهنية تلهم مجموعات الإرهاب المتطرف حول العالم، على حد قوله.
ماذا تغير؟
وبينما حثت السعودية مقاتلي طالبان على حماية الأرواح والممتلكات وفقا “للمبادئ الإسلامية” في بيان لوزارة الخارجية السعودية، لم تعلق مصر على وصول الحركة الإسلامية للحكم، في وقت أشرف فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي على حملة أمنية موسعة ضد الإسلاميين منذ أن قاد، وهو قائد للجيش، عملية الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي عام 2013.
وكان آخر الإجراءات التي اتخذتها مصر لمحاربة الإسلاميين قانونا لفصل العناصر الإرهابية من أجهزة الدولة، في وقت وصفت وسائل الإعلام الرسمية هذا التطور بأنه خطوة رئيسية في حملة لتطهير الأجهزة الحكومية من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
ولم يختلف الوضع كثيرا في ما يتعلق بالعناصر السلفية، فقد شهدت إحدى المحاكم المصرية مؤخرا سجالا على إثر تقديم اثنين من أبرز شيوخ السلفية في مصر، محمد حسين يعقوب ومحمد حسان، شهادتهما في القضية المعرفة إعلاميا بـ”داعش إمبابة” حيث قال المتهمون فيها إنهم استقوا أفكارهم المتطرفة من دروس دينية يقدمها يعقوب وحسان.
انهالت انتقادات وسائل إعلام مصرية وشيوخ بالأزهر على شهادة يعقوب خصوصا مقارنة بحسان، بعد اتهامات لهما بالتنصل من اتجاهات فكرية كانا يروجان لها.
وتأتي هذه الهجمة في مصر على الحركة السلفية، التي تتبنى منطلقا وهابيا، عقب مؤشرات واضحة على تغير الخطاب الديني لكل من مصر والسعودية، فيما بدا وكأنه اتفاق ضمني بين البلدين.
فشيخ الأزهر الذي شدد في أكثر من مناسبة على أهمية التمسك بالتراث، قال عبر برنامج بث في مايو الماضي إن “التجديد الدائم في التراث هو المنوط به بقاء الإسلام دينا حيا متحركا ينشر العدل والمساواة بين الناس”، الأمر الذي فسره سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، حينها بأنها “تمثل بالتأكيد نوعا من التغير”.
وفي نفس الشهر، برزت تصريحات مماثلة لمحمد بن سلمان، قال فيها إنه في ما يتعلق بالجوانب الشرعية، فإن الحكومة السعودية ملتزمة بتطبيق نصوص القرآن الكريم والأحاديث المتواترة، الأمر الذي نظر إليه البعض باعتباره تخلي السعودية رسميا عن التقيد ببعض ما ورد في التراث الإسلامي.
هل من نتائج؟
ورغم ذلك يقلل بان من تأثير هذه الإجراءات والتغيرات، قائلا إن تأثيرها قد يكون محليا داخل مصر أو السعودية فقط مقارنة بالقدرة بتأثير المشهد داخل أفغانستان الذي يتواجد فيه لاعبون محليون وإقليميون ومجاورون.
وأضاف “الإرهاب معولم؛ لم يعد يعترف بالحدود وبسرعة يستطيع اختراقها سواء عبر الإنترنت أو أي بقعة لا توجد بها مواجهة عسكرية”.
وأضاف “سيتوفر الآن ملاذ آمن لتنظيم القاعدة تستطيع من خلاله ترميم هياكلها القيادية، وإعادة لملمة شتاتها”.
إلا أن مدير المركز الأفغاني للإعلام والدراسات، عبد الجبار بهير، يختلف مع رؤية بان، قائلا لموقع الحرة: “أفغانستان لن تكون ملاذا للجماعات المتشددة أو الإرهابية. طالبان قدمت ضمانا واضحا بعدم السماح لأي عنصر أجنبي سواء إسلامي أو غيرها بالإساءة للمصالح الغربية ودول العالم”.
وأضاف “لم يكن ارتباط حركة طالبان بالقاعدة مخططا له مسبقا، وإنما تواجد التنظيم منذ الثمانينيات لمواجهة الغزو الروسي في أفغانستان”، مشيرا إلى عدم اعتراض الولايات المتحدة حينذاك على ذلك.
وتابع “حركة طالبان أرغمت على تأييد القاعدة ولكن بعدما حدث في 11 سبتمبر 2001 أدركت الحركة ضرورة بناء علاقاتها على أسس دينية، وألا تهدد كيانا ما في بلد ما”.
اختلاف فكري
وعلى هذا المنوال، يقول بهير إن الحركات الإسلامية في العالم العربي قد تنتعش بعد انتصار طالبان “التي حاربت الاحتلال الأميركي من منطلق ديني”، بحسب تعبيره.
لكنه يشير إلى اختلاف الرؤى بين طالبان وغيرها من الجماعات الإسلامية في العالم العربي، الأمر الذي يتفق معه الشهري، مشيرا إلى أن حركة طالبان تنطلق من المبادئ “الديوبندية”، في شبه القارة الهندية، حيث يتعلم فيها “طلاب الفقه” طقوسا خاصة تبدأ من المدارس الأولية ثم الترقي حتى المولوية (أحد الطرق الصوفية السنية) وهي أعلى رتبة في المستوى العلمي.
وأضاف الشهري “هذا الأمر برمته لا قبول أو حاضنة له في السعودية”.
ويستعرض بهير الاختلافات الفكرية بين طالبان وغيرها من الجماعات الإسلامية التي يؤمن بعضها بالخروج عن أمر الحاكم وادعاء الخلافة العالمية التي تتعدى الحدود، مثل جماعة الإخوان وتنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة، الأمر الذي لا توافق عليه الحركة الأفغانية، على حد قوله.
وأضاف “الرؤية التي تقدمها الحركات العالمية الإسلامية في الخليج وبقية البلدان العربية تهدد كيانات خارج دولها، وتمتد علاقاتها بأفراد خارج دولها أما طالبان فهي حركة وطنية ولم تكن عداوتها مع الحكومة نابعة من منطلق ديني”.
وعلى الرغم من هذه الخلافات الفكرية، يرى بهير أن سيطرة طالبان “ستحرض الجماعات الإسلامية على الوصول إلى أهدافها ومكتسباتها”، قائلا: “في النهاية جميع هذه الحركات تريد تأسيس بلد إسلامي أو حكومة إسلامية”، لكنه يستبعد القبول الشعبي لعودة هذه الحركات.
الطريق إلى دولة الشريعة
وفي نفس السياق، يقول بان إن جميع الجماعات الإسلامية “بدءا من الإخوان ومرورا بالسلفيين ووصولا إلى الجهاديين لديها حلم الوصول لدولة الشريعة”.
ولتحقيق هذا الحلم، يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية إن “الإخوان كانوا يعمدون إلى العمل من خلال مؤسسات الدولة والشارع عبر خدمات اجتماعية ومن ثم الوصول لثقة الناخب وترجمة هذا الرصيد الشعبي إلى أصوات في الصناديق والسيطرة على الحكم ثم تغيير قواعد اللعبة.
أما السلفيين فيعتمدون على ضخ الأفكار داخل المجتمع لفترة طويلة، حتى يصبح جاهزا لقبول دولة الشريعة، فيما يجنح الجهاديون إلى فكرة الانقلاب على السلطة والصراع المسلح”.
وأضاف “انتصار طالبان بهذا الشكل سيعزز السردية الجهادية على حساب التفكير السلفي والإخواني”.
وفي هذا السياق، يخشى الملحم من تأثير ما بعد انتصار طالبان، ممثلا في ظهور حركات إرهابية جديدة، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية السعودية تقوم بملاحقة وملاحظة المتطرفين.
وقال: ” السعودية لا تخشى من وصول طالبان للسلطة، بينما يمكن أن تتأثر دول أخرى بهذا الوضع”.