أزمة سد النهضة.. قضية عربية أم أفريقية؟
في 15 يونيو/حزيران الجاري، وبناءً على طلب مصر والسودان، عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا غير عادي في الدوحة بشأن سد “النهضة” الإثيوبي المتنازع عليه، وهو أول تجمع من نوعه تستضيفه قطر منذ استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية وحلفائها.
في الواقع، تتصاعد التوترات بشكل سريع في ظل إصرار أديس أبابا على إتمام الملء الثاني لخزان السد حتى دون التوصل إلى اتفاق ملزم قانونا ومتفق عليه مع القاهرة والخرطوم.
تاريخيا، كانت إدارة مياه النيل الأزرق (الذي يقام عليه سد النهضة ويعد أحد المصادر الروافد الرئيسية لمياه نهر النيل) مصدر خلاف سياسي بين دول الحوض الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا).
بالنسبة لإثيوبيا، فإن استكمال بناء أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا (سد النهضة) يجسد آمال البلاد في توليد الطاقة والتنمية الاقتصادية.
بالمقابل، ترى مصر في هذا المشروع تهديدا مباشرا يمكن أن يقوض أمنها ومكانتها في المنطقة، في حين يعتري السودان قلقا بشأن تضرر سدوده ومحطات المياه على طول نهر النيل جراء السد الإثيوبي.
وتعثرت الجولة السابقة من المحادثات حول أزمة السد، التي عُقدت في أبريل/نيسان بوساطة الاتحاد الأفريقي، بعد أن رفضت أديس أبابا طلب دولتي المصب (القاهرة والخرطوم) بإشراك وساطة دولية للمساعدة في تسوية النزاع.
في العاصمة القطرية، أصدر ممثلو الدول الأعضاء في الجامعة العربية، البالغ عددهم 22 دولة، بيانا دعا مجلس الأمن الدولي إلى إتخاذ “الإجراءات اللازمة” لإطلاق “عملية تفاوضية فعالة” تضمن التوصل خلال إطار زمني محدد لاتفاق عادل ومتوازن وملزم قانونا حول سد “النهضة” يراعي مصالح أطراف الأزمة.
ومع ذلك، رفضت السلطات الإثيوبية القرار برمته، وألقت باللوم على مصر والسودان في “تسييس غير ضروري” للمفاوضات حول السد، وتحويل “المشكلة الأفريقية” إلى قضية عربية.
ونتيجة لذلك، فإن الجهود الأخيرة التي بذلتها دولتا المصب للتوصل إلى اتفاق بشأن ملء سد “النهضة” تخاطر بأزمة أخرى، والتي بدورها قد تفتح الطريق أمام مزيد من التوترات في هذا السياق شديد التقلب.
(تعليق خبراء من “المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية” على اجتماع الجامعة العربية بشأن سد “النهضة”)
تنافس مصر وإثيوبيا يتجاوز قضية النيل
من اجتماع الدوحة، الاجتماع العربي الأول الذي تستضيفه قطر منذ حصار 2017، برزت نقطتان رئيسيتان تتعلقان بمسألة سد “النهضة”.
الأول هو الضغط الذي مارسته مصر على جامعة الدول العربية لدعم الالتزام الدولي (الأمم المتحدة) لبدء محادثات جديدة حول أزمة السد بعد انهيار تلك التي يرعاها الاتحاد الأفريقي.
النقطة الثانية المثيرة للقلق هي أن الثنائي المصري السوداني مستعد لقبول صفقة مؤقتة وجزئية مع إثيوبيا لتنظيم ملء وتشغيل السد.
إن التنافس بين مصر وإثيوبيا يتجاوز قضية النيل.
ففي الواقع، أدى التحول المتجدد للقاهرة نحو الجنوب الأفريقي إلى فتح باب المنافسة بين القوتين الإقليميتين.
وفي الخلفية تبقى الإمارات، التي تتمتع بنفوذ كبير على أطراف النزاع الثلاثة.
فقد أدى التحول الاستراتيجي الناتج عن انسحاب القوات الإماراتية في اليمن إلى تفضيل المبادرات الدبلوماسية الجديدة لأبوظبي في القرن الأفريقي.
ومع ذلك، فإن سير الحرب المستمرة في إقليم تيغراي الإثيوبي والتعنت من قبل أديس أباب في قبول الوساطة الإماراتية بشأن سد “النهضة” برد العلاقة تدريجيا بين “آبي أحمد علي” وأبو ظبي.
كما أن هناك انزعاجا إماراتيا من التعنت الإثيوبي في التعامل مع الخلاف الحدودي مع السودان، الذي كانت أبوظبي فاعلة في الوساطة فيه.
ربما ترغب الإمارات في الضغط على “آبي أحمد” على أمل إقناعه بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. وهي خطوة قد يفعلها “آبي أحمد” بعد الانتخابات القادمة (المقرر إجراؤها في 21 يونيو). وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لاتفاق -يصعب الوصول إليه- ويعزز صورة الإمارات كوسيط، خاصة مع حليفتها الولايات المتحدة. (الباحث في جامعة جنوة “فيدريكو دونيلي”)
سياسة خارجية مزدوجة للسودان
في ظل حكم “عمر البشير”، انحاز السودان أكثر إلى إثيوبيا في أزمة سد “النهضة”؛ فبعد أن عارض السد في البداية، أعلن “البشير” دعمه للمشروع عام 2012.
ومنذ الإطاحة بـ”البشير”، في أبريل/نيسان 2019، وتنفيذ الملء الأول لسد “النهضة” في يوليو/تموز 2020، انضم السودان بقوة إلى الموقف المصري بشأن الأزمة.
وهذا غير مفاجئ بالنظر إلى أن مصر -إضافة إلى الإمارات والسعودية- دعمت الفصيل العسكري الذي أطاح بـ”البشير”، والذي يحكم السودان الآن في شراكة غير مستقرة مع السلطات المدنية.
فقد طور قادة القوات العسكرية وشبه العسكرية السودانية علاقات قوية مع السعودية والإمارات من خلال مشاركتهم في التحالف السعودي في اليمن، وتزوديه بمعظم القوات البرية هناك.
لا يبدو أن السلطات المدنية السودانية لديها علاقات وثيقة (مع السعودية والإمارات) بنفس القدر، وبدلا من ذلك تغازل الولايات المتحدة وأوروبا للحصول على الدعم.
هناك الآن سياستان خارجيتان سودانيتان متزامنتان؛ إحداهما ذات طابع عسكري بشكل كبير وتتتعامل بطريقة غير مبالية مع أزمة سد “النهضة”. (الباحثة في شؤون شرق أفريقيا بـ”معهد البحوث الاستراتيجية” (IRSEM) “آن لوري ماهي”)
دور حاسم للاتحاد الأفريقي يرغم الجمود
إن رفض أديس أبابا لقرار جامعة الدول العربية الصادر في 15 يونيو – الذي يدعو إلى تدخل مجلس الأمن في النزاع بين إثيوبيا ومصر والسودان بشأن ملء سد “النهضة”- يقوض جميع احتمالات التدخل المباشر للإمارات، الوسيط في الصراع الإقليمي.
فبصفتها شريكا قويا لإثيوبيا، تم النظر إلى أبوظبي على أنها قادرة على لعب دور بناء في التغلب على الجمود الدبلوماسي، لكن “آبي أحمد” يتمسك بحزم بموقفه المنادي بـ”حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية”، ويلقي باللوم على مبادرة جامعة الدول العربية باعتبارها محاولة لتعريب قضية أفريقية بحتة.
بعد فشل وساطة عام 2019 من قبل الولايات المتحدة، المتهمة بمحاباة مصر، تبنت إثيوبيا موقفا ثابتا رافضا المشاركة النشطة للاعبين غير أفارقة في المفاوضات حول السد.
وعلى الرغم من الحصار المفروض على المبادرة الدبلوماسية الحالية بقيادة الاتحاد الأفريقي، لا يزال الأخير هو الفاعل الوحيد الذي يمكنه أن يلعب دورا دبلوماسيا بشكل شرعي في النزاع حول السد الإثيوبي.
ومع ذلك، فإن الخلافات الأخيرة بين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا والهيئة القارية بشأن إطلاق لجنة تحقيق مستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة في إقليم تيجراي، والتي تعتبرها السلطات الإثيوبية “مضللة وتفتقر إلى أساس قانوني”، تهدد بتقويض دور الاتحاد الأفريقي باعتباره وسيطا محايدا وغير متحيز لأديس أبابا، مع زيادة عزل البلاد في الساحتين الإقليمية والدولية، مع تداعيات خطيرة على التسوية السياسية لقضية سد “النهضة”. (الباحث المشارك بـ”المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية”، “كاميلو كاسولا”)
ما وراء الصراع وإمكانات البحر الأحمر
أصبحت منطقة البحر الأحمر الأوسع، بما في ذلك حوض النيل والقرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية، مساحة متزايدة الأهمية للمنافسة والتعاون.
ويقوض التوتر في حوض النيل بشأن خطط الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا إمكانية التعاون الإقليمي، رغم أن التوصل إلى نتيجة تفاوضية بشأن مياه النيل هو في النهاية أكثر احتمالية من صراع عسكري.
ولعل الأهم من ذلك هو أن الانتقال السياسي في السودان أدى إلى موقف أكثر حزما من قبل الخرطوم بشأن المصالح السودانية في محادثات النيل والبحر الأحمر.
وهذا سيجعل المنافسة على الفرص الاقتصادية مثل استثمارات الموانئ، بما في ذلك من تركيا ودول الخليج، أكثر تعقيدا. (الباحث المشارك بـ”معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام” (SIPRI)، “جيسون موسلي”)