الخيانة والوطنية في العالم العربي

كتبت د ليلي الهمامي
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن
لا أحبذ ثنائية الخيانة والوطنية وكل تلك الاخلاقوية المترتبة عن هذه الثنائية. لكنني أعتقد أن هنالك بالفعل، سياسات مدمرة للعالم العربي. هنالك سياسات انعزالية وانفصالية، لا تؤمن الا بالمصالح الضيقة، مصالح طبقية ضيقة، مصالح طائفية ضيقة، مصالح قطرية ضيقة…
وفي واقع الأمر، ليس هنالك قطرية ضيقة إلا اذا ما تداخلت مع المصالح الطبقية: طبقة سماسرة، وطبقة تجار، خارج مبدأ العمل من أجل الصالح العام…
هنالك شؤون عربية لابد من أن تعالَج، وأن تُعالج بصراحة..، بعيدا عن التنميق، وبعيدا عن الإسفاف والمبالغة.
أعتقد ان هنالك ضرورة لأن نؤسس وأن نرسي آلية ومنهجية الحكم الرشيد في مختلف القطاعات، وداخل كل المؤسسات دون تمييز. لدينا إشكال حقيقي في هذا. لدينا إشكال في إهدار الثروات وإهدار الامكانات، وسوء تصرف في الموارد المتاحة لنا.
عندما دعوت في السابق لتأسيس مركز بحث عربي موحَّد في مختلف القطاعات والمجالات، أردت أن يكون الشأن العربي معالَجا بعقل عربي. التوصيات والتوجيهات الصادرة عن مؤسسات الترقيم العالمي ومؤسسات المالية العالمية (ارتيكل 4 مثلا) ، على دقتها، لا يمكن أن تكون بالدقة التي من المفروض أن تصدر عن مراكز بحث عربية. الدقة لا يمكن أن تكون الا عربية خاصة، لا يمكن أن تصدر الا على من تمكن، وهو متمكن بطبيعة الحال، من خصوصيات الواقع العربي، خصوصيات تاريخية، خصوصيات سوسيولوجية، خصوصيات قِيمية، سياقات خاصة لأحداث وأشخاص…
نجاح سياسة ما في هذا البلد لا يمكن أن تكون مضمونة في بلد آخر. التعميم الذي تبادر إليه مؤسسات المالية العالمية وتحاول تقليله، هو تعميم غالبا ما يكون غير موفّق، من حيث أنه يفتقد الى الدقة والخصوصية، يفتقد الى التخصيص الدقيق.
لذلك أعود وأقول بأن علينا، بالفعل، أن نؤسس شيئا ما، شبيها بمراكز البحث الموحدة.
الجامعة العربية من المفروض أن تنتج دراسات معمقة، وأن تكون لها بالفعل، مؤسسة مرافقة، للبحث في المجال الاقتصادي، للبحث في المجال العسكري، للبحث في المجال الديموغرافي، وفي كل مجالات، وفق ايضا طلب الدول الاعضاء. وتُنشر هذه الدراسات اذا ما وافقت تلك الدول، أعتقد أنه يمكننا التقدم في اتجاه ما من شانه أن يشكل أساسا وركيزة لعمل عربي فعّال ومنتج… التعثرات واردة وممكنة وعادية وطبيعية، علينا أن لا نخشى الخطأ والتأخر الذي نحن عليه، بل علينا ان نخشى، وعلينا ان نحرّم، علينا ان نجرّم عدم المحاولة.
د. ليلى الهمامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى