الامل الاخير .. سد النهضة أمام مجلس الأمن للمرة الثانية
بعد عام، تعود مصر والسودان مرة ثانية إلى مجلس الأمن لمحاولة حل أزمة سد النهضة، بعد وصول المفاوضات مع أثيوبيا برعاية الاتحاد الأفريقي إلى طريق مسدود.
وفي 22 يونيو الماضي، تقدم السودان بطلب لمجلس الأمن لعقد جلسة لبحث تطورات الخلاف بشأن سد النهضة الذي تشيده أثيوبيا على النيل الأزرق.
وجاء في البيان الحكومي أن وزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي، طلبت من مجلس الأمن عقد جلسة في أقرب وقت ممكن لبحث ملف سد النهضة “وأثره على سلامة وأمن الملايين” من البشر.
وأضاف البيان أن الصادق حثت رئيس مجلس الأمن في رسالتها على دعوة أثيوبيا “للكف عن الملء الأحادي لسد النهضة، الأمر الذي يفاقم النزاع ويشكل تهديدا للأمن والسلام الإقليمي والدولي”.
ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن برئاسة فرنسا جلسة طارئة لمناقشة القضية في 8 يوليو الجاري.
لكن تطرح كثير من التساؤلات حول جدوى هذه الجلسة، وإمكانية أن يساهم المجلس في حل الأزمة، وهل ستختلف نتائجها عن نتائج الجلسة التي عقدت في يونيو 2020، عندما دعت مصر مجلس الأمن إلى التدخل لحل الأزمة. وعندها أحال المجلس القضية إلى الاتحاد الأفريقي، الذي فشل هو الآخر في التوصل إلى أي اتفاق۔
وجه الاختلاف
المتحدث الأسبق باسم وزارة الخارجية السودانية، السفير جمال محمد إبراهيم، يرى أن الطلب السوداني يختلف عن الطلب المصري، مشيرا إلى أن طلب الخرطوم يتعلق بتوسيع منصة التفاوض لتشمل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى جانب الاتحاد الأفريقي.
وأضاف إبراهيم في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أن “موقف أثيوبيا المتعنت في المفاوضات هو الذي دفع الخرطوم للذهاب لمجلس الأمن”.
من جانبه، يرى مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق، محمد حجازي، أن عودة مصر والسودان إلى مجلس الأمن مرة ثانية، وقبول المجلس عقد جلسة يدل على اهتمام المجتمع الدولي بهذا الملف، الذي بات مهددا للأمن والاستقرار في واحدة من أهم المناطق في العالم، التي تعتبر معبر لحركة الملاحة والنفط.
وأضاف حجازي، وهو الخبير في الشؤون المائية، في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أن القضية لم تعد مسألة فنية متعلقة بنهر النيل، بل أصبحت قضية أمن واستقرار المنطقة.
وقال إن “جدية أديس أبابا في التفاوض محل شك. وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة”.
أما عن وجه الاختلاف عن جلسة يونيو 2020، فيرى حجازي أنها خطوة هامة، فقد أحالت الجلسة الأولى المشكلة برمتها إلى الاتحاد الأفريقي، وحين فشل الاتحاد في الوساطة كان لابد من العودة إلى جهة الإحالة وهو مجلس الأمن.
وردا على طلب السودان بعقد جلسة طارئة، أرسلت أديس أبابا رسالة لمجلس الأمن تؤكد فيها رفضها محاولات مصر والسودان للسعي لمشاركة مجلس الأمن في مفاوضات السد.
وقالت أثيوبيا إن “الإجراءات الأخيرة لمصر والسودان هي ببساطة استمرار لمخطط منظم بشكل جيد لتقويض العملية التي تقودها الاتحاد الأفريقي وتؤدي إلى تآكل الثقة بين الدول الثلاث”.
وتأتي هذه الجلسة مع الوقت التي حددته أديس أبابا للملء الثاني للسد، التي تبلغ سعتها إلى 13.5 مليار لتر مكعب، حتى في حالة عدم التوصل لاتفاق، وهو ما ترفضه مصر والسودان.
التوقعات من الجلسة
وتعتمد مصر على نهر النيل في أكثر من 90 بالمئة من إمداداتها بالمياه العذبة، وتخشى أن يكون له آثر مدمر على اقتصادها، بينما تقول أثيوبيا إن السد الضخم قد يساعدها في التحول إلى مصدر رئيسي للطاقة، وتعتبر السد، الذي تبلغ تكلفته 4.6 مليار دولار، مصدر فخر وطني يهدف إلى انتشال ملايين المواطنين من الفقر.
ويدور الخلاف بين الأطراف الثلاثة، حول كمية المياه التي ستطلقها أثيوبيا في اتجاه مجرى النهر في حالة حدوث جفاف لعدة سنوات وكيف ستحل الدول أي نزاعات مستقبلية. لكن أثيوبيا ترفض التحكيم الملزم في المرحلة النهائية.
أما عن التوقعات من هذه الجلسة ونتائجها، قال رئيس مجلس الأمن وسفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، نيكولا دو ريفيير، إن المجلس ليس لديه الكثير الذي يمكنه القيام به بخلاف جمع الأطراف معا للتعبير عن مخاوفهم، ثم تشجيعهم للعودة إلى المفاوضات للوصول إلى حل. وأضاف: “لا أعتقد أن بوسع المجلس أن يفعل أكثر من ذلك”، بحسب وكالة رويترز.
ورد عليه وزير الخارجية المصرية سامح شكري، في تصريحات لإحدى القنوات المحلية قائلا إن بلاده ليست متفاجئة من موقف مجلس الأمن الدولي من أزمة سد النهضة الأثيوبي.
وأضاف شكري أن هذه التصريحات هي تعبير عن موقف للمندوب الدائم الفرنسي، ولم تأخذ في الاعتبار التنسيق الكامل مع فرنسا. وأشار إلى أن الموافقة على عقد جلسة مجلس الأمن جاءت بعد جهود واتصالات.
بدوره، قال حجازي إن مصر تتوقع بدعم الجامعة العربية أن يوافق أعضاء المجلس على صدور قرار يضمن حق أثيوبيا في النهضة والتنمية ولكن بما لا يضر بمصلحة مصر والسودان.
استباقية غير مألوفة
واستبعد حجازي فكرة أن يكرر مجلس الأمن قراره السابق، لكنه توقع أن يتم الاتفاق على آلية جديدة للتفاوض يشارك فيها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما تحدد إطار زمني للتوصل إلى اتفاق ملزم من جميع الأطراف.
وكانت جامعة الدول العربية دعت نهاية الشهر الماضي، مجلس الأمن إلى مناقشة النزاع، وبحث خطط أثيوبيا للمضي قدما في الملء الثاني للسد هذا الصيف دون إبرام اتفاق مع السودان ومصر.
وقال مندوب جامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة ماجد عبد الفتاح مساء يوم الثلاثاء إن السودان ومصر يعملان معا على مشروع قرار بشأن سد النهضة يطرح على مجلس الأمن الدولي، إذا لم تتوصل أثيوبيا لاتفاق.
كما قال حجازي إن تصريحات رئيس مجلس الأمن “استباقية وغير ضرورية ومتعجلة وغير مألوف، خاصة أن المجلس سيجتمع ويناقش القضية”، وتسائل “إذا كان المجلس سيجتمع لماذا يستعجل رئيس المجلس ويصدر قرار”.
أما إبراهيم يرى أن السودان لا يتوقع قرار من مجلس الأمن يدين أديس أبابا، لأنه ليس هناك شكوى ضدها، ولكن الطلب السوداني لتدعيم وتعزيز دور الاتحاد الأفريقي في تيسير وتسريع المحادثات ولحل الأزمة بالتفاوض، مشيرا إلى أن الخرطوم يعول على الدبلوماسية لحل قضية السد.
ولفت إلى أنه إذا فشل مجلس الأمن في جلسته الثانية في إضافة جديد على الأزمة، قد يلجأ السودان ومصر إلى خيارات أخرى منها مثل الخيارات القانونية.