مصر وبناء السلام الغائب.. بقلم د. مصطفي الشربيني

فى ظل تعقد المشهد في الشرق الاوسط، تنتصر الدبلوماسية المصرية وتنجح في وقف قصف غزة
حيث تم قبول الاقتراح المصري بوقف إطلاق النار من فجر اليوم الجمعة ودخوله حيز التنفيذ، وقد ذكر البيت الأبيض في بيان أن الرئيسين بايدن ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي بحثا في اتصال هاتفي الجهود لتحقيق وقف إطلاق نار يضع نهاية للقتال في إسرائيل وغزة

فمنذ أن تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصبه ، أصبحت القضية الفلسطينية قضية مركزية في مصر ، وتبذل مصر المزيد من الجهود لوقف إطلاق النار لتجنب المزيد من العنف وضخ دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يدفعون ثمن المواجهات العسكرية الظالمة من الكيان الصهيوني علي مدنيين غير مذنبين
وايضا تقدم مصر الجهود الإنسانية لمصر من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى الفلسطينيين وإمداد المساعدات الغذائية والأدوية للشعب الفلسطيني وعلاج مصابي القصف في المستشفيات المصرية

فمصر دائما رائدة ، وقد أعلن الرئيس السيسي في مايو ٢٠١٦ على اربعة محاور أساسية لاستراتيجية مصر تجاه حل القضية الفلسطينية وهي
المحور الأول هو ان مصر ستواصل جهودها الحثيثة لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، اما المحور الثاني وهو الوصول إلى تسوية عادلة وشاملة تدعم استقرار المنطقة وتساهم في تخفيف الاضطرابات في الشرق الأوسط والمحور الثالث هو ضرورة الحفاظ على الثوابت العربية للقضية الفلسطينية والمحور الرابع هو دعم الفلسطينيين في خطواتهم المقبلة سواء بالمشاركة في تنفيذ المبادرة الفرنسية أو بالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي.

وقد أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تقديم مصر مبلغ ٥٠٠ مليون دولار كمبادرة مصرية تخصص لصالح عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة نتيجة الأحداث الأخيرة، وقال على هامش مباحثاته في العاصمة الفرنسية “إننا سنبذل كافة الجهود لحل الأزمة وأن الأمل موجود في التحرك الجماعي لإنهاء الصراع وكانت مصر قد أعلنت دعمها لقطاع غزة واستعدادها لعلاج مصابي الاعتداءات الإسرائيلية وإرسال ٦٥ طناً من الأدوية والمستلزمات الطبية، أكدت وزيرة الصحة المصرية تجهيز ١١ مستشفى بمحافظات شمال سيناء والإسماعيلية والقاهرة، ودعم شمال سيناء بـ ٣٧ فريقا طبيا في مختلف التخصصات الطبية لعلاج مصابي الاعتداء الإسرائيلي، وفتحت السلطات المصرية معبر رفح البري الأحد، حيث بدأ توافد المسافرين والطلاب والراغبين في العلاج،

كما أعلن صندوق تحيا مصر التابع للرئاسة المصرية عن إصدار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، توجيهات لتخصيص الحساب رقم ٠٣٧٠٣٧ إعادة إعمار غزة وذلك في كل البنوك ، أن هذا الحساب يهدف لتلقي المساهمات من داخل وخارج مصر لإعادة إعمار غزة وتلبيةً للاحتياجات المعيشية والدوائية للأشقاء الفلسطينيين، حيث يختلف هذا الحساب عن مبادرة الـ٥٠٠ مليون دولار لإعمار غزة، وايضا يستعد صندوق تحيا مصر لإطلاق قافلة مساعدات إنسانية للقطاع، تتضمن أكثر من ١٠٠ حاوية ستصل لقطاع غزة تحت شعار نتشارك من أجل الإنسانية

وقد أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن المتهم داخل أوساطه بالافتقار إلى الحزم حيال إسرائيل، عن تأييده لوقف إطلاق نار خلال مكالمة هاتفية جديدة أجراها الإثنين الماضي مع رئيس الوزرا قوات الاحتلال بنيامين نتانياهو، ففي رام الله بالضفّة الغربيّة المحتلّة، حضّ الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس المبعوث الأميركي هادي عمرو لدى استقباله، على ضرورة تدخّل الإدارة الأميركيّة لوضع حدّ للعدوان الإسرائيلي

وقد دافعت المتحدثة باسم البيت الابيض جين ساكي عن النهج الدبلوماسي “المتكتم” إنما “المكثف” الذي تتبعه واشنطن حيال هذا الملف، وسط هذه التطوّرات، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الإثنين أنّه بحث ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي في تفاصيل وساطة ترمي للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيّين، وأنّهما يسعيان للحصول على دعم الأردن لهذه المبادرة، كما باشرت الأمم المتحدة بمساعدة قطر ومصر مبادرة ترمي إلى احتواء التصعيد، وتبحث بروكسل أيضا المواجهات الجارية، وهي الأعنف منذ صيف ٢٠١٤، خلال اجتماع طارئ يعقده وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الثلاثاء عبر الفيديو.

ونري اليوم أن ما يحدث في الشيخ جراح هو تراكم لحملة استمرت لسنوات من قبل المستوطنين الإسرائيليين لمحاولة طرد الفلسطينيين من القدس بشكل عام ، ولكن أيضًا لأن الشيخ جراح له أهمية من حيث عمره وأهميته بالنسبة لمدينة القدس ، و نحن بحاجة إلى وضع هذا في سياق أكبر أن ما يحدث في الشيخ جراح لا يتعارض مع الاستيلاء العام على القدس ، فالأمم المتحدة مؤخرا دعت اسرائيل الى وقف على الفور كل عمليات الإخلاء القسري، واعتبرت أن عمليات الإخلاء تنتهك التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي، لا تزال القدس الشرقية جزء من الأراضي الفلسطينية، والذي ينطبق القانون الدولي الإنساني.

وحيث ترغب واشنطن اليوم في الاستعانة بمصر كوسيط سلام ، فقد تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسي مساء الخميس ٢٠ مايو ٢٠٢١، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأمريكي جو بايدن، وإن الاتصال تناول التباحث وتبادل الرؤى من أجل وقف العنف والتصعيد في الأراضي الفلسطينية في ظل التطورات الأخيرة كما أجرى وزير الخارجية أنطوني بلينكن اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية المصري سامح شكري لمناقشة تطور الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين في ١٦ مايو ٢٠٢١ للتوسط في وقف العنف بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، وقد قدمت القاهرة بالفعل مقترحات لوقف إطلاق النار لكلا الجانبين وأرسلت وفودًا أمنية إلى القدس وقطاع غزة ، ونجد أن الاحتدام الحالي وفر فرصة أوسع للمسؤولين المصريين لتنشيط دورهم الإقليمي بدعم أمريكي، وكان لموجة التطبيع العربي الأخيرة مع إسرائيل تأثير هامشي مماثل على عملية السلام ، فقادة الخليج يتجنبون النموذج المصري للسلام البارد بدون تطبيع مع إسرائيل واختاروا قادة الخليج التطبيع مع الكيان الصهيوني

وحيث إن دعم فلسطين والعداء تجاه إسرائيل متأصلان بعمق في الثقافة السياسية المصرية والوعي القومي، هي قضية تتجاوز السياسات الحزبية وتحظى بإجماع وطني واسع عبر جميع الخطوط الأيديولوجية ، فالقضية الفلسطينية هي مسألة هوية بقدر ما هي مسألة سياسة ، بالإضافة إلى التعاطف مع محنة الفلسطينيين ، فإن العداء تجاه إسرائيل يغذيها تضحيات مصر السابقة بالدم والأموال، أدت أربع حروب مع إسرائيل إلى مقتل عشرات الآلاف من المصريين وتدمير مليارات الدولارات، حتى بعد خمسة عقود من السلام الرسمي ، لا يزال معظم المصريين ينظرون إلى إسرائيل على أنها تهديد للأمن القومي وأنهم العدو الأول ، ليس فقط للفلسطينيين ولكن لجميع العرب والمسلمين مادمت هناك اصرار علي التوسع الاستعماري واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي احتلت عام ١٩٦٧ .

من خلال استعراض دور مصر حكومةً وشعباً في القضية الفلسطينية لأكثر من نصف قرن ، وارتباط مصر بالقضية الفلسطينية ، هي علاقة دائمة تمليها اعتبارات الأمن القومي المصري وعلاقات الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية، مع الفلسطينيين ، لذا فإن الموقف المصري من القضية الفلسطينية في أي مرحلة لم يكن خاضعًا للمصالح ولم يكن يومًا ورقة مساومات إقليمية أو دولية، لذلك ارتباط مصر بالقضية الفلسطينية لم يتأثر بتغيير الأنظمة والسياسات المصرية. قبل ثورة ٢٣ يونيو ١٩٥٢ ، وما كان يحدث في فلسطين تهم الحركة الوطنية المصرية من قبل اربعينيات القرن الماضي وحرب فلسطين ١٩٤٨ حيث تحملت مصر عبئاً عسكرياً ثقيلاً بسبب حرص مصر حكومة وشعباً على حماية الشعب الفلسطيني من العدوان الإسرائيلي على مدى العقود الستة الماضية، قدمت مصر أكثر من ١٠٠ ألف شهيد و ٢٥٠ ألف جريح خلال حروبها مع إسرائيل من أجل فلسطين.

كانت الحكومات الخليجية عاطفية تجاه الاستعمار الصهيوني بشكل مفهوم بشأن العنف الحالي علي الشعب الفلسطيني وأصبح موقفهم العلني من هذه المسألة أقل موضوعية فبمجرد أن بدأت حماس الدفاع عن القدس والمصلين الصائمين حيث قامت بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، أصدر أنور قرقاش ، مستشار الرئيس الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد ، تغريدة أدان فيها المسلحين “لاستغلالهم معاناة الشعب الفلسطيني لحسابات ضيقة لا تستحق” ، في حين انتقدت شخصيات دينية بارزة مثل وسيم يوسف حماس لاستخدامها المدنيين ، كدروع بشرية. في وسائل الإعلام خليجية ، تم كتابة مقالات للدفاع عن قادة الخليج ضد اتهامات بالتخلي عن القضية الفلسطينية ، وقد أعطت بعض المنافذ علي شاشات الجزيرة وغيرها للمسؤولين الإسرائيليين منبرًا للدفاع عن موقف بلادهم ، على سبيل المثال ، أفيشاي أدرعي ،

وتعد مصر شريكًا مهمًا للولايات المتحدة في أي محاولة لتهدئة التوترات الإسرائيلية الفلسطينية – وحقيقة أنها تقع على حدود غزة ، وتسيطر على معبر رفح ، وتقيم علاقات طويلة الأمد مع الفصائل الفلسطينية المختلفة ، مما يمنحها نفوذًا كبيرًا لتنظيم وقف إطلاق النار
فإذا أرادت الولايات المتحدة لعب دور بناء كوسيط في محادثات السلام الإقليمية ينبغي عليها أن تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني وتعمل علي منع انتهاكات حقوق الإنسان وقتل الأطفال في غزة، لا يؤدي الاتجاه العدواني للشعب الفلسطيني الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية إلا إلى صب الزيت على النار بين الجماهير الاسلامية والعربية على نطاق أوسع وتهديد المصالح الأمريكية في العالم بأسره بدلاً من ذلك ، تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبني موقف أكثر توازناً ، بحيث لا تغض الطرف عن الأعمال الإسرائيلية التي تنتهك حقوق الإنسان وتقتل الأطفال والنساء بإعداد كبيرة وباسلحة أميريكية

إذا استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في مسارها الحالي ، فستظهر الآثار السلبية في عواصم الخليج التي ستواجه ضغوطًا أكبر لتغيير نبرتها حيث انتقدت دول الخليج التي توصلت مؤخرًا إلى اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل سلوك حماس المتهور – على سبيل المثال ، أصدرت الإمارات بيانًا لم يكن مرضيا للفلسطينيين وذلك حدادًا على الضحايا الإسرائيليين والفلسطينيين ودعا إلى وقف التصعيد والتعايش. ومع ذلك ، قد تشعر هذه الحكومات قريبًا بأنها مضطرة إلى تبني مواقف أكثر عدوانية وغير مفيدة تزيد من الضغط الدولي على إسرائيل وتقوض المصالح الأمريكية في المنطقة، يجب على المسؤولين الأمريكيين أيضًا أن يلاحظوا أن اللغة البغيضة تجاه الفلسطينيين تخدم فقط إيران ومعسكرها المزعزع للاستقرار والمناهض لدور الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط

فيمكن لواشنطن أن تلعب دور الوسيط النزيه والتقليل من دور أيران، بأن يتم تعزيز كل هذه الجهود بمبادرات أمريكية رفيعة المستوى لتشجيع المزيد من صفقات السلام العادل بين إسرائيل وفلسطين والدول ذات الأغلبية العربية والاسلامية

وحتي نضع الأمور في نصابها يجب أن نعرض أراء المؤرخين اليهود أنفسهم وننصح القادة في الولايات المتحدة الأمريكية بقراءة كتاب بعنوان “عشر خرافات بنيت عليها أكاذيب الكيان الصهيوني” وقد استعنت في مقالي هنا بالملخص المنشور والموثق للترجمة للكتاب الذي صدرت النسخة العربية لهذا الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وقد نقلته إلى العربية الباحثة والمترجمة الفلسطينية سارة عبد الحليم ويقع الكتاب في ٢٣٢ صفحة من القطع الكبير

هو كتاب صدر عام ٢٠١٧ للكاتب إيلان بابي وهو ليس شخص.عادي لكنه مؤرخ إسرائيلي بارز وناشط اشتراكي. وهو أستاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة، ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بالجامعة، والمدير المشارك لمركز إكسيتر للدراسات العرقية والسياسية
ينتمي بابي إلى تيار المؤرخين الجدد الذين قاموا بإعادة كتابة التاريخ الإسرائيلي وتاريخ الصهيونية وطرد وهروب ٧٠٠ الف فلسطيني في عام ١٩٤٨. ويعتقد بان عملية التطهير العرقي لفلسطين، تمّ التخطيط لها بصورة مسبقة وواعية، ويُركّز بالأساس على ما يعرف بخطة دالت التي انتهجتها الوحدات العسكرية الإسرائيلية عام ١٩٤٩
وهو يلقي اللوم على إنشاء إسرائيل بسبب عدم وجود السلام في الشرق الأوسط، ويرى بان الصهيونية أكثر خطورة من التشدد الإسلامي
وهو يفضح فيه الأكاذيب التي بنيت عليها الاستعمار الصهيوني لأرض فلسطين المحتلة فيما يتعلق بأصول الكيان الصهيوني الاسرائيلي وهويته ويفند كل الخرافات التي يصدروها للعالم علي أنها تشرعن الكيان الصهيوني، التي يصوّرها الخطاب الإسرائيلي السائد كثوابت غير قابلة للطعن، مثبتاً بأنها محض افتراءات وخرافات. وبحسب الكاتب، تستند إسرائيل إلى هذه الخرافات في تكريس سياساتها الاستيطانية القائمة على طرد الشعب الفلسطيني، ومواصلة ممارساتها العنصرية بحقهم.

