هنا تلقى النبي موسى الوصايا العشر… حين تجذبنا شرم الشيخ إليها
لم أعرف كم عدد المرّات التي زرت فيها مدينة شرم الشيخ ، لكنني احتفظت بنفس الشعور كل مرة ونفس المشاعر المتضاربة من الحبّ حتى الرهبة، والتقدير للمدينة التي أطلقت عليها حباً “مدينة الربّ”. وقبل أن تسافروا برؤسكم إلى معانٍ بعيدة قد لا أقصدها البتة، تذكروا بداية سورة التين: “بسم الله الرحمن الرحيم. والتينِ والزيتون. وطور سنين. وهذا البلدِ الأَمين.” لقد أقسم الله بتلك المنطقة العظيمة، فأضفى ذلك عليها قدسية وجلالاً، فلا يمكن للقلب أن يغفلها.
تمتعت هذه المدينة العظيمة بكل شيء من القدسية إلى التاريخ، والطبيعة الخلابة. شرم الشيخ ليست مدينة صحراوية ولا ساحلية ولا بدوية ولا هي حضرية بالمعني المفهوم، وفي نفس الوقت إنها عبارة عن مساجد وكنائس وأديرة؛ مزيج عجيب من السحر وخليط كبير من البشر يأتون من كل أنحاء العالم، ولا يشعر أحدهم بالغربة أو الوحدة، فهي مهيئة لتقبل كل الثقافات والأعراق.
نكون مخطئين إذ اعتقدنا أنها فقط مدينة للأغنياء، لأنه يمكننا ببساطة أن نعيش فيها بعشرات الجنيهات، كما يمكننا بالطبع أن نعيش بآلاف الجنيهات. نستمتع في السوق القديم ونتناول الأطعمة الشعبية بأسعار مقبولة كما يمكننا أن ندفع مئات الجنيهات في وجبة واحدة في أحد الفنادق ذات الخمس نجوم؛ كلٌّ حسب اختيار وجهته، لكنها أبداً لن تتخلى عنا، بل سنجدها فاتحة ذراعيها لنا، والدليل على ذلك هو آلاف الذين يعملون فيها وسنجدهم حولنا في كل مكان.
أخبرني صاحب منتجع ريحانة ريزورت بأن أغلب السُياح الذين يزورون شرم الشيخ حالياً هم من أوكرانيا روسيا ورومانيا، لأسباب أهمها العامل الصحي (فهي شبه خالية من فيروس كورونا)
وصلت إلى الفندق الذي حجزته مسبقاً، وفي مخيلتي أن أترك حقيبتي حتى ألحق سريعاً برحلتي الأولى إلى محمية “رأس محمد” لأعانق تلك المحمية الساحرة حيث أجمل المناظر التي يمكن أن نراها تحت الماء من الشعاب المرجانية والأسماك الملونة والأحياء المائية النادرة. لم أكن أسبح بل كنت أحلق بخيالى فى تلك المخلوقات المائية التى لم أكن أتوقع جمالها.
لا يكفي زيارة المكان يوم أو يومان بل عمر كامل، حتى نسطيع أن نملأ العيون بالطبيعة المذهلة لتلك المنطقة، ولم أترك المكان إلا لفضولي الشخصي لأتعرف على محمية “نبق”، تلك المحمية القابعة على بُعد 20 كيلومتر من شرم الشيخ، وينتابني نفس الشعور من الهيام والخيال الذي ظل يلازمني حتى اليوم التالي عندما زرت محمية “أبو جالوم”، التي هي مقصد لكل محبي الغوص و”السنوركلينغ” ومحبي الطبيعة للاستمتاع برحلة “سفاري” على ظهور الجمال ورؤية الشّعاب بين الجبال.
وفي الفندق أثناء تناول طعام العشاء لاحظت أن أغلب النزلاء من أوكرانيا وروسيا. وأخبرني رجل الاعمال ياسر عباس صاحب منتجع ريحانة ريزورت بأن أغلب السُياح الذين يزورون شرم الشيخ حالياً هم من أوكرانيا روسيا ورومانيا، لأسباب أهمها العامل الصحي (لأن هذه المنطقة شبه خالية من فيروس كورونا) ولا يجب أن نغفل الجانب الاقتصادي حيث تعتبر هذه الأماكن رخيصة جداً مقارنة بمستوى الخدمات التي تقدمها والمستوى التنظيمي العالي للرحلات.
يتوقع أن تزداد الطلبات على مصر خلال الفترة القادمة وخاصة بعد افتتاح متحف شرم الشيخ ومتحف الحضارة بالفسطاط وموكب المومياوات المهيب
وأضاف أيضاً أنه يتوقع أن تزداد الطلبات على مصر خلال الفترة القادمة وخاصة بعد افتتاح متحف شرم الشيخ ومتحف الحضارة بالفسطاط وموكب المومياوات المهيب واقتراب موعد افتتاح المتحف الكبير بجوار الأهرامات.
وعندما يحين المساء وتتوارى أشعة الشمس الذهبية يكون قد حان موعد قيامي بجولة في منطقة السوق القديم الذي هو أحد معالم شرم الشيخ، حيث يوجد به العديد من البازارات والمحلات التي تبيع المنتجات والمصنوعات المصرية والمطاعم والمقاهي، وبالوسط يقع مسجد الصحابة الضخم، ثاني أكبر المساجد في شرم الشيخ. هذا المسجد بقبابه النحاسية ومئذنتيه الكبيرتين يتسع لثلاثة آلاف مصلّ، ولا ينبغي أن تفوت جولتنا دون زيارته.
وبجوار المسجد ثمة مكتب للرحلات أردت حجز رحلة فيه ليوم واحد إلى جبل موسى وسانت كاترين، ولكن المسؤول في المكتب أخبرني أن دير سانت كاترين مغلق ضمن الإجراءات الاحترازية الخاصة بمجابهة فيروس كورونا وحفاظاً على صحة وسلامة الرهبان. إذاً فالرحلة ستكون إلى جبل موسى فقط، ورؤية شروق الشمس من أعلى الجبل. ثم بدأ الرجلُ بشرح برنامج الرحلة سريعاً مضيفاً أن الانطلاق سيكون الليلة في الساعة 8:30 مساءً وسيكون معنا مرشد سياحي.
تلقى النبي موسى هنا الوصايا الشعر
بدأنا الرحلة متوجهين مباشرة إلى جبل موسى، وبدأ المرشد السياحي والباحث الأثري، محمد الراوي، حديثه قائلاً إن الطريق إلى جبل موسى يبلغ حوالى 230 كيلومتر (حوالى ثلاث ساعات)، وأخذ أولاً بشرح برنامج الرحلة مفصلاً، ثم قصة جبل موسى، شارحاً أن جبل موسى سمي على اسم النبي موسى عليه السلام الذي كلم ربه في هذا الجبل و تلقى فيه الوصايا العشر.
وصلنا بعد ذلك إلى جبل موسى وبدأنا الاستعداد لصعود الجبل الذي يبلغ طوله 2285 متراً، بمرافقة دليل بدوي، وعلى طول الجبل يوجد عدد من المقاهي التي تبيع الماء والمشروبات حيث يمكن الاستراحة، ويمكن أيضاً صعود جزء من الجبل على ظهر جمل وصولاً إلى بداية طريق السلالم، وهو الجزء الأخير من الجبل، والذي يتكون من حوالى 750 درجة، وتنتهي السلالم إلى قمة جبل موسى حيث الاستمتاع بمشاهدة شروق الشمس المذهل، ثم النزول وتناول الإفطار في أحد المقاهي بجوار دير سانت كاترين، ثم العودة بالباص إلى شرم الشيخ.
“شرم الشيخ، تُنهون رحلتكم فيها فيبدأ شوق جديد لرحلة أخرى فى نفس المكان، ولكن في الرحلة القادمة سوف ترونها بوجه جديد، بل بعين جديده تكشف لكم أسرار المكان وعبق الزمان.”؛ تلك كانت عبارة قالها لي سائح تكررت زيارته إلى شرم الشيخ، أرض الفيروز، ومدينة الربّ التي تبقى تسكن زائريها حتى بعد أن يتركوها.