منبع نهر النيل: “لغز مشبع باللعنات” يحير الاستكشافيين من الإسكندر إلى اليوم
كشفت مجلة علمية متخصصة عن تفاصيل إحدى أعظم الرحلات الاستكشافية في العالم، التي حاولت جميعها حل اللغز الكبير الذي حير العلماء، والذي وصفته المجلة بـ”اللغز الذي ما زال مفتوحا” بلا حل، بحسب الادعاءات.
كان السعي لاكتشاف منبع نهر النيل أحد أهم الأسئلة العلمية في القرن التاسع عشر في أوروبا والعالم، وبالرغم من صعوبة تصديق وجود هذا اللغز في عصر خرائط “غوغل”، إلا أن “البحث كان تقريبًا مثل السباق لوضع رجل على سطح القمر، حيث كان محاطًا بالبطولات والمكائد” التي تشبه “اللغز المشبع باللعنات” التي أصابت الكثيرين من الكشافة.
وبحسب مجلة “ديسكفر”، أدت الرحلات الاستكشافية إلى تمجيد شخصيات مثل، ديفيد ليفينجستون، وهنري مورتون ستانلي، وريتشارد فرانسيس بيرتون، لكن على حساب إصابة هؤلاء بما يمكن أن يطلق عليه بـ”اللعنة” مثل الأمراض الغريبة والموت.
ويقول كريستوفر أونداتجي، المستكشف الذي نشر مقالا تحدث فيه عن رحلته إلى منبع النيل: لقد “شكّل لغز منبع النيل تحديًا لثلاثة آلاف سنة”.
ونوه المقال إلى حقيقة مفادها أنه بالرغم من ادعاء المستكشفين معرفتهم لمنابع النيل على مر قرون إلا أن “مصدر نهر النيل لا يزال في الواقع مسألة مفتوحة حتى اليوم، وفقًا للخبراء المعاصرين”.
النيل العمود الفقري لأم الحضارات
لعب النيل دورا رئيسيا في نشأة أقدم الحضارات التي عاشت على كوكب الأرض، وبدون الكميات الهائلة من المياه التي قدمها النيل، ربما من المحتمل أن المصريين القدماء لم يكونوا قد جمعوا الثروة والقوة اللازمتين لبناء الأهرامات والسيطرة على مناطق شاسعة بدأت منذ 5000 عام.
تساءل هيرودوت، المؤرخ اليوناني الشهير من القرن الخامس قبل الميلاد، عن مصدر الكميات الهائلة من المياه كما فعلت شخصيات مثل الإسكندر الأكبر، وكورش الكبير وابنه، والقادة الرومان مثل يوليوس قيصر ونيرو.
يقول أونداتجي في تصريحات خاصة للمجلة إن “المثل الروماني القديم (Nil caput quoerere) كان يعني في الحقيقة عبارة (البحث عن رأس النيل أي منبعه)، وعنيت في ذلك الوقت (البحث عن المستحيل)”.
كان الفرعون بطليموس الثاني فيلادلفوس مهتمًا أيضًا في القرن الثالث قبل الميلاد في البحث عن المنبع، حيث أرسل رحلة استكشافية بعيدة لتحديد مصدر النيل الأزرق.
وتقول أنجيلا تومسيل، أستاذة التاريخ المشاركة في جامعة ولاية نيويورك المتخصصة في التاريخ الاستعماري البريطاني والأفريقي: “كان المصريون مهتمين أيضًا بالعثور على المصدر لأنه أثر على زراعتهم”، ومع ذلك لم يصل أحد إلى مصدره ومنبعه.
النيل والتشعبات الغامضة
مثل العديد من الأنهار ذات الطول الكبير، يحتوي النيل على عدد من الروافد الرئيسية، أو الفروع التي تغذيه، لكن الفرعان الرئيسيان (الأزرق والأبيض) يلتقيان في الخرطوم قبل أن يتابعا شمالا إلى مصر.
ادعى المستكشف الاسكتلندي جيمس بروس أنه أول أوروبي يرى منبع النيل الأزرق في عام 1770، ووصل إلى مستنقع وشلالات في تيس أباي في إثيوبيا، على الرغم من أن الإسباني، بيدرو بايز، قد سبقه بالفعل بأكثر من 150 عامًا، ووصل إلى البحيرة “تانا” في عام 1618.
يوفر النيل الأزرق، الذي يتدفق من بحيرة “تانا”، في الواقع أكثر من 80 في المئة من المياه التي تمر عبر النيل عندما يلتقي الجزاءان الرئيسيان في الخرطوم. لكن النيل الأبيض أطول، وكان مصدره دائمًا أقل فهمًا لأنه يتدفق من الداخل.
وركزت معظم الرحلات الاستكشافية الشهيرة في القرن التاسع عشر جهودها على العثور على منبع النيل الأبيض.
أبطال لاحقتهم “اللعنات”
تحدث المقال بشكل مفصل عن مجموعة مستكشفين أوروبيين اعتبرا في ذلك الوقت “أبطالا” بسبب بعثات استكشفا النيل، لكن “اللعنات” رافقتهم ووضعت نهايات مأساوية
على سبيل المثال كان ريتشارد فرانسيس بيرتون، من أوائل الأوروبيين الذين زاروا مكة في السعودية متنكرين بزي “البشتون”، وكان يتحدث عشرات اللغات وألف عدة كتب عن رحلاته في المناطق العربية،
انضم جون هانينج سبيك، عالم الطبيعة والمستكشف والضابط في الجيش الهندي البريطاني، إلى محاولة بيرتون الأولى للعثور على منبع النيل الأبيض. في عام 1855، انطلقوا بدعم من الجمعية الجغرافية الملكية (RGS). وبالكاد تمكنوا من الوصول إلى الساحل بالقرب من بربرة في أرض الصومال عندما تعرضوا لهجوم من قبل السكان المحليين، حيث تم القبض على سبيك لفترة وجيزة وجرح قبل أن يهرب ، بينما تعرض بيرتون للضرب.
وعلى الرغم من فشلهم، شرعوا في رحلة أخرى في عام 1856، ومماثلة للرحلة الأولى، لكنها “لم تبدأ بشكل جيد”، كما تقول تومسيل.
وأصيب كل من بيرتون وسبيك بالملاريا وأمراض أخرى. علاوة على ذلك، تخلى العديد من الموظفين عنهم، لكن بالغم من ذلك، عنهم. ومع ذلك ، وصل الفريق إلى بحيرة تنجانيقا. وكان بيرتون أول أوروبي شاهد البحيرة، “حيث أصيب سبيك بالعمى مؤقتًا” بحسب الرواية.
لكنهم اكتشفوا أن بحيرة تنجانيقا لا يمكن أن تكون المصدر لأنهم وجدوا نهرًا كبيرًا يتدفق فيها. واستعاد سبيك بصره، لكن بيرتون كان حينها مريضًا جدًا بحيث لا يمكنه الاستمرار. واصل سبيك رحلته نحو بحيرة فيكتوريا، ولكن بدون بيرتون.
وحثت مشكلة بين الشريكين حول حقيقة مصدر النيل، ولكن في عام 1864، وقبل أن يناقش سبيك علنًا بيرتون في إنجلترا حول حقيقة المنبع، أطلق سبيك النار على نفسه فيما “قد يكون حادثًا أو ربما كان انتحارًا”، فيما يمكن وصفه بـ”اللعنة”.
بعد ذلك بوقت قصير، بدأ مستكشف آخر بارز محاولة لحل السؤال الكبير حول منبع النيل الأبيض. كان ديفيد ليفينغستون مبشرًا من دعاة إلغاء العبودية اشتهر باستكشافاته عبر إفريقيا، لكنه مرض أثناء رحلته في زامبيا ومات هناك.
الحقيقة ما تزال غامضة!
يؤكد تومسل أنه على الرغم من التمجيد الذي تنطوي عليه الروايات المنشورة لهؤلاء المستكشفين الكثر، والكثير من السجلات التي دونوها حول للثقافات والمجتمعات الأفريقية إلى جانب التاريخ الشفوي. إلا أنهم لم يفهموا مصدر المنبع بدقة.
ويقول أونداتجي: “يتغذى النيل من بحيرتين كبيرتين ونهرين عظيمين، وليس من بحيرة واحدة أو أي نهر واحد”. ويؤكد أن اكتشاف سبيك (حول وجود منبع واحد) ليس سوى جزء من حل لغز منبع النيل.
واعتبر المقال أن مصدر منبع النيل ما زل اليوم غامضا للعديد من الأسباب، منها الأسباب السياسية والاضطرابات الداخلية للدول، وتضيف تومسيل: “أود أن أقول إن الرومانسية لا تزال موجودة”، تعبيرا عن قصص منبع النيل الغريبة إلى يومنا هذا.