روبلوكس بين المتعة والمخاطر: قراءة قانونية في ضوء التغييرات الأخيرة في الإمارات

بقلم المحامي والمستشار القانوني : عمر العوضي

تشهد الساحة الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة تطورات متسارعة مع ازدياد انتشار الألعاب الإلكترونية بين فئة الأطفال واليافعين، ولعل لعبة روبلوكس (Roblox) تمثل واحدة من أكثر هذه الألعاب شيوعاً. مؤخراً، أعلنت المنصة عن تغييرات تتعلق بخدماتها في الإمارات، وهو ما أعاد الجدل حول تأثير هذه الألعاب على النشء، وحدود الرقابة الأسرية والقانونية لحمايتهم.

فاللعبة جذبت ملايين الأطفال حيث تقوم روبلوكس على مبدأ تفاعلي يتيح للاعبين إنشاء عوالم افتراضية خاصة بهم أو الانضمام إلى عوالم صنعها آخرون. هذا النموذج التشاركي جعلها بيئة خصبة للإبداع والتعلم، لكنه في الوقت نفسه فتح الباب لمخاطر متعددة مثل التعرض لمحتوى غير مناسب، أو الاستدراج من قبل أشخاص مجهولين، أو حتى الانخراط في معاملات مالية غير منظمة من خلال شراء عناصر افتراضية.، وعدد من الدول اتخذ خطوات متشددة تجاه هذه اللعبة، إذ منعتها أو قيدت استخدامها بعد ورود شكاوى تتعلق بسلامة الأطفال، أو بتضمنها لمحتوى غير لائق، أو بسلوكيات قد تُعرّض القُصّر لمخاطر نفسية واجتماعية. هذه التجارب الدولية تسلط الضوء على الحاجة إلى مقاربة متوازنة بين إتاحة فرص الترفيه الرقمي من جهة، وضمان حماية حقوق الطفل من جهة أخرى.

وللعبة بشكل عام مخاطر نفسية واجتماعية منها الإدمان الرقمي: قضاء ساعات طويلة في بيئات افتراضية قد يؤدي إلى الانعزال الاجتماعي وضعف التحصيل الدراسي والمحتوى غير الملائم تجعل من الصعب السيطرة الكاملة على ما يتعرض له الطفل.، والتنمر الإلكتروني داخل اللعبة قد تكون بيئة خصبة للاستغلال النفسي. بالإضافة الى المعاملات المالية، فشراء “روبكس” (العملة الافتراضية) يفتح الباب أمام استغلال الأطفال مالياً أو خداعهم في عمليات غير آمنة.

ودائما الإمارات من الدول السباقة في سن التشريعات لحماية الطفل في البيئة الرقمية. ومن أبرز النصوص ذات الصلة، القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل (قانون وديمة)، الذي أكد على حماية القاصر من جميع أشكال الإيذاء أو الاستغلال بما في ذلك الاستغلال الإلكتروني.، والقانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، والذي يجرم أي محتوى يهدد أمن المجتمع أو يعرض الأطفال لمخاطر الاستغلال عبر الإنترنت.، وسياسات هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، التي تفرض ضوابط على الألعاب الإلكترونية بما يضمن توافقها مع معايير الأخلاق العامة وحماية المستخدمين.، وهذه المنظومة القانونية تعزز صلاحيات السلطات الإماراتية في مراقبة الألعاب الرقمية وحجب ما يضر بالصغار، مع تحميل أولياء الأمور مسؤولية رقابة الأبناء وتوعيتهم.

فلا يمكن تحميل المسؤولية كاملة على المشرّع أو الجهات الرقابية، إذ تتحمل المنصات الرقمية مثل روبلوكس التزاماً قانونياً وأخلاقياً بضمان بيئة آمنة للأطفال، من خلال تعزيز أدوات المراقبة الأبوية، ومنع أي محتوى مسيء أو استغلالي. في المقابل، فإن الرقابة الأبوية الواعية تبقى خط الدفاع الأول، عبر متابعة نشاط الطفل وتحديد أوقات اللعب وتوجيهه لاستخدام المنصات التعليمية الآمنة.

وتعد التغييرات الأخيرة التي أعلنتها روبلوكس في الإمارات قد تمثل خطوة في اتجاه الامتثال للمعايير القانونية المحلية، لكن يبقى التحدي الأكبر في التطبيق العملي. فلعبة روبلوكس وغيرها من الألعاب الإلكترونية ليست شراً مطلقاً ولا خيراً مطلقاً، بل هي أدوات عصرية قد تحمل فوائد تعليمية وترفيهية إذا استُخدمت في إطار منظم وآمن. غير أن المخاطر التي قد تنشأ عنها، خصوصاً في غياب رقابة صارمة، تجعل من الضروري أن تتكامل الأدوار بين الدولة، والمجتمع، والأسرة. فحماية الطفل في البيئة الرقمية ليست خياراً، بل التزاماً قانونياً وأخلاقياً لضمان جيل قادر على الاستفادة من التكنولوجيا دون أن يقع ضحية لمخاطرها

كما يجب تعزيز حماية الأطفال في البيئة الرقمية، وإطلاق برامج توعية وطنية: موجهة للأطفال والأسر، تشرح مخاطر الألعاب الإلكترونية، وكيفية الاستخدام الآمن والمسؤول للتقنيات الحديثة.، وتغليظ العقوبات على الاستغلال الإلكتروني, وذلك لمواجهة أي محاولات لاستدراج القُصّر أو استغلالهم مالياً أو نفسياً عبر هذه الألعاب. وتشجيع البدائل الآمنة: دعم منصات ألعاب محلية أو إقليمية تراعي الخصوصية الثقافية والأمنية، وتوفر بيئة تعليمية وترفيهية متوازنة.

من منظور قانوني، تظل مسؤولية حماية الطفل مسؤولية تضامنية بين الدولة والمنصات والأسر. ولأن الإمارات وضعت الإطار التشريعي المتكامل، فإن التحدي الحقيقي يكمن في التطبيق العملي والوعي المجتمعي. وإذا كان الابتكار الرقمي حقيقة لا مفر منها، فإن حماية حقوق الطفل تبقى خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى