الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا.. نفوذ سياسي ومكاسب اقتصادية
يتزايد يوما بعد الآخر، حجم الدعم الإماراتي المقدم لإثيوبيا، من استثمارات اقتصادية، وودائع بنكية، وقروض ميسرة، فضلا عن توسع أعمال الشركات الإماراتية العاملة هناك.
وحققت الاستثمارات الإماراتية على الأراضي الإثيوبية، نموا لافتا، خلال السنوات الأخيرة، وتأتي مصحوبة بدعم سخي من قبل أبوظبي، سياسيا واقتصاديا، لحكومة رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد علي”.
وتعزز نفوذ أبوظبي في أديس أبابا بشكل خاص منذ منتصف عام 2018، حين نجحت في التوسط في اتفاق سلام تاريخي بين إثيوبيا وجارتها إريتريا.
وعلى الرغم من امتعاض القاهرة، الحليف الرئيسي لأبوظبي، من تنامي العلاقات الإماراتية – الإثيوبية، تواصل أبوظبي مساعيها لحصد المكاسب السياسية والاقتصادية، في بلد يعد اقتصاده الأسرع نموا على مستوى القارة الأفريقية، بحسب صندوق النقد الدولي.
نمو الاستثمارات
تحظى الإمارات بتواجد استثماري متميز في إثيوبيا، من خلال مشروعات متعددة يصل عددها الإجمالي إلى نحو 92 مشروعا منها 33 مشروعاً قائما، إلى جانب 23 مشروعا قيد الإنشاء، وعدد آخر من المشروعات المخططة.
وتتركز الاستثمارات الإماراتية في قطاعات الزراعة (21 مشروعا)، والصناعة (37 مشروعاً)، والعقارات وتأجير الآلات (20 مشروعاً)، الإنشاءات وحفر الآبار (7 مشاريع)، التعدين والصحة والفندقة (5 مشاريع)، بحسب بيانات هيئة الاستثمار الإثيوبي.
إلى جانب ذلك، فقد حصلت 36 شركة إماراتية على التراخيص اللازمة للعمل في إثيوبيا، وفق وسائل إعلام إماراتية.
ويبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين، حوالي 850 مليون دولار في العام 2018، وتستحوذ الإمارات على 14% من إجمالي واردات إثيوبيا من الدول العربية، وهي الثالثة عربياً كأهم شريك تجاري لإثيوبيا، بحسب بيانات حكومية.
وأواخر 2016، وقعت الإمارات وإثيوبيا اتفاقية تعزيز وحماية الاستثمار المتبادل، وهي اتفاقية تسمح للمستثمرين الإماراتيين بالانخراط في مختلف القطاعات في إثيوبيا دون تهديد لاستثماراتهم.
مشروعات عملاقة
من أبرز المشروعات التي تتبناها الإمارات على الأراضي الاثيوبية، مشروع “لا غار” العقاري، الذي تنفذه شركة “إيجل هيلز” للاستثمار والتطوير العقاري.
ومن المقرر أن يضم مشروع “لا غار”، الذي يتم إنشاؤه وسط العاصمة الإثيوبية، حوالي 4000 وحدة سكنية.
ومن أشهر الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا، مصنع شركة الخليج للصناعات الدوائية “جلفار”، ومصنع شركة “مازا الدولية” لإنتاج العصائر، ومصنع رأس الخيمة للسيراميك، وفندق “حياة ريجنسي” بأديس أبابا، ومصنع للألمنيوم بالتعاون مع شركة “أراكون” الإثيوبية.
وتسعى أبوظبي كذلك، لتوقيع اتفاق مع الحكومة الإثيوبية، يمنحها حق الحصول على أراض زراعية لتنفيذ مشروع زراعي ضخم على الحدود السودانية – الإثيوبية، يتضمن زراعة آلاف الأفدنة.
ومن المرجح أن يستفيد المشروع الإماراتي، من المكاسب التي ستحصدها إثيوبيا، من تشغيل “سد النهضة”، من أرض خصبة، ووفرة مائية، ما يؤمن لأبوظبي أمنها الغذائي.
ويقوم على تنفيذ الخطط الإماراتية، شركة جنان للاستثمار الزراعي، التي وقعت اتفاقات مع الجانب الإثيوبي لزراعة الأرز، والقمح، والذرة، وتسمين العجول.
