“أفريكان أرجيومنت” تكشف مخطط السعودية لإقصاء الإمارات من السودان
تعمل السعودية حاليا على تعميق نفوذها بالسودان. وقد أثمر ترؤسها لـ”مؤتمر أصدقاء السودان”، في أغسطس/آب 2020، ضمن أمور أخرى، عن دفع “الجبهة الثورية السودانية”، وهي تحالف لفصائل سودانية مسلحة، إلى توقيع “اتفاقية جوبا للسلام”.
ومن المنتظر أن تشجع التوترات الأخيرة بين السعودية والإمارات المملكة على تعزيز تدخلاتها بالسودان من خلال تعميق علاقاتها مع المكونات المدنية والعسكرية للحكومة الانتقالية.
يأتي ذلك متزامنا مع احتمال تخلي الجيش السوداني عن تحالفاته مع الإمارات؛ ما يتيح للرياض تأثيرا كبيرا على السياسة الخارجية للخرطوم.
ووفق المعلن، بدأت تدخلات السياسة الخارجية السعودية الأخيرة في السودان بتعهد ثنائي من المملكة (والإمارات) باستثمار 3 مليارات دولار في هذا البلد العربي الأفريقي.
ورغم أهمية مثل هذه التمويلات في ظل ضغوط الاحتياطيات الأجنبية المتقلصة، إلا أن المقلق أنها تأتي مع ظل علوق السودان بين توترات الرياض وأبوظبي؛ ما قد يؤدي إلى استقطاب شرائح متنافسة من الحكومة الانتقالية، ويزيد من إمكانية تقويض الفترة الانتقالية.
وتمثل استعادة الجيش السوداني مؤخرا للعلاقات مع كل من تركيا وقطر مصدرا إضافيا للقلق؛ حيث تشير إلى وجود نوايا للجيش للاستمرار في الاحتفاظ بالسلطة في السودان من خلال اللعب على ورقة مصالح الخليج بعد الانتهاء المفترض للفترة الانتقالية في 2023-2024.
استثمارات زراعية
لا يقتصر النهج السعودي بالتدخل الاستباقي في الشؤون الداخلية والدولية للسودان على مسألة إدارة محاور القوى الإقليمية.
إذ بدأت السعودية استثمارات زراعية في السودان لحماية أمنها الغذائي، مع اتخاذ خطوات تكتيكية لتقليل نفوذ الإمارات على الحكومة السودانية.
وتأزمت علاقات السعودية والإمارات مع تقديم المملكة أولوية مصالحها الوطنية المرتبطة بـ”رؤية 2030″ على تحالفها مع أبوظبي.
ويؤثر السودان على ميزان القوى الإقليمية بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي بين البحر الأحمر وشرق وغرب أفريقيا، وهي مناطق تعمل الإمارات على توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي فيها بشكل مطرد.
ولتعميق نفوذها بالسودان، استخدمت المملكة قوتها المالية لتشجيع الدائنين، شركاء البنك الدولي، على تخفيف ديون السودان خلال مؤتمر باريس، الذي انعقد في 17 مايو/أيار الماضي.
ونتيجة لذلك، وفي خطوة أظهرت نفوذ السعودية المتزايد على النخبة السياسية الجديدة في السودان، أجرى عضو مجلس السيادة السوداني رئيس الجبهة الثورية “الهادي إدريس” زيارة إلى المملكة في مايو/أيار الماضي؛ حيث التقى مسؤولين سعوديين.
وكان من بين نتائج اللقاءات، اتفاق على قيام السودان والمملكة بتأسيس شركة مشتركة لتنسيق استثمارات بقيمة 3 مليارات دولار في السودان، والتزام السعودية بإرسال فرق إغاثية إلى مختلف مناطق السودان.
وشجع دعم المملكة للسودان الشركات الزراعية السعودية مثل مجموعة الراجحي على زيادة الاستثمار في السودان.
إذ أفادت تقارير بأن مسؤولي المجموعة عقدوا اجتماعات يومي 17 و 28 يونيو/حزيران الماضي مع حاكم دارفور الجديد بموجب “اتفاق جوبا للسلام” رئيس حركة تحرير السودان “ميني ميناوي”.
علاوة على ذلك، كانت زيارة “ميناوي” إلى المملكة في يونيو/حزيران تهدف إلى تشجيع الاستثمارات السعودية في منطقة دارفور التي مزقتها الحرب.
ومع قبول السودان في قائمة البنك الدولي للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون في 30 يونيو، وهو خطوة تمهد طريق المجتمع الدولي نحو إقرار إعفاءات جوهرية للسودان من الديون، التي تبلغ حوالي 60 مليار دولار، فإن استثمارات السعودية في السودان باتت محمية في المستقبل القريب.
ويرجع ذلك إلى أن العائق الرئيسي أمام حصول السودان على إعفاء من الديون كان إدراج البلد في قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، التي تثني البنوك الأجنبية عن إجراء معاملات مع السودان من أجل الامتثال لقوانين الولايات المتحدة.
إذ ترسل خطوة رفع السودان من تلك القائمة إشارة إلى البنوك والشركات الأجنبية بأن ممارسة الأعمال التجارية في السودان لن يؤدي إلى مواجهتها لتحديات قانونية مع السلطات الأمريكية.
وبناءً على هذه التطورات، عقد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني “جبريل إبراهيم” وهو من حركة “العدل والمساواة” أحد الفصائل الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، ووزير الاستثمار والتعاون الدولي السوداني “الهادي محمد إبراهيم” مؤتمرا مشتركا في 9 يوليو/تموز مع صندوق الثروة السيادية بالسعودية و 40 شركة بالمملكة.
ونتج عن المؤتمر الاتفاق على فتح 15 فرعا للبنوك السعودية في السودان، وتشكيل لجنة وزارية بهدف تسهيل المزيد من الاستثمارات في السودان؛ ما يشجع المملكة على زيادة نفوذها في السودان فوق الـ35 مليار دولار المستثمرة بالفعل هناك، حتى عام 2020، ومنها 26.5 مليار دولار استثمارات في القطاع الزاعي وحده.
قوة ناعمة على البحر الأحمر
لتعزيز مصلحتها الخاصة المتمثلة في توسيع السياحة على ساحل البحر الأحمر لتلبية رؤيتها “السعودية 2030″، ضاعفت المملكة نفوذها في السودان، وخاصة في ولاية البحر الأحمر المضطربة والممزقة بالصراع، من خلال الاستثمارات والمشاريع التنموية.
فالساحل السوداني المقابل للحدود السعودية، والممتد على على البحر الأحمر لمسافة 750 كيلومترا، يجعل المنطقة والولاية (ولاية البحر الأحمر) مهمة لمصالح السعودية المحلية والإقليمية.
وفي هذا الصدد، تتتصاعد منافسة أخرى بين السعودية والإمارات للسيطرة على ميناء البحر الأحمر.
وأصبحت المنافسة أكثر وضوحا منذ أن قدم المستثمرون السعوديون خطة لبناء ميناء جديد على ساحل البحر الأحمر بالسودان؛ وبالتالي تحدي خطط موانئ دبي العالمية للسيطرة على موانئ البحر الأحمر المؤدية إلى مضيق باب المندب وتأمين خليج عدن.
هذه العطاءات التنافسية على البحر الأحمر والسياسات الإقليمية ليست فريدة من نوعها بالنسبة للسعودية والإمارات في السودان.
إذ تعمل المملكة حاليا على تطوير علاقات أعمق مع سلطنة عمان من خلال عدد من الاتفاقيات وفتح طريق سريع مباشر بطول 800 كيلومتر بين البلدين.
ويُفترض أن يسمح هذا الطريق بتقليل اعتماد السعودية على تصدير نفطها عبر مضيق هرمز؛ مما يعرض التجارة السعودية للحصار الإيراني كما كان الحال سابقا.
وتزداد احتمالية التنافس على السيطرة على بورتسودان الآن أكثر من أي وقت مضى مع توصل السعودية إلى اتفاق مع السودان لتطوير منطقة صناعية حرة واسعة حول الميناء تشمل ربطه بـ800 ألف هكتار من المساحة الصالحة للزراعة في الجنوب الشرقي بالقرب من نهر عطبرة في السودان.
خسارة الإمارات
يبدو أن الإمارات فقدت نفوذها على كل من رئيس المجلس السيادي قائد الجيش السوداني الفريق أول “البرهان”، ونائبه الفريق أول “حميدتي”، اللذين يتبعان توجهات السياسة الخارجية للمملكة في الوقت الحالي.
ويعد رفض “البرهان”، مؤخرا، مقترحا إماراتيا لتقسيم أراضي منطقة الفشقة المتنازع عليها مع إثيوبيا، دليلا على ذلك.
كما أن قرار “البرهان” بالخصوص له دوافع محلية في ظل خوفه من تراجع مصداقيته الشعبية، ما قد يقوض طموحاته الرئاسية.
ورغم وجود توترات ناشئة بين السعودية والإمارات في تنافسهما للسيطرة على منطقة البحر الأحمر، فإن تجاوز المملكة لدور الإمارات في السودان لا يغير الكثير من خطط العسكر في السودان للسيطرة على عملية الانتقال في البلاد أو تولي مسؤولية السودان بعد انتهاء الفترة الانتقالية، رغم أن تمديد الفترة الانتقالية هو المرجح أكثر من عدمه.
المصدر | أفريكان أرجيومنت