“نوبات الجوع الليلي”… لماذا يتسلّل البعض إلى الثلاجة بعد منتصف الليل؟
قد يحدث لنا أن نشعر بالجوع الشديد في وقت متأخر من الليل، وتدور في رأسنا بعض المأكولات الشهية، فنتسلّل إلى المطبخ ونفتح البراد على مهل ونبدأ بالتهام ما يحلو لنا من الطعام قبل الخلود إلى النوم، مع العلم بأننا حرصنا طوال اليوم على متابعة بدقة ما نأكل واحتساب السعرات الحرارية، غير أن هذه الجهود كلها تذهب سدى عندما يسدل الليل ستاره.
وفي حين أن تناول الطعام في وقت متأخر يمكن أن يجعلنا نشعر بالرضا إلى حدّ كبير، إلا أن هناك آثاراً سلبية كثيرة، بما في ذلك حدوث مشاكل في الهضم، كوابيس مزعجة وزيادة في الوزن على المدى البعيد، بحيث تقوم أجسامنا بتخزين السعرات الحرارية على شكل دهون عندما ننام بدلاً من حرقها.
واللافت أن جائحة كورونا أثّرت كثيراً على روتيننا اليومي، فقد بتنا أكثر تواجداً في المنزل، لا نلتزم دائماً بمواعيد الوجبات المعتادة وربما نسهر لوقت متأخّر جداً، وهي أمور تجعلنا نأكل كثيراً بخاصة في فترة الليل، ما قد يكون له عواقب صحية كثيرة.
فقدان السيطرة
لا شك أن معظمنا سمع بضرورة إغلاق باب المطبخ بالمفتاح بعد وقت معيّن، وفي حين أن هذه الدعابة تبدو مضحكة، إلا أنها مسألة منطقية تماماً، إذ يمكن أن يخرج موضوع تناول الطعام في الليل تماماً عن السيطرة، وعرقلة أهدافنا المتعلقة بفقدان الوزن أو الحفاظ عليه.
قد يحدث لنا أن نشعر بالجوع الشديد في وقت متأخر من الليل، وتدور في رأسنا بعض المأكولات الشهية، فنتسلّل إلى المطبخ ونفتح البراد على مهل ونبدأ بالتهام ما يحلو لنا من الطعام قبل الخلود إلى النوم
أي شخص استيقظ فجأة في الثالثة صباحاً وبطنه يقرقر، يسأل في قرارة نفسه: هل من الطبيعي أن أكون جائعاً في مثل هذه الساعة المتأخرة؟ لماذا لا أستطيع مقاومة هذه الشهية المفرطة التي تدفعني إلى الانغماس في وعاء آيس كريم والشعور بالراحة عند انتهائه؟
الأمر قد لا يتعلق فقط بالملل أو بضعف الإرادة، إنما قد يكون الجسم هو الذي يدفعنا بقوة نحو البراد في منتصف الليل.
في العادة ترتفع مستويات الجوع التي يتم تنظيمها جزئياً من خلال إيقاعاتنا اليومية بشكل عام على مدار اليوم، تكون في أعلى مستوياتها في المساء، وتنخفض طوال الليل وحتى الصباح، من هنا قالت إيرين هانلون، عالمة الأعصاب السلوكية في جامعة شيكاغو لصحيفة هافيغتون بوست: “إن محرك النوم قوي جداً، لذلك إذا كان الدماغ/ الجسم يستيقظ في منتصف فترة النوم بسبب الجوع، فإن هذا يشير بالفعل إلى أن شيئاً ما قد توقف”.
بدورها، أكدت عالمة النوم والساعة البيولوجية كريستين إل كنوتسون، الأستاذة المساعدة في جامعة نورث وسترن، أنه من “غير المعتاد أن نستيقظ ونحن نشعر بالجوع في منتصف النوم، لأن ساعاتنا البيولوجية الداخلية لا تتوقع منّا تناول الطعام في هذا الوقت”، على حدّ قولها.
وعليه، إذا أصبح تناول الطعام المفرط في الليل نمطاً يتكرّر كل ليلة، فعندها يجب التوقف عند هذه الحالة لمعرفة سبب حدوث ذلك، وما يمكن فعله حيال هذه العادة.
أسباب الشره في الليل
كشفت الأخصائية في التغذية سالي الزين، أن هناك العديد من الأسباب التي تكمن وراء نوبات الجوع الليلي، من بينها عدم تناول الطعام بشكل كاف خلال النهار: “إذا كان المرء لا يستهلك سعرات حرارية كافية خلال النهار، فقد يستيقظ في منتصف الليل وهو يشعر بجوع شديد”.
من هنا شددت سالي، في حديثها لموقع رصيف22، على أهمية الالتزام بنظام غذائي متوازن ومتنوع طوال النهار وعدم تفويت الوجبات: “هناك بعض الأشخاص الذين يظنون أن الامتناع عن تناول وجبة العشاء هو مفيد لفقدان الوزن، ولكن العكس صحيح، بحيث أن هذا الأمر يفتح المجال للأكل العشوائي في ساعات متأخرة من الليل”.
