طلال أبوغزاله يكتب لـ “الأمة”: الاتّحَاد الأورُوبي وجامِعة الدّول العَربيّة.. تَشابُهُ الحَال واخْتِلافُ الأحْوَال
لقد نشأ الاتّحاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، عام 1944، قبل عام واحد فقط من نشأة جامعة الدول العربية عام 1945م. ثم جاءت (خطة مارشال) لإعادة إعمار أوروبا بعد تدميرها في تلك الحرب، وكان هذا التدمير أسوء مما نراه في بلادنا العربية حتى لا نستغرب إذا قلنا: “إن التاريخ يشهد على قسوة الإنسان وظلمه لأخيه الإنسان”!
إنّ الاتّحاد الأوروبيّ ظاهرة غريبة؛ فليس بين الدّول الأعضاء شيء مشترك سوى الرّغبة في إنشائه، ومع ذلك نشأ هذا الاتّحاد الذي يضم الآن 27 دولة، وأصبح الحلم حقيقة. ومن المؤسف أنّ هذا لم يحصل عند أمّة العرب بما يجمعها من لغة وتاريخ وأنظمة.
أقدّر أن جامعة الدّول العربيّة نشأت بشكل خاطئ، وهي تضع أسس الوحدة، قبل الأسس الاقتصاديّة المشتركة. أما وقد فرض الكساد الكبير علينا وعلى العالم كلّه نفسه فقد جاءتنا الفرصة لكي نعيد التّفكير، وننتقل من طلب المساعدات والمنح، إلى الاعتماد على الشّراكة العربيّة العربيّة، الشّراكة لا تعني المشاركة بالسّيادة، بل بالخطط لأنّ الشّراكة الاقتصاديّة لا تؤثر على السّيادة مطلقًا.
أتمنى أن يتم ذلك وأن نبدأ بإنشاء “تكتّلّ عربيّ” في ظل الجامعة العربية التي هي بكل فخر (بيت العرب) مع علمنا بالظروف العالمية التي تفرض نفسها على قراراتها السياسية وتصعّب من مهمتها أيضًا، ولكن بالتأكيد أنه لا يفرض علينا أحد في العالم ألا نرعى مصالح بعضنا البعض بأي صيغة من الصّيغ!
إن هذه الأمة العربية العظيمة تستحق أن تعيد التخطيط للانطلاق بها إلى مستوى العالميّة.. لذلك وكما يقال: “أفضل طريق لتوقع المستقبل هو صنعه”.
وإننا لا ننتظر وحدة مشتركة على كافة الأصعدة العربية، فعمليًّا لم تضق الفجوة بين دول الاتّحاد الأوروبيّ، رغم الاتّحاد، بل ظهرت سلبيات أخرى كان آخرها ما تسبّبت به جائحة الوباء العالمي التي تمثّلت بعلوّ الأنانيّة، والانفرادية على حساب المشاركة والوحدة!
فالاتّحاد يبقي على الخصوصيّة ولكنه يحقق التكامليّة من فتح للحدود، وتسهيل لحركة التنقّل، والأفراد والسّلع ورأس المال. وهذا حلمي وحلم أي شاب عربي متحمّس للوحدة العربيّة.
فهل سنشهد عصرًا جديدًا لفكرة الجامعة العربية كي تكون (فكرة واقعية) مثل الاتحاد الأوروبي أو الأمريكي؟ ولقد آن الأوان لتشكيل مجموعة عربيّة؛ تسير قدما لتحقيق هذا الحلم بمبادرة من الجامعة العربية أو من قيادة عربية بعيدًا عن السياسة مثلما حدث في أوروبا.
فدعونا نبدأ مشروعًا تحضيريًّا؛ لإعادة إعمار المنطقة العربية على غرار الاتحاد الأوروبي. وعلينا أن نبقي في ذاكرتنا ما قاله صندوق النّقد الدّوليّ: “إن خروج الدّول من الأزمة الاقتصادية والكساد يعتمد على ما تتخذه من توقيت لاتخاذ خطوات”. فنحن أمّة عظيمة لها كرامة. وإننا يجب ألا نطلب دعمًا أو معونة من أحد، بل علينا إعداد (خطة شراكة) بيننا يستفيد منها العرب جميعًا. هذا رأيي كمواطن يتكلّم بعزّة وكرامة وثقة بالعربيّة وأهلها