يعمد إيلان بابي إلى دحض جملةً من الأفكار المتنازع عليها المتعلقة بأصول وهوية إسرائيل، متصدياً لعشر خرافات، التي تبدو في الخطاب الإسرائيلي السائد ثوابت غير قابلة للطعن؛ وهي:

أن فلسطين أرض خالية: حيث تدعي أولى الخرافات أن فلسطين كانت أرضاً خالية قاحلة شبه صحراوية عشية وصول الصهاينة أواخر القرن التاسع عشر وتمت زراعتها وتأهليها من قبل الصهاينة. فيؤكد هنا المؤلف بان فلسطين كان بلدا معترف به منذ العصر الروماني، وقد كان تاريخ فلسطين مرتبطُا ارتباطُا وثيقًا بالعالم العربي والإسلامي منذ القرن السابع. وبالعودة إلى السجلات العثمانية للتعداد السكاني لفلسطين عام ١٨٧٣، فإن غالبية السكان كانوا من المسلمين وقد شكل اليهود حينها نسبة ٣% فقط من السكان، بينما شكل المسيحيون ١٠ بالمائة من السكان. فكانت فلسطين بلدًا ريفيًا عامراً على وشك الدخول إلى القرن العشرين، وكان يتمتع بازدهار قبل قدوم الصهاينة، وكان يشهد الكثير من التحديث كمناطق حضرية، وسكان حضريين. وان نفي إسرائيل لوجود الفلسطيني في ارض فلسطين هو تزوير للتاريخ.

اليهود كانوا شعبا بلا أرض: يقول المؤلف بأن الخرافة الثانية التي تكمّل الخرافة الأولى هي أن اليهود الذين وصلوا فلسطين عام ١٨٨٢ ينحدرون من اليهود الذين طردهم الرومان منها عام ٧٠ للميلاد،.ثم يدحضها لأن الاحتمال الأكبر، كما يقول، هو أن يهود فلسطين الرومانيين ما غادروا ارضهم وبقوا هناك متحولين إلى المسيحية أولاً ثم إلى الإسلام. ويؤكد “إن ما قبل عهد الصهيونية كانت الصلة بين المجتمعات اليهودية في العالم وفلسطين علاقة روحية ودينية وليست سياسية. وأن ترتيب عودة اليهود إلى فلسطين كان مشروعا مسيحيا بروتستانتيا في الأصل، ثم أكملته الحركة الصهيونية.”

الصهيونية هي اليهودية: يتناول المؤلف الإسرائيلي في الفصل الثالث الخرافة التي تساوي الصهيونية باليهودية حيث أصبحت معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية، فيحاول دحض هذه المعادلة من خلال إجراء تقييم تاريخي للمواقف اليهودية إزاء الصهيونية، وتحليل تلاعب الصهيونية بالديانة اليهودية لأسباب استعمارية بالأساس وإستراتيجية لاحقا، وكذاك خداعها لليهود أنفسهم بالأساطير التضليلية التي اخترعتها.

الصهيونية ليست حركة تحرر قومي: يناقش المؤلف في هذا الفصل الخرافة الرابعة، وهي ادعاء الحركة الصهيونية بأنها حركة تحرر قومي للشعب اليهودي وليست حركة استعمارية، فيدحض المؤلف هذه الخرافة ويشبهها بالمشروع الاستعماري الذي جرى في جنوب أفريقيا وأستراليا والولايات المتحدة ضد السكان الأصليين. وقد تكمن أهمية دحض هذه الخرافة في الموقف من النضال الفلسطيني الإسرائيلي، فإذا كانت إسرائيل دولة ديمقراطية فإن الفصائل الفلسطينية ستكون كيانات إرهابية. أما إذا كانت إسرائيل دولة محتلة فسيكون نضال هذه الكيانات ضد مشروع استعماري فهذا يعني أنها حركات مقاومة للاستعمار. ويؤكد بابي أن بحلول عام ١٩٤٥م كانت الصهيونية قد جذبت نص مليون مستوطن إلى البلد وكان حينها يبلغ عدد سكان البلد مليوني نسمة، ورغم كل محاولاتهم، فإنهم لم يستطيعوا شراء سوى ٧٪ فقط من أرض فلسطين، وكان الحل في الإبادة الجماعية وتهجير وطرد المواطنين الفلسطينين من وطنهم.

الفلسطينيون غادروا وطنهم طوعا: تدّعي الحركة الصهيونية أن الفلسطينيين غادروا وطنهم وأرضهم طوعا، ويدحض بابي هذه الخرافة بالقول “«إن قيادات الحركة الصهيونية ومنظريها لم يستطيعوا تخيُّل تطبيق مشروعهم بنجاح إلا بالتخلص القسري من السكان الفلسطينيين، إما عن طريق الاتفاق أو بالقوة”».وهو يستشهد بالمذابح والتهجير القسري الذي نفذته العصابات الصهيونية بحق الفلسطينين وتدمير القرى والمدن، مشيرا إلى أن هناك بعض القرى لليوم شاهدة على هذا الدمار وتهجير أهلها. كما يشير إلى الأساليب التي استخدمتها إسرائيل في عملية تطهير السكان، فكانت سياستهم هي: «تدمير القرى من خلال إضرام النار والتفجير، وزرع الألغام في الأنقاض، وخاصة تلك المراكز السكانية التي يصعب السيطرة عليها على المدى البعيد، مع زيادة عدد عمليات البحث والمراقبة، وفقا للمبادئ التوجيهية التالية: تطويق القرى ومن ثم البحث داخلها. وفي حال ظهور المقاومة فيجب القضاء على تلك القوة المسلحة وطرد السكان خارج حدود الدولة.» كما يناقش هذا الفصل خرافات أخرى تتعلق بأحداث العام ١٩٤٨.
حرب ١٩٦٧ فُرضت على إسرائيل..

حرب لا بد منها: يقول بابي أن الإعلام الإسرائيلي لا يزال يصّر على أن حرب ١٩٦٧ قد فرضت على إسرائيل وان إسرائيل لم يكن لديها خيار سوى خوض الحرب، لكنها تظهر عكس ما تضمر لأن هذه الحرب كانت جزءاً من رغبة إسرائيل وذلك لاستكمال الاستيلاء على كل فلسطين. مؤكدا على ان الحرب لم تكن مفروضة بل كانت “فرصة” تم انتظارها واستغلالها حين سمحت الظروف. فقامت إسرائيل بعد الحرب باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بحجة ان يكون العرب على استعداد للسلام معها، لكن كان هذا الاستيلاء هدفا صهيونيا حتى قبل العام ١٩٤٨، وكان يمثل استكمالا للعمل الذي بدأت به العصابات الصهيونية في عام ١٩٤٨

إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط: يطرح بابي فكرة الرد على هذه الخرافة من خلال دراسة وضع الفلسطينيين داخل إسرائيل والأراضي المحتلة، الذين يشكلون في المجموع نحو نصف تعداد السكان الواقعين تحت حكم إسرائيل. ويبين أنه قبل حرب ١٩٦٧ كان المواطنين الفلسطينيين، يعيشون تحت وطأة الحكم العسكري القائم على لوائح الطوارئ البريطانية الإلزامية والتعسفية، التي تحرمهم من أي حقوق إنسانية أو مدنية أساسية. وقد كان القادة العسكريون المحليون هم بمثابة الحكام المطلقين لحياة هؤلاء المواطنين الفلسطينيين، إذ يمكنهم سن قوانين خاصة بهم، وتدمير منازلهم وسبل عيشهم، وإرسالهم إلى المعتقلات متى شاؤوا. مستذكرا المجازر التي نفذتها “إسرائيل” بحق الفلسطينيين كمجزرة كفر قاسم وغيرها الكثير.

خرافات أوسلو: في الفصل الثامن يتناول بابي اتفاقيات أوسلو من منظور تقييمي، بعد ربع قرن من توقيعها، وهو يتساءل «هل كان اتفاق سلام فشل أم مجرد حيلة إسرائيلية جديدة لتعميق الاحتلال؟» يعتقد إيلان بابي أن هدف إسرائيل من أوسلو كان منع تشكيل أي مؤتمر دولي من أجل السلام، وهي كانت مجرد حيلة إسرائيلية جديدة لتعميق الاحتلال. أما الخرافة الثانية، التي يفندها بابي في هذا الفصل هي إشعال الانتفاضة الثانية كعملية إرهابية ضد إسرائيل، يقول بابي:”إن الجيش الإسرائيلي كان يحتاج إلى تقديم استعراض ناجح”. وذلك لأن الجيش الإسرائيلي كان محبطا بعد هزيمته المذلة على أيدى حزب الله في لبنان في صيف العام ٢٠٠. وكان هناك خوف بأن هذه الهزيمة جعلت الجيش يبدو ضعيفا، لذا كانت ثمة حاجة لاستعراض الجيش “القوة التي تقهر” لتأكيد هيمنته داخل الأراضي المحتلة. وتم تحقيق هذا الأمر من خلال عملية الدرع الواقي العسكرية البربرية في العام ٢٠٠٢ وبناء جدار الفصل العنصري، ونجحوا في قمع الانتفاضة مؤقتا.

مأساة غزة سببها حركة حماس: يتحدث الفصل التاسع، وهو الأطول بين الفصول، عن الدعاية الإسرائيلية، التي تُروّج ثلاث أساطير تضلل الرأي العام بشأن أسباب مأساة غزة. وهذه الأساطير الثلاث هي إن «حماس منظمة إرهابية»، و«فك الارتباط الإسرائيلي مع غزة كان عملا للسلام»، و«الحرب على غزة هي دفاع عن النفس». فتحمل إسرائيل مأساة غزة لحركة حماس التي تصفها حركة إرهابية تريد القضاء عليها. ويتبنى بابي وجهة نظر مغايرة، طارحاً تفسيراً اخر لما حدث في غزة منذ منعطف القرن القادم، و يؤكد أن الانسحاب الإسرائيلي كان بهدف تقوية القبضة الأمنية على الضفة الغربية وتحويل غزة لسجن كبير ولم تسحب إسرائيل جيشها ومخابراتها عن الحدود، في حين تبين إسرائيل أن الانسحاب كان بادرة صلح ولكن واجهه الفلسطينيون بالعنف. كما اعتبر بابي الأعمال التي قامت بها إسرائيل منذ ٢٠٠٦ ضد قطاع غزة بأنها إبادة جماعية تصاعدية

حلّ الدولتين هو السبيل الوحيد للسلام: يتناول بابي في الفصل الأخير خرافة ان حل الدولتين هو الطريق الوحيد للمضي إلى الأمام، الحل الذي يجري الترويج له من آلة الدعاية الإسرائيلية ومؤيديها في الغرب. ويراه المؤلف حلّا خرافيًا وهو عبارة عن “دمية يتم تلاعب بها حسب المصالح الإسرائيلية والغربية”، ويشبهه بجثة تقع في المشرحة، وبين الحين والآخر يتم إخراجها وتزيينها وتقديمها كأنها شخص حي، ثم عندما يكتشف الجميع زيف ذلك يعاد إدخالها إلى المشرحة لتعاد الكرة. فيقول المؤلف “يجب أن تدفن هذه الجثة مع باقي قاموس الوهم والخداع، وأن إسرائيل قتلت حل الدولتين من خلال توسعة الاستيطان، وهم فقط يهدفون إلى قيادة دولة دون سيادة فعلية”

د. مصطفي الشربيني .. الكاتب والمفكر السياسي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى