اتفاقية مع قطر تشعل الخلافات والجدل في البرلمان التونسي
أثار مشروع اتفاقية صندوق قطر للتنمية مع تونس، جدلا كبيرا، قبل عرضه على الجلسة العامة للبرلمان، الأربعاء، ما يزيد من تعقيد الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، في ظل وضع اقتصادي هش، وتفشي وباء كورونا.
واتهمت المعارضة، الأغلبية، التي تقودها حركة النهضة، ببيع تونس إلى قطر من خلال الإصرار على تمرير اتفاقية اعتبرتها “مشبوهة وتمس السيادة الوطنية”، بحسب النائب عن حركة الشعب، زهير المغزاوي، بينما اعتبر النائب عن حزب النهضة، سمير ديلو، أن الأزمة ليست في الاتفاقية، “وإنما كراهية بعض المعارضة لدولة قطر”.
ونفذ نواب معارضون بقيادة الحزب الدستوري الحرّ، الثلاثاء، حركة احتجاجية داخل قاعة الجلسات في البرلمان، وذلك قبل بدء التصويت على الاتفاقية التونسية القطرية، التي تقضي بتشكيل صندوق قطري للتنمية في تونس.
ويقول المغزاوي في تصريحات: “نحن بدأنا هذا الاحتجاج منذ الأمس، وربما سيعرض مشروع الاتفاقية في جلسة الأربعاء، وبالتالي ستتواصل الاحتجاجات”.
وذكرت صحف تونسية أن المعارضة اعتصمت في مقر البرلمان وسيطرت على منصة رئاسة البرلمان، ما حال دون عقد الجلسة في موقعها الأصلي، حيث تم نقل الجلسة إلى مبنى فرعي آخر، إلا أن بعض النواب المعارضين انضموا لهذه الجلسة مستخدمين مكبرات صوت، وهو ما أظهرته لقطات فيديو عرضتها رئيسة الحزب الدستوري الحر، النائبة عبير موسي، على صفحتها على فيسبوك.
من جهته قال ديلو ، إن “حق الاحتجاج مكفول خاصة أنهم منتخبون، مهما كان الموقف منهم ومن أرائهم، ولكنه قطعا ليس احتجاجا، بل هي عملية تعطيل مقصودة لأعمال المجلس”.
وأضاف “من حق أي كتلة أو أي نائب أن يعترض على ما يعرض في المجلس من مشاريع قوانين ولهم أن يصوتوا بالرفض أو إبداء الرأي في مداخلة في الجلسة العامة، ولكن لا يحق لأي نائب أن يمنع عرض مشروع قانون أو مقترح على الجلسة العامة، هذه مصادرة لآراء بقية النواب”.
لكن المغزاوي يقول: “نحن لا نعطل الجلسات وإنما نحتج بالطرق الشرعية، ضد تمرير هذا الاتفاقية، مشيرا إلى أن تمريرها سيعني لجوءهم للطعن عليها لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين”.
وأفاد موقع راديو “شمس” الإلكتروني، بأن المحكمة الابتدائية قضت الثلاثاء، ببطلان الدعوى المقدمة من النائبة موسي، ضد قرار مكتب مجلس نواب الشعب واتهامه بالتدليس بسبب برمجة جلسة عامة غدا ستنظر في اتفاقية بين تونس وصندوق قطر للتنمية، حول فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس”.
“يمس السيادة التونسية”
يشير النائب عن حركة الشعب، زهير المغزاوي، إلى أنه “من حيث الشكل، هناك اتفاق في البرلمان التونسي أن مشاريع القوانين المثيرة للجدل أو التي تشير إشكاليات، تعرض على خلية الأزمة في البرلمان التي تعمل عن بعد للظروف الاستثنائية، وهو مالم يفعله رئيس البرلمان، الذي يحاول أن يمرر مشروع القانون بالقوة”.
وتنتقد المعارضة رئيس البرلمان التونسي، والقيادي في حركة النهضة، راشد الغنوشي، خصوصاً لطريقة إدارته للجلسات البرلمانية التي غالباً ما تشلّها الخصومة بينه وبين الحزب الدستوري الحر، كما لنشاطه الدبلوماسي الموازي.
ويتزعم الغنوشي البالغ من العمر 78 عاماً حزب النهضة منذ بداياته قبل أربعة عقود. وانتخب نائباً في الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2019 ثم رئيساً للبرلمان.
