هل إثيوبيا فعلا لا تستطيع إيقاف ملء سد النهضة؟
لا تلوح في الأفق أي علامة لحل النزاع الطويل بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية يجري بناؤه على نهر النيل.
وقد اشتكت كل من الخرطوم والقاهرة من أن أديس أبابا تتصرف من جانب واحد للعام الثاني على التوالي، إذ بدأت ملء الخزان خلف سد النهضة الإثيوبي.
ومصر، التي تعتمد تقريباً بشكل كامل على نهر النيل لإمدادها بالمياه، ترى في الأمر مشكلة وجودية.
وتعطلت في العام الماضي، إمدادات المياه في السودان بسبب ملء السد، بينما ترى إثيوبيا أنه وسيلة لتوصيل الكهرباء إلى ملايين الإثيوبيين.
وفي بيان مشترك صدر في وقت سابق من هذا الأسبوع، اتهمت كلا من مصر والسودان، إثيوبيا، بالعمل من جانب واحد بشأن الملء و “بنية سيئة”، مما يشير إلى أنه تم ملء السد عمداً.
لكن هذا يعطي انطباعاً خاطئاً بأن ملء السد أشبه بملء حوض استحمام، وأنه بإمكان إثيوبيا تشغيل الصنبور وإيقافه وقتما تشاء.
ألا يمكن إيقافه؟
الخزان الموجود خلف السد سيمتلئ بشكل طبيعي في النيل الأزرق خلال موسم الأمطار، والذي بدأ بالفعل وسيستمر حتى شهر سبتمبر/أيلول .
وقال محمد بشير من جامعة مانشستر، الذي كان يقوم بدراسات حول سد النهضة منذ عقد من الزمن، لبي بي سي: بالنظر إلى المرحلة التي وصل إليها البناء، “من الناحية الهندسية والفيزيائية، لا توجد طريقة لوقف الملء الآن” إلى حين وصول منسوب المياه إلى قمة جدار السد، وذلك لأن كمية المياه التي تدخل موقع السد أكبر من حجم المياه التي يمكن أن تمر فعلياً عبر المنفذين المفتوحين في جدار السد (60-110 مليون متر مكعب في اليوم الواحد).
سد النهضة
ومنذ أن بدأت العملية في عام 2011 ، بُني السد حول النيل الأزرق، إذ استمر التدفق عبر موقع البناء الضخم، وعمل البناة على الهياكل الشاسعة على جانبي النهر دون أي مشكلة.
وفي منتصف المشروع خلال موسم الجفاف، حول النهر من خلال قنوات أو أنابيب للسماح ببناء هذا القسم.
واكتمل الآن قسم كبير من الجزء الأوسط وسيُضاف المزيد كل عام حتى حوالي عام 2024 عندما يكون على ارتفاع 640 متراً فوق مستوى سطح البحر.
ويبلغ ارتفاع قاع النهر في موقع السد حوالي 509 متراً فوق مستوى سطح البحر.
ما هي المرحلة التالية؟
في العام الأول، احتفظ سد النهضة بـ 4 مليارات متر مكعب من المياه، مما أدى إلى ارتفاع أدنى نقطة على جدار السد في ذلك الوقت.
وفي المتوسط، يبلغ إجمالي التدفق السنوي للنيل الأزرق في موقع سد النهضة، 49 مليار متر مكعب، ولكن شهد العام الماضي، رقم قياسي (100)، لأعلى تدفق يومي للمياه، مما يشير إلى أن جزءاً صغيراً فقط من هذا الحجم السنوي للمياه قد تأخر.
ورغم أن هندسة السد تعني أن الخزان كان سيمتلئ في العام الماضي على أي حال، إلا أن إثيوبيا سرّعت العملية بإغلاق ثلاثة من منافذ التحويل الأربعة في الجزء السفلي من جدار السد، على حد قول بشير.
كانت الفكرة الأولية هذا العام هي زيادة 13.5 مليار متر مكعب أخرى، لكن صور الأقمار الصناعية التي تم تحليلها مؤخراً من قبل السودان، تشير إلى أن جدار السد لم يتم بناؤه على الارتفاع الذي خُطط له في البداية، مما يعني مرور المزيد من المياه عبره.
ولكن، أشارت مذكرة أرسلت من وزارة المياه الإثيوبية إلى السودان في وقت سابق من هذا الأسبوع، إلى أن السد لا يزال في طريقه لتخفيض الكمية نفسها كما كان مخططاً في الأصل.
وفي موسم الجفاف سينحسر الخزان قليلاً ، مما يسمح ببناء جدار السد، وفي السنة الثالثة سيتم الاحتفاظ بالمزيد من المياه.
تقول إثيوبيا إن الأمر سيستغرق من أربع إلى ست سنوات أخرى لملء الخزان للوصول إلى أقصى سعة لموسم الفيضان البالغ 74 مليار متر مكعب.
في تلك المرحلة، قد تمتد البحيرة التي سيتم إنشاؤها حوالي 250 كيلومتراً إلى الخلف.
وسيخفض الخزان بين كل موسم فيضان تالي إلى 49.3 مليار متر مكعب.
لماذا مصر غير راضية؟
ترى مصر أن بإمكان سد النهضة تهديد وجودها في حد ذاته، فاعتمادها شبه الكامل على نهر النيل للحصول على المياه، يعني أنها متوترة للغاية إذا جرت الأمور بعكس التيار.
تريد مصر ضمان حجم معين من المياه.
ويمكن لمصر، أثناء عملية الملء، تعويض فقدان المياه من خلال إطلاق المزيد منها من السد العالي بأسوان، لكن سيبدأ القلق بمجرد بدء تشغيل سد النهضة بشكل كامل.
يشعر كلا من السودان ومصر بالقلق من تأثر تدفق النيل في سنوات الجفاف المقبلة
وعندما تنتهي مرحلة الملء، ستحجم إثيوبيا عن ربطها برقم معين لكمية المياه التي سيتم ضخها وستكون أولويتها التأكد من توفر ما يكفي من المياه لتشغيل ما سيصبح أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا.
في السنوات التي تهطل فيها أمطار كثيرة أو أعلى من المتوسط ، لا ينبغي أن تكون هناك أي مشكلة، لكن مصر متوترة بشأن ما قد يحدث خلال فترة جفاف طويلة قد تستمر لعدة سنوات.
في هذه الحالة، إذا حبست إثيوبيا المياه في سد النهضة، فستبدأ مستوياتها بالانخفاض في السد العالي في أسوان.
وثمة تساؤل حول جداول إعادة ملء السدود الأخرى على النيل في أعقاب حدوث الجفاف.
ماذا عن السودان؟
في الأشهر الـ 12 الماضية، تحول خطاب السودان حول السد من الترحيب على نطاق واسع إلى خصام وعدوانية.
لكن نظرياً، من المفترض أن يساعد سد النهضة في جعل السودان أقل عرضة للفيضانات من خلال تنظيم تدفق النيل الأزرق.
لكن في العام الماضي، فوجئ السودان عندما أغلقت إثيوبيا ثلاثة من منافذ تحويل المياه الأربعة.
وقد أدى ذلك إلى انخفاض المستويات في اتجاه مجرى النهر مما أدى إلى تعطيل محطات الضخ المحلية للري وإمدادات المياه في السودان.