مصر تطوق إثيوبيا وتسعى لتشكيل منظمة أمن لنهر النيل
تلعب مصر دورا مركزيا في تأسيس ما يمكن أن يُصبح “منظمة أمن لنهر النيل” أو هيئة مماثلة تفرض مبدأ حرية استخدام المياه.
لا يسعى الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” إلى إنشاء تجمع إقليمي حول القضية الدائمة لحقوق المياه والعبور فقط، ولكن أيضا “شبكة” حول إثيوبيا بسبب مشروع سد “النهضة”. وتشمل القضايا الأمنية الأخرى التي تسعى مصر إلى تحقيقها التعافي من الوباء والاستثمار في الخدمات اللوجستية. ويبدو أن الموضوع هو “الأمن والحياة والتنمية”.
من المؤكد أنه في أعقاب نجاح مصر في المفاوضات بين غزة وإسرائيل، جنبا إلى جنب مع دعم إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن لهذا الجهد”، فإنها تواصل جهودا في عقد سلسلة من الاتفاقيات الدفاعية مع الدول المحيطة بإثيوبيا، والتي تطوق الأخيرة؛ كجزء من استراتيجية أمنها المائي.
لقد أثارت إثيوبيا غضب مصر والسودان، دولتي مصب نهر النيل، من خلال الإصرار على المضي قدما في ملء ثاني أكبر بكثير لسد النهضة في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2021 بغض النظر عن التوصل إلى اتفاق بشأن تشغيل السد أم لا.
أثار هذا غضب القاهرة، ويتلقى “السيسي” الآن المزيد من الدعم الدولي والإقليمي لموقف بلاده من حقوق المياه.
ويعد الدعم المقدم من الدول الأفريقية لمصر أمرا بالغ الأهمية أيضا؛ حيث تسعى القاهرة إلى العمل عن كثب مع الاتحاد الأفريقي في المشاريع الرئيسية بجميع أنحاء القارة، فضلا عن توزيع لقاحات الوباء.
فقد وقعت مصر المزيد من الاتفاقيات الدفاعية مع شركائها الأمنيين الجدد بالقارة السمراء. وشمل ذلك اتفاقيات مع أوغندا وبوروندي. كما أجرى “السيسي” زيارة مفاجئة إلى جيبوتي التي تشترك في الحدود مع إثيوبيا، وتطل على المدخل الجنوبي الاستراتيجي للبحر الأحمر. أحدث الاتفاقيات الدفاعية التي عقدها مصر كانت مع كينيا وإريتريا، الدولتين المهمتين، كجزء من محاولة للتأثير على مجريات الأحداث في إثيوبيا، بما يشمل الحرب في إقيلم تيجراي.
وبات السودان أكبر شريك لمصر، بالمعنى الحرفي للكلمة، بعد اتفاق دفاعي تم توقيعه بين البلدين في مارس/آذار 2021. فبعد التوقيع على الاتفاق، قال بيان مصري، آنذاك، إن البلدين يواجهان تحديات وتهديدات مشتركة لأمنهما القومي.
وأنهى الجيشان المصري والسوداني هذا العام ثالث وأكبر مناورات حربية مشتركة بين البلدين تحت مسمى “حراس النيل”، وهي مناورة استمرت 6 أيام، وشاركت فيها القوات البرية والبحرية والجوية والقوات الخاصة وقوات الدفاع الجوي.
علاوة على ذلك، تدعم القاهرة استراتيجية خليجية لتجديد وتطوير موانئ إقليمية بالمنطقة، بما في ذلك ميناء بورتسودان في السودان، وبربرة في إقليم أرض الصومال بالصومال، ومومباسا في كينيا، بينما تتنافس أيضا على احتياطيات النفط والغاز الكبيرة في البر والبحر.
بالنسبة لمصر وشركائها في نهر النيل، يمكن أن يكون هذا النشاط مفيدا أو ضارا. إذ تعمل الآن موانئ دبي العالمية على تشييد طريق هرجيسا الالتفافي بين مدينة بربرة في إقليم أرض الصومال وإثيوبيا، بتمويل بريطاني. وهذا الطريق رئيسي للتصدير من إثيوبيا غير الساحلية.
بالنظر إلى إريتريا ودعمها لإثيوبيا، لم يعد هذان البلدان محاصرين بشكل متزايد فحسب، بل يخضعان الآن لعقوبات من الغرب. من المرجح الآن أن تكون روسيا المخرج لإثيوبيا؛ فعلاقات موسكو الطويلة مع أديس أبابا يمكن أن تلعب دورها.
يضاف إلى مزيج حوض نهر النيل المصالح التركية والروسية. فالمصالح التركية في الصومال تسلط الضوء على العلاقات بين القاهرة وأنقرة في ظل القيادة الإقليمية المفاجئة لـ”السيسي”. وتعد برامج التدريب والتجهيز التركية في الصومال ممتازة، لكن الانقسامات الداخلية في هذا البلد الأفريقي تعيق مرددوها.
ومع ذلك، هناك اختبار حقيقي قادم بشأن كيفية بناء الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” على رأسماله السياسي في هذا الجزء من أفريقيا القائم على أساس محاربة “حركة الشباب”.
وبصفتها عضوا في حلف شمال الأطلسي العامل في الصومال وليبيا، يمكن أيضا رؤية تحركات تركيا من منظور فريد؛ لأن اتفاقيات الدفاع المصرية مع الدول الأفريقية تؤدي إلى المزيد من التدريبات المصرية الأفريقية المشتركة. وفي هذه المعادلة، تحدد القاهرة مكان دخول أنقرة.
أما روسيا، باتفاقياتها العسكرية الخاصة، فتتحرك ببراعة عبر الشركات العسكرية الخاصة والشبكات الخبيثة. ويتم الآن اختبار خيارات موسكو في السودان؛ حيث تخضع النتيجة لما إذا كان المبعوث الأمريكي الخاص إلى القرن الأفريقي يمكنه إقناع الجهات الإقليمية الفاعلة بخلاف ذلك.
يقع على عاتق مصر العبء الثقيل -على ما يبدو- لتأسيس منظمة أمنية ناشئة لحوض النيل. واستخدمت القاهرة عدة تكتيكات لمحاولة الضغط على إثيوبيا للموافقة على مطالبتها باتفاق ملزم بشأن تشغيل وملء سد “النهضة”، ونظام للتعامل مع حالات الجفاف والنزاعات المستقبلية.
الآن، قلبت مصر الأوضاع لصالحها مع سلسلة من الاتفاقيات الأمنية التي وقعها “السيسي” مع دول أفريقية في محيط إثيوبيا.
من المؤكد أن إثيوبيا تتعرض بالفعل لضغوط تشمل تبادل إطلاق النار جراء نزاع حدودي مع السودان. يتجه “السيسي”، أيضا، إلى الولايات المتحدة للمساعدة في النزاع الإثيوبي، لكن الوقت يمر نحو موعد ملء سد “النهضة” في الأشهر المقبلة.
إن الطريقة التي تعمل بها مصر والدول الأفريقية معا، في إطار منظمة أمنية محتملة لنهر النيل، بشأن حل مسألة استخدام المياه قد تكون مثالا، سواء إيجابيا أو سلبيا، لمناطق أخرى في المنطقة وربما العالم.
المصدر | أوراسيا ريفيو