ويرى المغزاوي أن “الاتفاقية لا تخدم تونس، بل تخدم فقط حركة النهضة التي تعاني في ظل ظروف إقليمية جديدة، حيث أنها تريد أن تحسن من علاقة جماعة الإخوان الدولية مع دولة قطر التي تقاربت مع مصر والسعودية في الأشهر الأخيرة، وذلك على حساب تونس”.
وقال إن “تقارب مصر مع كل من قطر وتركيا، والتقارب القطري السعودي، أمور رأت فيها حركة النهضة أنها قد تكون على حساب مصالح جماعة الإخوان، ولذلك تريد أن ترسل رسائل إيجابية للقطريين في ظل الصراع القائم في المنطقة من خلال العمل على إنجاز هذه الاتفاقية”.
في المقابل يقول ديلو: “لا ننظر للاتفاقيات على خلفية الدولة المعنية بها، فتونس ترحب بأي دولة، وهو ما جعلنا نصادق على مشاريع قوانين مشابهة في السابق كما حدث مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، ولم تكن هناك ردود أفعال”.
ويرى المغزاوي أن “بعض بنود الاتفاقية تمس السيادة الوطنية في تونس خاصة الفصلين الثامن والتاسع، اللذين ينصان على أن الصندوق من حقه أن يتخذ قرارات بدون استشارة الحكومة، كما أن بإمكانه أن يوظف من يريد دون الرجوع للدولة التونسية، وهو ما يمكن أن تستخدمه حركة النهضة لصالحها بناء على علاقتها مع قطر”.
ويتضمن الفصل الثامن، للاتفاقية التي حصل موقع الحرة على جزء منها، “منح الصندوق امتيازات منها الإعفاء من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وحق إعادة التصدير لجميع المواد التي لم يقع استخدامها دون دفع أي رسوم أو أداءات وذلك بحرية”.
كما يعطي نفس الفصل الصندوق حق “الإعفاء من القيام بإجراءات التجارة الخارجية عند توريد أو تصدير بعض الأغراض”.
أما الفصل التاسع فيعطي الصندوق حق “استرجاع القروض ومصاريف التشغيل غير المستعملة مع الفوائد بالدولار الأميركي، وللصندوق أن يقوم بتحويلها من الجمهورية التونسية إلى أي دولة أخرى أو أي عملة أخرى دون قيد أو شرط مع مراعاة الإجراءات البنكية العادية”.
لكن ديلو يرى أن “أزمة المعارضة أنه يستفزها الحروف الثلاث المكونة لكلمة قطر، وليس الفصل الثامن أو التاسع اللذين يتذرعان بهما”، مشيرا إلى أنه لا يرى أن الاتفاقية تمس سيادة البلاد.
وأضاف أن “البرلمان ليس تابعا لأي دولة ولا ينحاز لأي دولة، لكن هؤلاء يتجهون لمحور معين، بالأخص كلما تعلق الأمر بقطر وتركيا جن جنون هذه الكتلة”.
الأولويات
ويرى المغزاوي أن الأولوية كانت يجب أن تكون في التركيز على سن مشاريع قوانين لمواجهة الوضع الوبائي الخطير في البلاد، ومقاومة فيروس كورونا المستجد.
في المقابل، يرد ديلو بقوله: “لو كانوا يؤمنون فعلا بأن الأولوية لمجابهة فيروس كورونا لما أضاعوا وقتا وساعات في رفع شعارات ومكبرات الصوت ولما اعتصموا ضد قضايا مثل هذه، ولكانوا قدموا مشاريع قوانين ومقترحات تهم المواطنين أو مجابهة الوباء الذي يسلب منا أرواحا كل ساعة”.
وبينما يؤيد حزب النهضة، وهو أكبر حزب في البرلمان، إقامة نظام برلماني خالص، معتبرا أن النظام الرئاسي قد يتيح إعادة إنتاج ديكتاتورية جديدة، فإن الرئيس سعيّد لا يخفي ميله لنظام رئاسي مثله مثل عدة سياسيين آخرين يرون أن تونس تحتاج لقيادة واحدة، على حد تعبير وكالة رويترز.
والنظام الحالي مختلط يُنتخب فيه الرئيس بشكل مباشر ولكن أغلب السلطات بيد رئيس الحكومةو هشام المشيشي، الذي يعينه الائتلاف الحاكم.
وتحاول تونس الخروج من الانسداد السياسي الذي أفرزه الخلاف بين رئاسة الجمهورية والحكومة.