السعودية تدير ظهرها لاتفاقيات أبراهام

على الرغم من نجاح إسرائيل في جذب الدول العربية الصغيرة مثل الإمارات والبحرين بعيدًا عن الحظيرة العربية لتوقيع اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع تل أبيب، فقد كان الهدف الرئيسي هو صيد “السمكة الكبيرة”، أي السعودية، لكن فرص تحقيق ذلك تبدو الآن أبعد من أي وقت مضى.

آمال كبيرة تنهار

بعد ساعات من توقيع إسرائيل والإمارات والبحرين على ما يسمى باتفاقات أبراهام في سبتمبر/أيلول 2020، قال الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” إنه يعتقد أن الرياض يمكن أن تحذو حذو أبوظبي، وقال للصحفيين إنه تحدث مع العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبدالعزيز آل سعود” وشعر أن المملكة ستحذو حذو الإمارات.

وفي وقت لاحق، تفاخر مسؤول إسرائيلي كبير بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “بنيامين نتنياهو” سافر إلى السعودية والتقى مع ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، فيما كان يشير إلى انفراجة واضحة في العلاقات بين البلدين والقبول المحتمل لإسرائيل في المنطقة.

وعلى الرغم من أن وزير الخارجية السعودي، الأمير “فيصل بن فرحان”، نفى لقاء ولي العهد مع “نتنياهو” في المملكة، كان من الواضح أن إدارة “ترامب” كانت تضغط على السعوديين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وكان من المفترض أن يؤدي توقيع اتفاقيات أبراهام بين دولتين خليجيتين وإسرائيل لأن يعلم درسًا مهمًا للمنطقة مفاده أنه “يمكن تنحية العداوات التي طال أمدها جانبًا عندما يخدم تحقيق السلام مصالح وطنية أكبر”.

ومع ذلك، فإن الذين ينشرون مثل هذه الخطابات البراقة يتجاهلون عادة حقيقة أن هناك فلسطينيين محرومين من حقوقهم الأساسية بفعل إسرائيل ويعانون تحت وطأة الاحتلال الوحشي.

والآن بعد مرور عام تقريبًا على توقيع اتفاقيات إبراهام، تتلاشى آفاق انضمام السعودية أو الدول العربية الكبرى الأخرى إلى الاتفاقيات، بعد أن تلاشت الأجواء المواتية في واشنطن وإسرائيل، وبدأت الرياح في دفع الديناميكيات الإقليمية في اتجاهات مختلفة.

رياح غير مواتية

لم يكن من المستغرب أن تُقابل اتفاقيات أبراهام بإدانة فلسطينية، واعتبرها الكثير من العرب إلى حد كبير “صفعة على الوجه” للنضال الفلسطيني.

أما ما وجه ضربة أخرى لمستقبل الصفقات، بعد أشهر قليلة من توقيعها، فهو خسارة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تعرض لها “ترامب”، وهو الذي حاول فرض الاتفاقات غير المرغوب فيها على الفلسطينيين.

كما أدى اندلاع الصراع في مايو/أيار 2021 في غزة والضفة الغربية والأراضي المحتلة الأخرى إلى تفاقم الأمور، وأدت المعاملة اللاإنسانية وهدم المنازل وطرد الفلسطينيين على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى منح الفلسطينيين شعوراً متجدداً بالوحدة، كما منحهم دعمًا عربيًا ودوليًا أكبر.

وفي ظل الدعم الساحق للفلسطينيين والاستياء العام المتزايد تجاه إسرائيل، وجدت العديد من الحكومات العربية أنه من الصعب للغاية مد يدها إلى الدولة الاستعمارية.

وفيما كان يفترض أن الفكرة الرئيسية وراء اتفاقيات أبراهام هي التأكيد على “أهمية الحفاظ على السلام وتعزيزه في الشرق الأوسط”، إلا إن التصعيد الأخير للأعمال العدائية في الضفة الغربية وغزة، إلى جانب انتهاكات إسرائيل الصارخة لحقوق الإنسان، “أحرج” حلفاء إسرائيل العرب.

وقد تسبب ذلك بالتأكيد في جعل السعودية، والعديد من الدول الأخرى في المنطقة، تعيد النظر قبل الشروع في أي تطبيع مع إسرائيل.

إدارة “بايدن” ومواقف السعودية

كان وصول إدارة “بايدن” الجديدة إلى البيت الأبيض في وقت سابق من هذا العام، إشارة إلى سياسة خارجية أمريكية جديدة تجاه الشرق الأوسط، لن تكون بالضرورة مماثلة لسياسة الإدارة السابقة.

ولم تنظر الإدارة الأمريكية الجديدة بإيجابية للعلاقات الوثيقة بين “ترامب” والإمارات على وجه الخصوص، كما كشفت تقارير إخبارية مؤخرًا أن وزارة الخارجية الأمريكية الحالية “ثبطت” مسؤوليها عن الإشارة إلى الاتفاقيات باسم “اتفاقيات أبراهام”، وأمرتهم باستخدام “اتفاقيات التطبيع” بدلاً من ذلك.

وعلاوة على ذلك، فإن التصور المشجع الذي عكسه رد الفعل السعودي فيما يتعلق بآفاق الاتفاقات، لم يكن قريبًا مما كانت تأمله إدارة “ترامب” وإسرائيل.

وفي الواقع، أفادت تقارير في أوائل يوليو/تموز 2021، أن السعودية قامت بمراجعة سياستها الجمركية من جانب واحد، وتم إبلاغ السلطات الإماراتية أن المملكة قررت أن الواردات من المناطق الحرة الإماراتية، وكذلك المنتجات المصنوعة في إسرائيل أويسيطر عليها المستثمرون الإسرائيليون كليًا أو جزئيًا في دولة أخرى، لن تستفيد بعد الآن من امتيازات الجمارك المقدمة لدول مجلس التعاون الخليجي.

وجاء هذا الحكم بعد عدة أيام من من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي التبديلي “يائير لابيد” لأبوظبي، وكانت إسرائيل تأمل بزيادة تجارتها لدول مجلس التعاون عبر أبوظبي.

تغير المناخ السياسي

تمكنت إسرائيل من الحصول على دعم بعض الدول العربية المدفوعة بخوفها من المخاطر التي تهدد مصالحها القومية بفعل بلاد أخرى مثل تركيا وإيران، وحاولت إسرائيل تهويل التهديد الذي تمثله مثل هذه الدول للسعودية والإمارات ومصر، مستغلة طموحات إيران العدائية على سبيل المثال لصالحها، لكن التغيرات في المناخ السياسي في المنطقة صعّبت اكتساب الحجج الإسرائيلية للثقل اللازم.

وعلى الرغم من امتداد فترة العلاقات المتوترة بين السعودية وتركيا نسبيًا، فقد أرسلت تركيا وزير خارجيتها “مولود جاويش أوغلو” إلى الرياض في مايو/أيار لإصلاح العلاقات مع السعودية، وقد حدث بعد محاولة الإصلاح هذه اندلاع الاشتباكات في المسجد الأقصى بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ولتعزيز العلاقات بين البلدين أكثر، تحدث الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” عبر الهاتف مع العاهل السعودي، وناقش الزعيمان سبل تعزيز التعاون الثنائي وإيجاد حلول للمشاكل الإقليمية المحدقة.

كما شوهدت مبادرات سياسية مماثلة من إيران في الأشهر الأخيرة، وعقد مسؤولون سعوديون وإيرانيون في أبريل/نيسان عددا من الاجتماعات في العاصمة العراقية بغداد بهدف تخفيف حدة التوتر بين البلدين، وأشارت التقارير إلى إمكانية عقد اجتماعات أخرى بين القوتين الإقليميتين.

وفي علامة أخرى على تهدئة التصعيد الإقليمي، بعثت الإمارات والبحرين برسائل تهنئة إلى الرئيس الإيراني الجديد “إبراهيم رئيسي”، في يونيو/حزيران بعد فوزه في الانتخابات.

مستقبل اتفاقات أبراهام

منذ تولي إدارة “بايدن” في يناير/كانون الثاني، أدت مواقفها تجاه الشرق الأوسط إلى تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن هذه التحولات لم تنته بعد، فقد أصبح من الواضح أن اتفاقيات أبراهام -التي أرادت إدارة ترامب السابقة فرضها على عدد من الدول العربية- ستواجه تحديات خطيرة.

ويبدو أن السعودية ستلعب دوراً حاسماً في عرقلة عجلة الاتفاقات، وعلاوة على ذلك، فإن أي اتفاق تطبيع متسرع مع إسرائيل، دون التزام الأخيرة بالقانون الدولي أو ضمان احترام حقوق الفلسطينيين، سيكون كارثيًا لدول المنطقة في هذه المرحلة.

وإذا اختارت المزيد من الحكومات العربية أن تغض الطرف عن الفظائع الإسرائيلية المرتكبة ضد الفلسطينيين، فسيؤدي ذلك بلا شك لمزيد من ردود الفعل المناهضة الشعبية.

وبالتالي، ينبغي على دول المنطقة التي تبنت اتفاقات أبراهام أن تقلق بشأن السخط الشعبي الداخلي في المستقبل، حيث أثبت التاريخ أنه لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل هبّت لإنقاذ الأنظمة العربية الفاسدة التي لا تحظى بشعبية عندما ثار مواطنوها ضدها.

وفي حين أن تحقيق المصالح الاقتصادية أمر مهم لأي حكومة، فبدون احترام إرادة الشعب، لا يمكن لمثل هذه الحكومة أن تأمل في البقاء في السلطة لفترة طويلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى