ملايين البشر ينتظرون اليوم قرار مجلس الامن بشأن سد النهضة
بات الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي يجسد الواقع الذي وصل إليه الخلاف القائم بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، لكن هل سيغير مجلس الأمن من هذا الواقع؟
فالجمود المسيطر على مفاوضات السد التي يرعاها الاتحاد الأفريقي منذ أشهر، وبدء عملية الملء الثاني المقلقة لمصر والسودان، دفع دولتي مصب نهر النيل إلى دق أبواب مجلس الأمن، أملا في الضغط على أديس أبابا لبدء مسار تفاوضي جديد.
وتأمل مصر والسودان في نجاح جلسة مجلس الأمن المقررة في وقت لاحق الخميس، في فرض وساطة رباعية تشارك فيها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، تفضي إلى اتفاق نهائي ملزم ينظم إدارة وملء سد النهضة.
وفي يوم 22 يونيو/حزيران الماضي، بعثت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي برسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي دعت خلالها لعقد جلسة في أقرب وقت ممكن لبحث تطورات الخلاف حول سد النهضة الإثيوبي.
وحَثّت الرسالة كل الأطراف على الالتزام بتعهداتها بموجب القانون الدولي، والامتناع عن اتخاذ أية إجراءات أحادية الجانب، ودعوة إثيوبيا للكف عن الملء الأحادي لسد النهضة دون التوصل لاتفاق نهائي.
وناشدت رسالة وزيرة الخارجية كل الأطراف بدعم وتعزيز وساطة الاتحاد الأفريقي بما يفضي لحل القضايا العالقة المتبقية في مفاوضات سد النهضة.
ورد مجلس الأمن بشكل سريع على الخطاب السوداني، وقرر عقد جلسة اليوم الخميس، لمناقشة النزاع بشأن سد النهضة.
قنوات اتصال
فيما قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في مداخلة تلفزيونية الثلاثاء: “نحن نسعى لتوضيح ملف سد النهضة بالنسبة للأعضاء الدائمين وغير الدائمين بمجلس الأمن.. نوضح ما نسعى إليه وهو الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية الملء والتشغيل؛ بما يؤدي إلى الإعفاء من الأضرار الجسيمة التي قد تقع على مصر والسودان”.
وأضاف: “هذه المداولات تشرح الموقف من جميع أبعاده، وتؤكد أن اللجوء إلى مجلس الأمن ليس لتناول قضية مياه، وإنما لتناول تعزيز المسار الأفريقي واستئناف المفاوضات تحت إطار جديد يؤدي إلى مشاركة المراقبين والأمم المتحدة؛ لطرح الحلول والمقترحات التي قد تيسر على الأطراف الثلاثة التوصل إلى اتفاق”.
فيما أوضح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في اتصال هاتفي مع رئيس الكونغو الديمقراطية رئيس الاتحاد الأفريقي فيلكس تشيسيكيدي، أن قيام القاهرة والخرطوم بطلب عقد جلسة لمجلس الأمن للنظر في قضية سد النهضة “كان نتيجة للتعنت ومحاولات فرض الأمر الواقع من جانب إثيوبيا، الأمر الذي أدى إلى تعثر مسار المفاوضات الجارية برعاية أفريقية”.
وأكد أن “تحرك مصر والسودان في مجلس الأمن يهدف لتعزيز المسار الأفريقي، ويؤكد على قيادة الاتحاد الأفريقي ورئاسته للمسار التفاوضي، مع تمكين رئاسة الاتحاد بالتعاون مع الدول والأطراف المشاركة، من الاضطلاع بدور فعال في تسيير النقاش”.
وقبل ساعات من جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة، تشهد مدينة نيويورك (التي تحتضن مقر الأمم المتحدة) تحركات مصرية سودانية مكثفة لعرض أبعاد موقفهما في ملف سد النهضة.
فعلى الجانب المصري، التقى وزير الخارجية سامح شكري كلا من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش والمندوبين الدائمين لروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في مجلس الأمن.
كما التقى شكري مجموعة ترويكا الاتحاد الأفريقي المكونة من الكونغو الديمقراطية، وجنوب أفريقيا والسنغال، لشرح أبعاد الموقف المصري من القضية.
كذلك تحرك السودان دبلوماسيا وأطلع سفراء الدول الأوروبية والأمريكيتين (الشمالية والجنوبية) بالخرطوم على موقفه حول سد النهضة الإثيوبي.
تحرك تونسي
بدورها، قدمت تونس لشركائها في مجلس الأمن مشروع قرار يدعو أديس أبابا إلى التوقف عن الملء الثاني لسد النهضة، والامتناع عن أي إعلان أو إجراء من المحتمل أن يعرض عملية التفاوض للخطر.
وينصّ مشروع القرار، الذي اطّلعت عليه وكالة “فرانس برس”، على أن مجلس الأمن يطلب من “مصر وإثيوبيا والسودان استئناف مفاوضاتها بناء على طلب من رئيس الاتّحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتّحدة، لكي تتوصّل، في غضون ستّة أشهر إلى نص اتفاقية ملزمة لملء السدّ وإدارته”.
ووفقاً لمشروع القرار، فإن الاتفاقية الملزمة يجب أن “تضمن قدرة إثيوبيا على إنتاج الطاقة الكهرومائية من السد وفي الوقت نفسه تحول دون إلحاق أضرار كبيرة بالأمن المائي لدولتي المصب”.
ويحث مجلس الأمن في مشروع القرار “الدول الثلاث على الامتناع عن أي إعلان أو إجراء من المحتمل أن يعرض عملية التفاوض للخطر”، ويحضّ في الوقت نفسه “إثيوبيا على الامتناع عن الاستمرار من جانب واحد في ملء خزان سدّ النهضة”.
ووفقاً لمصادر دبلوماسية فمن المتوقّع أن تشارك مصر والسودان في الاجتماع على المستوى الوزاري، وستشارك إثيوبيا في الجلسة رغم معارضتها انعقادها.
ولم يحدّد مجلس الأمن موعداً للتصويت على مشروع القرار التونسي، علماً بأن دبلوماسيين استبعدوا طرحه على التصويت خلال جلسة الخميس.
موقف إثيوبيا
وفي أديس أبابا، اعتبر نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي، دمقي مكونن، الأربعاء، أن تدويل قضية سد النهضة “سابقة خطيرة”.
وقال مكونن إن “سد النهضة مشروع تنموي لا يندرج تحت ولاية مجلس الأمن الدولي، ويجب على مجلس الأمن احترام المفاوضات الثلاثية التي يقودها الاتحاد الأفريقي”.
وأضاف أن السد يمثل التطلعات المشتركة لدول حوض النيل للاستفادة بشكل عادل ومعقول من موارد المياه دون الإضرار بدول المصب، داعيا في الوقت نفسه دول نهر النيل إلى تشكيل جبهة مشتركة لمعارضة النهج الذي تتبعه دول المصب.
وأشار إلى أن هذا النهج لدول المصب “يقوض الدور الذي يلعبه الاتحاد الأفريقي” ويؤكد “المطالبات الاستعمارية والاحتكارية” للبلدين بشأن مورد مياه النيل، على حد قوله.
واعتبر أن محاولات مصر والسودان لرفع قضية سد النهضة إلى مجلس الأمن بمساعدة جامعة الدول العربية، “ستؤدي إلى تدويل الأزمة بلا داع”.
وتنتظر الدول الثلاث إلى ما ستسفر عنه جلسة مجلس الأمن، وهل ستدشن وساطة جديدة بمشاركة دولية جنبا إلى جنب مع الاتحاد الأفريقي، أو أن يتم تبني القرار التونسي، وإن استبعد دبلوماسيون طرحه للتصويت في جلسة اليوم.
والإثنين الماضي، قالت مصر إن إثيوبيا أبلغتها رسمياً ببدء المرحلة الثانية من ملء بحيرة سد النهضة، معربة عن رفضها القاطع لهذا الإجراء، وكذلك أُبلغت السودان بالأمر في اليوم التالي.
وتطالب مصر والسودان بالتوصل لاتفاق ملزم حول ملء وتشغيل السد قبل أي عمل منفرد من إثيوبيا التي تسعى في المقابل لتهدئة مخاوف دولتي المصب، مؤكدة أن مشروعها تنموي ولن يضر بالدولتين بل سيعود بالنفع عليهما ولن يتنقص من حصتيهما في المياه وأنها منفتحة على أية مفاوضات.