أتلانتك كونسل: علاقات مصر وقطر تتطور بشكل مثير
منذ التوقيع على إعلان العلا في يناير/كانون الثاني الماضي لإنهاء الأزمة بين قطر من ناحية والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من ناحية أخرى، كان التقارب المصري القطري من بين الأسرع تطورا. وفي غضون أسبوعين من توقيع الاتفاقية، أعلنت وزارة الخارجية المصرية أن القاهرة والدوحة اتفقتا رسميا على استئناف العلاقات الدبلوماسية، ما جعل مصر أول دولة في المجموعة تفعل ذلك. وبحلول أوائل مارس/آذار، احتضنت القاهرة اجتماعا بين وزيري خارجية البلدين على هامش اجتماع جامعة الدول العربية.
وتتطور العلاقات بين البلدين بشكل مثير بالرغم أن التحديات والخلافات السياسية الأساسية بينهما ما تزال قائمة. ولكن إرادة مصر للمضي قدما ليست مفاجأة حيث تفوق فوائد العلاقات المصرية القوية مع قطر (خاصة العلاقات الاقتصادية) المخاطر.
ويمكن للحوار المصري القطري الأعمق حول قضايا مثل ليبيا وسد النهضة الإثيوبي أن يكون مفيدا للمصالح السياسية والأمنية للبلدين. وفي الواقع، يجب أن تمضي القيادة المصرية إلى الأمام لإعادة بناء العلاقات مع قطر. وبالنظر إلى الفوائد المحتملة للاستقرار الإقليمي، يجب على إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” تشجيع هذه الجهود.
الحسابات الاقتصادية
وكانت زيارة أول وفد قطري رسمي إلى مصر بعد قمة العلا بقيادة وزير المالية القطري لافتتاح فندق فاخر بقيمة 1.3 مليار دولار في القاهرة رمزا لحسابات مصر. وكان الاستثمار الأجنبي ركيزة أساسية في محاولات الحكومة المصرية لتحقيق الاستقرار والنمو وسط استمرار المشاكل الهيكلية للاقتصاد. ومع انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر بشكل كبير في عام 2020 بسبب جائحة كورونا، تضاعف القيادة المصرية جهودها لجذب الاستثمار. وتوفر نهاية الخلاف مع قطر فرصة مهمة لتحقيق هذا الهدف.
وسوف تستمر مصر في الاعتماد على الاستثمار الخليجي، حتى لو كان هذا الاستثمار أقل قوة مما كان عليه من قبل. وتعتبر قطر من بين أفضل دول الخليج المجاورة لتلبية احتياجات مصر.
ولم تتوقف استثمارات قطر المقدرة بـ5 مليارات دولار في مصر خلال الأزمة. وبعد أن صرح المسؤولون المصريون في وقت مبكر من الأزمة بأن الاستثمارات القطرية ستتم حمايتها، حافظت “الديار القطرية”، على سبيل المثال، التي بنت مجمع فندق “سانت ريجيس” في القاهرة، على مشروعات كبرى لها في مصر بلغ مجموعها 3 مليارات دولار.
وبالمثل، تقدمت “قطر للبترول” بحصتها الرئيسية في إطلاق الشركة المصرية للتكرير بقيمة 4.4 مليار دولار في عام 2019. لكن حل الأزمة الخليجية مهد الطريق لزيادة هذا الإنفاق المحتمل مع استمرار قطر في التركيز على تنويع استثماراتها بالاعتماد على صندوق الثروة السيادي البالغ 300 مليار دولار بالإضافة إلى استثمارات القطاع الخاص القطري.
ويمكننا أن نتوقع استمرار الدعم الاقتصادي والاستثمار في العقارات والسياحة والطاقة والبنوك، وربما حتى صناعة الدفاع، إذا نظرت شركة “برزان القابضة”، المملوكة لوزارة الدفاع القطرية، في سبل لتوسيع تعاونها الإقليمي.
قضايا الأمن الإقليمي
وفيما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي ودور الحركات الإسلامية السياسية، دعمت الدوحة جماعة “الإخوان المسلمين” فيما تعتبرها القاهرة خصما رئيسيا، ومن المرجح أن تظل قطر ومصر منقسمة بشأن هذه القضية. ومع ذلك، قد يساعد تعاونهما الثنائي المتجدد في إحداث اختراق في بعض الملفات. وعلى وجه الخصوص، من المحتمل أن تكون ليبيا والأزمة الدبلوماسية بشأن سد النهضة موضوعين مفيدين للنقاش.
وتماشيا مع تعزيز إدارة “بايدن” لتوسيع التعاون الدبلوماسي في المنطقة لتخفيض التوترات في المنطقة، يمكن للعلاقات القطرية المصرية الأوثق أن تساهم بشكل إيجابي في البيئة الأمنية الإقليمية.
ومع التنفيذ الجزئي لوقف إطلاق النار في الصراع الليبي الذي دام عقدا من الزمن، وأداء حكومة الوحدة الليبية الجديدة اليمين، تتحول أنشطة مصر في ليبيا من المجال العسكري إلى الدبلوماسية بطرق قد تشجعها قطر وتستفيد منها.
وبعد أعوام من دعم الجنرال “خليفة حفتر” الذي فشل في الهجوم على طرابلس، تحرص مصر الآن على بناء علاقات مع حكومة الوحدة الليبية الجديدة. واستضاف الرئيس “عبدالفتاح السيسي” رئيس الوزراء الليبي المؤقت “عبدالحميد الدبيبة” في القاهرة، وأشار إلى “حرص مصر على دعم الشعب الليبي”.
ومع ذلك، فإن القيادة المصرية لديها مخاوف مستمرة بشأن دمج الميليشيات في جيش ليبي موحد جديد. وقد تساعد قناة الاتصال المصرية القطرية في طمأنة مصر بأن القوات الموالية لقطر وتركيا، اللتين دعمتا حكومة الوفاق الوطني، لن تشكل تهديدا على الحدود الغربية لمصر.
وينبغي أن يشجع ذلك مصر على منع “حفتر” من أن يكون عقبة على طريق الوحدة. والأهم من ذلك، أن التواصل المصري مع قطر في ليبيا قد يساعد أيضا في إفساح المجال لتعزيز الحوار المصري مع تركيا، التي سعت بهدوء إلى تحسين العلاقات مع القاهرة في الأسابيع الأخيرة. وقد يكون لهذه المحادثات آثار إيجابية واسعة على الاستقرار الإقليمي.
كما أن قطر في وضع جيد للقيام بدور أكثر نشاطا في ملف سد النهضة. وبالإضافة إلى أنشطتها الاستثمارية في مصر، تمتلك قطر استثمارات كبيرة في كل من إثيوبيا والسودان، لذلك فإن لها مصلحة في التوصل إلى حل ودي للأزمة الحالية.
ويمكن للدوحة المساعدة في تهدئة التوترات المتصاعدة بين الحكومة الإثيوبية، التي تمضي بحزم إلى الأمام في ملف سد النهضة، والقيادة المصرية والسودانية، اللتين ينذر خطابهما باحتمال نشوب صراع في نهاية المطاف.
وفي 7 أبريل/نيسان الماضي، قام “عبدالفتاح البرهان”، رئيس مجلس السيادة في السودان، بأول رحلة له إلى الدوحة لإحياء قائمة طويلة من الاتفاقات الثنائية السابقة. وبحسب ما ورد تمت هذه الرحلة بالتنسيق مع مصر، التي واصلت السعي لتوثيق العلاقات مع السودان وقد تجلى ذلك في التعاون العسكري وزيارة “السيسي” إلى الخرطوم في الأسابيع الأخيرة.
ومع استمرار المناقشات المعقدة حول من سيتوسط في أزمة سد النهضة، يمكن لقطر أن تلعب دورا غير مباشر، بحيث تدعم التعاون المصري والسوداني، بينما تضغط على إثيوبيا لجعل موقفها أكثر مرونة.
وفي نهاية المطاف، سيستغرق التعاون القطري والمصري في أي من الأمور المذكورة أعلاه وقتا لبناء الثقة التي يمكن أن تضعف بسبب أي تطورات مفاجئة، فضلا عن الخطاب النقدي المستمر لوسائل الإعلام المدعومة من الدولة في كلا البلدين تجاه بعضهما البعض. ومع ذلك، فإن التقدم ممكن بل وأكثر احتمالا إذا تم تشجيعه من قبل إدارة “بايدن”.
نهج إدارة “بايدن”
لكن كيف تنظر واشنطن إلى العلاقات القطرية المصرية؟ كان التقارب بين قطر وجيرانها هو الهدف الأمريكي منذ بدء الخلاف مع قطر عام 2017، وهو أحد النقاط الرئيسية التي استمرت بين إدارة “ترامب” وإدارة “بايدن” تجاه المنطقة.
ويعد تعزيز الحوار والتعاون إيجابيا لمصالح الولايات المتحدة، ويمكن أن يشجع البيت الأبيض قطر ومصر وجيرانهما على التركيز على المجالات ذات الاهتمام المشترك مع الولايات المتحدة، بما في ذلك إيران.
ومن المؤكد أن المسؤولين الأمريكيين قد يرون تحديات محتملة في العلاقات المصرية القطرية المتنامية. على سبيل المثال، فإن إمكانية دعم قطر للعلاقات المصرية المتزايدة مع تركيا قد يجمع بين حكومتين أظهرتا بالفعل شهية للمخاطرة بالتعرض لعقوبات الولايات المتحدة من خلال شراء أسلحة روسية، بالرغم أن كليهما شريكان للولايات المتحدة في نهاية المطاف.
وإجمالا، من المرجح أن يؤدي التعاون القطري المصري إلى مزيد من التماشي مع أجندة إدارة “بايدن” المتمثلة في تعزيز الدبلوماسية في المنطقة في وقت تعيد فيه الولايات المتحدة تقييم تواجدها العسكري، الأمر الذي يجلب فوائد أكثر بكثير من المخاطر لكل من القاهرة والدوحة وكذلك لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.