الخلفية…. بقلم عبد الهادي جاب الله
هناك محطات ذات خلفية مميزة ومضيئة في حياة كل إنسان يذهب إليها ليستأنس بها من وقت لآخر، وينعم بها هروبا من الواقع، الواقع الذي أصبح يشكل عبئاً عليه بكل تفاصيله ،حيث أنه يعتبر أن التقدم التكنولوجي والزيادة في رقعةِ المساحةِ العمرانية، ماهو إلا سبباً قد أدى إلى التآكل الكُلِّي والتدمير الكامل للطبيعة البكر، وذلك نظراً لقلة المساحات المزروعة أو المساحات الخضراء إذا صح التعبير، مما وضعه ذلك داخل حصارٍ قد استنفذ فيه الكثير من رصيدهِ الحسي والبصري والعقلي،
إما أن تستوقفه للحظاتٍ أو لأيامٍ أو ربما تظل عالقة في وجدانه حتى الممات، فيتأمل ما بها من دروسٍ وعِبَر ، حتى يُقرر من سيكون ،هل سيظل نفس الشخص الذي يحمل نفس الصفات بنفس الخلفية، أو يحدث له عملية تحول ليصبح شخصا آخرا مختلفاً تماماً، يحمل صفات أخرى وتفاصيل أخرى وذلك نظرا لحدوث تغيير جذري في التضاريس الإنسانية ، وإمّا أن تكون عابرة لا تُمَثِّل له شيئًا .
في هذا العالم المنكوب والمكبوت، المهموم ، المثقول بالمتاعب والأوجاع ،والذي هو أشبه بلوحة عابئة بالألوان غير متداخلة، فلم يستطع العقل تحديد معالمها ولا إلى أي الأشياء ترمز ،حيث ينظر كل واحد إليها بطريقته كي يستطيع تحديد مساره وذلك على حسب تصوره ،حتى تكون لديه القدرة على التواصل والتناغم مع جميع الأنماط.
فالخلفية تُمثل عنصرا هاما لدى الرسام بل وتُعتبر الركيزة الأساسية التي من خلالها يقوم بوضع جميع الألوان داخل اللوحة ، حيث أنها توضح الفكرة التي يحملها في مخيلته لتبرز جميع الألوان بالشكل المطلوب.
ومن ثم تعطي للوحة معنىً واضحاً وجملة مقروءة
فلا يجوز التهاون بها أو التخلي عنها لطالما كانت السبيل الوحيد في عملية النجاح.
تعالَوا بنا ننظر إلى وضعية العالم اليوم ،نجده يحمل طابع الغربة والأنانية ويؤكد على هذا إنشغال الفرد بنفسه وخروجه من هذا الحَيِّز حيِّز المشاركة والقلب على القلب والكَتف بمحازات الكتف حيث حَيِّز الفردية والإنطوائية العمياء والعزلة البلهاء والتي من خلالها يفتقد أهم الألوان فتنعكس بشكل سلبي قد يؤثر على خلفية المجتمع،
إن الخلفية تلعب دوراً هاما في حياة البشر، فالكذب له خلفية، والصدق له خلفية.
وقبل أن يبدأ الرسام في تنفيذ لوحته يبحث أولا عن الخلفية التي تتناسب مع كم الألوان التي يضعها في لوحته.
مهما أخفى الإنسان حقيقة مشاعره ومهما ارتدى من أقنعة سوف يأتي اليوم الذي تكشف عنه خلفيته، لأنها هى التى تُعَبر عن مجموعة الألوان التي تميز شخصيته فهى بمثابة مركز إعلاني متخصص يتحكم في ضبط زواياها القلب والضمير .
سوف يأتي يوماً تنتهي فيه كل الأقنعة وتذهب كل الحماقات وتبقى الخلفية الشيء الوحيد الذي يُعبِّر بصدق عن الوجه الحقيقي للإنسان.
من منا يستطيع أن يكون المُهَّرج والمُشاهد في آنٍ واحد .