معظمنا سمع بضرورة إغلاق باب المطبخ بالمفتاح بعد وقت معيّن إذ يمكن أن يخرج موضوع تناول الطعام في الليل تماماً عن السيطرة
وفي السياق نفسه، تحدثت الزين عن الأكل العاطفي، إذ إنه وفي بعض الأحيان لا يكون الجوع الجسدي هو الذي يوقظ المرء في منتصف النوم، بل قد تكون المسألة عبارة عن قيام الجسم بالتعويض عن التوتر من خلال الأكل العشوائي، وعليه، بمجرّد استيقاظه من النوم، قد يلجأ إلى الطعام لتهدئة نفسه، بحسب ما أكدته سالي: “في فترة المساء، تزداد معدلات القلق والتوتر بسبب التفكير المفرط، فيرتفع معدل الكورتيزول ويشعر المرء بالجوع المفرط من دون القدرة على كبت الشهية الزائدة”.
وفي السياق نفسه، تحدثت الزين عن الملل الذي يلعب بدوره دوراً في مسألة الأكل العاطفي، بخاصة في فترة كورونا، حيث توقف البعض عن العمل وبات متواجداً طوال اليوم في البيت من دون أي مصدر إلهاء.
مع العلم بأنه لا بأس باللجوء إلى الأطعمة المريحة من وقت لآخر، إنما يجب تحديد السبب الجذري للقلق، لأن تركه دون رادع يمكن أن يلحق المزيد من الضرر بالصحة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم الحصول على قسط كاف من النوم يمكن أن يؤدي إلى عدم توازن في هرموني “غريلين واللبتين” المنظمين للشهية، ما قد يجعل الفرد يشعر بجوع إضافي ويرغب في تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات، حتى في ساعات متأخرة.
وبالفعل، ربطت الدراسات السابقة فقدان النوم بزيادة الشهية، بحيث أن الشخص الذي لا يحصل على قسط كاف من النوم بشكل منتظم، يشعر بزيادة في الشهية طوال النهار والليل.
وفي السياق نفسه، وجدت دراسة نشرت في مجلة Obesity في العام 2011، أن تناول الطعام بعد الساعة الثامنة مساءً، لا يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالسمنة فحسب، بل يقلل أيضاً من مدة النوم، كما أن تناول الطعام في وقت متأخر من الليل قد يسبب الكوابيس المزعجة، بحيث أنه يؤدي إلى تعطيل نوم حركة العين السريعة، ومن المحتمل أن يكون لذلك علاقة بالتأثير على الأحلام.
هذا ويمكن أن يكون شعور المرء بالجوع الشديد في منتصف الليل بشكل متكرّر، بمعدل مرتين في الأسبوع على مدار الأشهر، علامة على اضطراب ما يسمى “متلازمة الأكل الليلي”: يستهلك الأشخاص الذين يعانون من متلازمة الأكل الليلي (NES) جزءاً كبيراً من السعرات الحرارية اليومية بعد العشاء (مع القليل من الرغبة في تناول الطعام في وقت مبكر من اليوم)، وقد يتعاملون مع مشاكل المزاج التي تزداد سوءاً في المساء، ويواجهون صعوبة في النوم، ويعتقدون أنه يجب عليهم تناول شيء لكي يتمكنوا من الاستسلام إلى النوم.
ماذا نفعل حيال الجوع الليلي؟
تنصح سالي الزين كل شخص يمر بالجوع الليلي بضرورة اتباع نظام غذائي منتظم ومتنوع يشمل البروتينات التي تمنح الشعور بالشبع، بالإضافة إلى الكاربوهيدرات والدهون لتفادي تلاعب مستويات السكر في الدم، الأمر الذي يسبب الشعور بالجوع في وقت متأخر في الليل.
وفي السياق نفسه، شددت الزين على أهمية الإكثار من شرب المياه، تناول سناك صحي كل ساعتين تقريباً وعدم تفويت الوجبات الرئيسية بخاصة وجبة العشاء، مع ضرورة تفادي المأكولات غير الصحية في فترة المساء، الابتعاد عن الأطعمة السكرية وتجنب الأطعمة الدهنية، المقلية، الحارة، الحمضية أو الكافيين، لكونها تحدث اضطراباً في النوم.
ويمكن الاحتفاظ بمذكرات طعام لفهم أنماط الأكل وإيلاء اهتمام أكبر لإشارات الجوع في الجسم على مدار اليوم. بهذه الطريقة، يمكن التأكد من الحصول على ما يكفي من الطعام أثناء ساعات النهار. فإذا كان المرء يأكل بشكل جيد طوال اليوم، فقد يصبح الجوع في وقت متأخر من الليل أقل تواتراً.
“في فترة المساء، تزداد معدلات القلق والتوتر بسبب التفكير المفرط، فيرتفع معدل الكورتيزول ويشعر المرء بالجوع المفرط من دون القدرة على كبت الشهية الزائدة”
هذا ويجب على المرء، قبل تناول الطعام في وقت متأخر، أن يطرح على نفسه عدة أسئلة: “هل أنا جائع حقاً؟ هل أشعر بالملل؟ هل أنا حزين؟ هل أنا سعيد؟ إذ إن العواطف، التوتر والإرهاق كلها عوامل قد تدفعنا لتناول الطعام في وقت متأخر من الليل.
من هنا يجب دوماً التفكير بالسبب الجذري للمشكلة التي نمر بها وعدم استخدام الطعام كـ”فشّة خلق”، وفق ما أكدت الزين في ختام حديثها: “ما لازم الناس تفشّ خلقها بالأكل، لازم تبحث عن سبب المشكلة وكيفية حلها وتلتزم بروتين معيّن لكسر العادات الغذائية الخاطئة”.