هل يتحول نتنياهو إلى النسخة الشرق أوسطية من ترامب؟
أطلق رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال “مارك ميلي” في الأيام الأخيرة لإدارة “ترامب” تحذيرا قال فيه: “نحن لا نؤدي اليمين تجاه أي فرد وإنما نحلف على الدستور”، ويتشابه ذلك مع تحذيرات مسربة منسوبة إلى مصدر عسكري إسرائيلي رفيع قال: “لن نسمح لأي شخص بإشعال النار في الشرق الأوسط”.
ولم يغب على أي أحد في إسرائيل أن كلمة “أي شخص” هي إشارة إلى “نتنياهو” في الوقت الذي تتجدد فيه محاولات نشطاء اليمين لإثارة الاضطرابات في القدس من خلال إقامة موكب الأعلام في البلدة القديمة في القدس.
وقال عضو الكنيست “ديفيد بيتان”، وهو مسؤول في حزب “الليكود” ومقرب سابقًا لـ”نتنياهو”، في مقابلة تلفزيونية في 7 يونيو/ حزيران، أن “رؤساء أجهزة الدفاع لم يعودوا يهتمون بنتنياهو؛ وبالنسبة لهم أصبح شيئًا من الماضي”.
وعبّر “بيتان” عن شعور يتشاركه الكثير من الإسرائيليين بأن “نتنياهو يخسر ويخرج عن نطاق السيطرة بينما يحاول جاهدًا التمسك بالسلطة”.
والتزم “نتنياهو” الصمت الأسبوع الماضي عندما ظهرت تقارير عن موكب الأعلام كتكرار لمسيرة يوم القدس في 10 مايو/أيار والتي أحبطتها صواريخ “حماس”.
وفي الماضي، كان “نتنياهو” يرفض بسرعة مثل هذا الاستفزاز القومي الصارخ الذي يهدد الهدوء الهش في المدينة المختلطة.
أما في هذه الأيام، فربما يصل لدرجة تشجيع الحدث من وراء الكواليس.
والشهر الماضي، أدى موكب الأعلام الذي دفع “حماس” إلى إطلاق صواريخ على القدس إلى عملية عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة، كما أدى إلى اندلاع أعمال شغب في البلدات المختلطة بين العرب واليهود، وأوقف المفاوضات بشأن “حكومة التغيير” وكاد أن يفسد تشكيلها، وربما يخطط “نتنياهو” لتكرار هذه الأحداث.
وهذه المرة، أرسل وزير الدفاع “بيني جانتس” إيماءات تحذيرية مُقدمًا، وعقد مشاورات مع مسؤولي الأمن وأعلن أنه سيعارض الموكب في مثل هذا الوقت الحساس.
وحذت شرطة الاحتلال حذوه واتخذت الموقف ذاته، فاضطر “نتنياهو” لقبول الحكم وألغي الفعالية، وهكذا تراجع “نتنياهو” الجديد البائس المشعل للحرب، وحل محله “نتنياهو” الأصلي، الذي ينفر من المغامرات العسكرية.
التحول لنسخة “ترامبية”
ويتساءل البعض هل يبدو أن “ترامب” و”نتنياهو” توأم؟ الإجابة هي نعم و لا. فقد كان “ترامب” هو “نفسه” ترامب طوال حياته المهنية، أما “نتنياهو” فهو يتحول إلى شخصيات مختلفة حسب الظروف.
ويختلف “نتنياهو” الأصلي عن “ترامب” كثيرًا، ولديه تعليم عالٍ، ومطلع، وقارئ شره، ورجل يتعمق في أدق التفاصيل، ويتجنب المخاطر، ويتمسك جدًا بالوضع الراهن، ويحمي النظام ويغذي النخب، عكس “دونالد ترامب”.
ومع ذلك، فقد شهدنا منذ عام 2015 ولادة جديدة لـ”نتنياهو” مختلف، وأصبحت شخصية “نتنياهو” الأصلية غير واضحة بمرور الزمن، وتم استبداله بشخصية مغامرة مزعزعة للاستقرار، وتتحدى بشكل غير مسؤول المبادئ والأعراف الأساسية.
وأطلق انتصار “نتنياهو” الانتخابي المذهل عام 2015 العنان لقوى الظلام لديه، وأقنعه ذلك بخلوده وقدرته المطلقة، واعتقد أن الناخبين الإسرائيليين قد أعطوه تفويضًا مطلقًا ليفعل ما يشاء، لكنه كان على خطأ.
وأدى فوز “ترامب” المفاجئ في انتخابات 2016 إلى تسريع دوامة “نتنياهو” الهبوطية المدمرة، حيث أدى فوز الزعيم الغضوب الذي داس على قواعد النظام السياسي الأمريكي، لأن يصبح نموذجا يحتذى به “نتنياهو”، وأوصل لشعبه شعورا أن نتنياهو يريد أن يقول: “لا يوجد سبب يمنعني من فعل كل ما يفعله ترامب في أمريكا”.
فقد أنشأ مساعدو “نتنياهو” ماكينة أخبار مزيفة، وحشدوا جحافل من الأتباع المتفانين الذين بثوا الخوف على وسائل التواصل الاجتماعي، والأكثر من ذلك أن “نتنياهو” تخلى عن الضوابط والتوازنات التي كانت السمة المميزة له لسنوات عديدة.
وبتتبع سلوك “نتنياهو” في السنوات الأربع الماضية، يبدو أنه كان مترددًا بشأن “ترامب”. فقد نظر “نتنياهو” إلى الرئيس الأمريكي على أنه مصدر استثنائي للنفوذ والثروات السياسية لإسرائيل وله.
ومع ذلك، نأى “نتنياهو” بنفسه عن جهالة الرئيس السابق وأسلوبه.
ولسوء الحظ، لم يدرك “نتنياهو” أنه هو نفسه كان يتحول بسرعة إلى “ترامب” إسرائيلي.
بين التهدئة والتصعيد
لن يتمكن أي شخص يبدأ بمراقبة “نتنياهو” في هذه الأيام من إيجاد فرق بينه وبين “ترامب” في نهايات رئاسته، حيث يقوم “نتنياهو” حاليًا بمناورات جريئة، ويخرج بأفكار مرعبة بهدف النجاة، ويلقي الاتهامات على المنافسين السياسيين، كما يحاول إقناع الإسرائيليين أن إسرائيل ستضيع بدونه.
ولكن ربما ما يزال هناك الأسوأ مستقبلًا، حيث إنه من المقرر أن تؤدي الحكومة الجديدة اليمين أمام الكنيست في 14 يونيو/ حزيران.
فهل سيحاول “نتنياهو” التوجيه باقتحام في اللحظات الأخيرة، على غرار أحداث مبنى الكابيتول؟ وهل سيدعو أتباعه إلى مسيرة في الكنيست لمنع إبعاده عن الكرسي؟
تشير الأحداث السابقة وماضي “نتنياهو”، بأن الجواب هو “لا”، وأنه سوف يسحب نفسه في اللحظة الأخيرة، ومع ذلك، فإن “نتنياهو” اليوم قد يفاجئ حتى نفسه.
وقد أصدر حزب “الليكود” تصريحات باللغة الإنجليزية تعتبر تنحية “نتنياهو” ستؤدي إلى تحويل إسرائيل إلى دكتاتورية، مع تشبيه “نفتالي بينيت” بزعماء كوريا الشمالية.
واستنادًا إلى تصريحات شركائه، فإن “نتنياهو” مقتنع ومصرّ بالكامل على هذه الادعاءات، ويوجد لديه حاليا عدد قليل جدا من المهنيين الذين ينصحونه، بعد أن أفرغ مكتبه من جميع المسؤولين العاقلين في العامين الماضيين، على غرار ما فعله “ترامب” في الأشهر الأخيرة من ولايته.
وأصبح “نتنياهو” وحده تقريبا، مع حفنة فقط من المستشارين وزوجته وابنه “يائير”، وبعض الشخصيات الداعمة له من حزب “الليكود”، وقد يدفعه ذلك لارتكاب فعل يائس.
فهل سيقرر “نتنياهو” في الأيام المقبلة أن ينحني ويقبل قواعد اللعبة الديمقراطية ويحث أتباعه على الرضوخ؟ أم سيؤجج النيران ويرسلهم لاقتحام المؤسسات الإسرائيلية؟
الحقيقة أن “نتنياهو” يبدو في مزاج غير مستقر، يذكرنا إلى حد ما بأيام “ريتشارد نيكسون” الأخيرة في منصبه، ويجب أن يختار بين خيارين كلاهما مرّ: أن يكون “ترامب” أو “نيكسون”.