الإخوان … سردية انتهت تنظيمًا وبقيت آثارها في الوعي

بقلم د. غادة محفوظ
خبيرة التنمية الاجتماعية
لم تعد جماعة الإخوان في مصر ظاهرة سياسية تستدعي التضخيم أو الانشغال، فقد أسقطها المجتمع والدولة معًا، وانتهى ثقلها التنظيمي وانكشفت أدواتها. لكن تبقى آثارها المستترة في الوعي والسلوك والذاكرة المجتمعية بحاجة دائمة إلى قراءة موضوعية، لأن المعركة الحقيقية لم تكن يومًا مع تنظيم، بل مع الفكر الذى حاول أن يتسلل إلى الفراغات النفسية والاجتماعية للمواطن المصري.
الإخوان لم يسقطوا لأن الدولة واجهتهم فقط، بل لأن المجتمع نفسه لفظهم عندما اكتشف أنه كان أمام مشروع يستند إلى تفكيك الهوية وتزييف الانتماء وتقديم الجماعة كبديل للوطن. وفى اللحظة التي انتصر فيها المصريون لذاتهم ووعّيهم وذاكرتهم، فقد التنظيم جذوره وانهارت شرعيته الشعبية قبل سقوطه السياسي.
ورغم أن التنظيم تراجع وانكشفت بنيته وأدواته، إلا أن بعض الخطاب الذى تركه خلفه ما زال يتسلل عبر مساحات التواصل الاجتماعى، من خلال صفحات وخلايا إلكترونية تحاول إعادة تدوير اليأس، أو إحياء الشكوك، أو ضرب الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. هذه المحاولات لا تعبّر عن قوة الجماعة بقدر ما تعكس هشاشتها وعجزها عن العودة إلى المشهد، لكنها تفرض على المجتمع أن يبقى يقظًا، لأن الوعي لا يُبنى مرة واحدة، بل يُصان كل يوم.
الأمن القومي في هذه المرحلة يلعب دورًا بالغ الأهمية في حماية الهوية الجامعة للمصريين، وحماية الوعي القومي من محاولات التزييف، وتعزيز الانتماء في مواجهة أي خطاب يسعى لشق الصف أو خلق حالة انفصال بين المواطن والدولة. فالقضية هنا ليست مواجهة تيار بعينه، بل تحصين العقل الجمعي، وبناء جدار ثقافي ونفسي يمنع أي فكر ظلامي من استغلال احتياجات الناس أو اللعب على مشاعرهم أو محاولة إضعاف ثقتهم في وطنهم.
الدفاع عن الهوية الوطنية لم يعد مجرد عمل أمني أو سياسي، بل أصبح مشروعًا اجتماعيًا وثقافيًا يتكامل فيه الجميع: مؤسسات الدولة، الإعلام، التعليم، المجتمع المدني، وصنّاع الفكر. فالمواجهة الحقيقية ليست بالسلاح، بل بالمعرفة؛ وليست بالعنف، بل بتعزيز الثقة؛ وليست بإسقاط جماعة، بل ببناء وعي قادر على حماية نفسه من أي محاولات اختراق.
لقد أثبت الشعب المصري في أصعب اللحظات أنه يملك القدرة على كشف الزيف، وأنه يقف دائمًا مع الدولة عندما يتعلق الأمر بهويته ومستقبله. وما تحتاجه مصر اليوم ليس النظر إلى الخلف، بل استكمال مسار الوعي الذى بدأه المواطن بنفسه، وتحصين الأجيال الجديدة حتى لا تقع فريسة لأفكار مضللة أو خطابات هدامة.
إن الجماعة انتهت بوصفها تنظيمًا، لكن تبقى مسؤوليتنا كمجتمع وكمثقفين وكمهتمين بالشأن العام أن نغلق الأبواب التى تسللت منها أفكارها، وأن نرسّخ قيم الانتماء والوعي الوطني، وأن ندعم دور الدولة والأمن القومي في حماية هذا الوعي وصونه. فالمعركة الحقيقية اليوم ليست ضد جماعة، بل من أجل وطن