ويأتي التوجه لإثيوبيا، ضمن سياق تتنافس خليجي محتدم خلال السنوات الأخيرة في مجال الاستثمار الزراعي في منطقة القرن الأفريقي، بهدف تحقيق الأمن الغذائي، بعد الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء العالمية منذ عام 2007.
دعم سخي
ولتوفير مظلة سياسية لتلك الاستثمارات، قدمت الإمارات دعما سخيا لإثيوبيا في عام 2018، وصل إلى 3 مليارات دولار في شكل مساعدات واستثمارات.
وتألفت حزمة الدعم الإماراتية، من مليار دولار كوديعة في البنك المركزي الإثيوبي، وملياري دولار على هيئة استثمارات.
كما قدمت أبوظبي مساعدات مالية في عمليات بناء سد النهضة، وسط تقارير غير رسمية حول دعم إماراتي لحصول أديس أبابا على منظومة “بانتسير إس 1” الروسية المتطورة للدفاع الجوي، لاستخدامها في حماية “سد النهضة” من أي تهديد.
وفي فبراير/شباط الماضي، وقع “صندوق خليفة لتطوير المشاريع” اتفاقية مع وزارة المالية الإثيوبية، لدعم وتمويل المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بقيمة 100 مليون دولار أمريكي.
ومن المقرر أن يسهم المشروع في تمويل نحو 37 ألف مشروع على مدار السنوات الأربع المقبلة، وتوفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل للشباب، بحسب رئيس مجلس إدارة الصندوق الإماراتي “حسين النويس”.
مستقبلا، ستستعين الحكومة الإماراتية بـ50 ألف عامل إثيوبي، ضمن خطط لاستقدام 200 ألف عامل من البلاد في غضون 3 أعوام.
ومن المخطط أيضا، مشاركة إثيوبيا في معرض “إكسبو دبي 2020” الذي تقرر تأجيله إلى العام المقبل، جراء تداعيات تفشي فيروس “كورونا”.
مكاسب جمة
توفر هذه العلاقات الاقتصادية المتنامية أرضية صلبة لتمديد نفوذ أبوظبي إلى قطاعات مختلفة، ويجعل منها في المجمل شريكا سياسيا واستراتيجيا وتجاريا قريبا من أديس أبابا.
زراعيا، تؤمن الاستثمارات الإماراتية الزراعية، مخزونا كافيا من السلع الاستراتيجية للدولة الخليجية.
حيوانيا، تمتلك إثيوبيا ثروة حيوانية تقدر بـ44 مليون رأس من البقر، و32 مليون رأس من الخراف، و29 مليون من الماعز، ما يجعلها في المرتبة الأولى أفريقيا، والعاشرة عالميا، وهو ما يحقق جانبا مهما من الأمن الغذائي، سينعكس على الإمارات، التي تخصص جزءا من استثماراتها لهذا المجال.
نفطيا، تتبنى الإمارات مشروعا لبناء خط أنابيب ضخم لنقل النفط، يمتد من ميناء عصب الإريتري على ساحل البحر الأحمر إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وفي مجال النقل البحري، تعزز الإمارات شراكتها مع إثيوبيا من خلال تطوير ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال، بما يقلل من الاعتماد الإثيوبي شبه الكامل على ميناء جيبوتي.
ويرى مراقبون، أن الإمارات، تحاول أن تجعل من إثيوبيا بوابة لها لغزو الأسواق الأفريقية، مستغلة قوانينها التي تتلاءم مع الانفتاح على الأسواق العالمية.
واستراتيجيا، تحاول الإمارات، عبر تعزيز استثماراتها في إثيوبيا، قطع الطريق أمام نفوذ دول أخرى، منافسة لها في تلك المنطقة، أبرزها قطر وتركيا.
ويمكن القول، إن ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” ورئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” يسعيان إلى تحالف استراتيجي، تحالف يمكن “آبي أحمد” من الحصول على الاستثمارات اللازمة لبلاده وكذلك على دعم أبوظبي – أو على الأقل سكوتها – لسياسات أديس أبابا في ملف مياه النيل، في الوقت الذي توفر فيه إثيوبيا بوابة مهمة لأبوظبي لزرع المزيد من النفوذ في القارة السمراء والقرن الأفريقي.