لبنان .. إلى جهنّم دُر

لبنان .. إلى جهنّم دُر

مفتاح حلّ الأزمات يكمن بتشكيل حكومة تكون محل رضا الأطراف الداخلية والمجتمع الدولي.

هل يختار رئيس الجمهورية والأطراف السياسية المتحالف معه شخصية سُنّية من خارج الإجماع السُنّي ويفرضها أمراً واقعاً؟

ارتفع سعر صرف الدولار بالسوق الموازية إلى 23 ألف ليرة لأول مرّة وهو سعر مرشّح للارتفاع في ضوء تأزّم الوضع السياسي وانسداد أفق الحلول.

لبنان يندفع اندفاعاً دون كوابح، نحو “جهنّم” التي تحدّث عنها رئيس الجمهورية ذات يوم عندما سألته صحافية: “لوين رايحين”، فأجابها في حينه: “ع جهنّم”.

الأخطر لجوء البعض لاستخدام الشارع أو القوة أو العنف والفوضى لإحداث خرق بجدار الأزمة الكثيف ثم الانتقال إلى واقع جديد يكون محكوماً بموازين جديدة!

*     *     *

وأخيراً، فعلها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، وأعلن اعتذاره عن تشكيل الحكومة، بعدما انتهت مساعيه إلى حائط مسدود بعد مضي قرابة تسعة أشهر على تكليفه، وبسبب منطق التعطيل الذي اتبعه رئيس الجمهورية، ميشال عون، وفريقه، وفقاً لاتهام الحريري، أو بسبب عدم القبول بتغيير التشكيلة أو تعديلها واختلال المعايير، وفقاً لتوضيح رئيس الجمهورية.

ليس مهمّاً من هو المسؤول وما هو السبب في تعطيل تشكيل الحكومة، وإنْ كان من الضروري محاسبة أو مساءلة من قام بذلك وأوصل البلد إلى ما وصل إليه على أقلّ تقدير. وليس مهمّاً أيضاً الأسباب وراء التعطيل، وتالياً وراء الأزمة التي يعيشها لبنان، وباتت تهدّد الكيان برمته.

وإن كان هناك من يُرجِع الأزمة إلى أسبابٍ داخليةٍ تتصل بمواقف الأطراف السياسية الداخلية ومنطق المحاصصة والكيدية التي تحكمها، ومن يُرجِع الأزمة إلى أسباب خارجية تتصل بالصراع على النفوذ وتحديده في المنطقة بين القوى الدولية والإقليمية.

المهم الآن أنّ لبنان يتجه أو يندفع اندفاعاً، ومن دون كوابح، نحو “جهنّم” التي تحدّث عنها رئيس الجمهورية ذات يوم عندما سألته صحافية: “لوين رايحين”، فأجابها في حينه: “ع جهنّم”.

لبنان بعد اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة، وفي ضوء انسداد أفق الحلّ السياسي، يتجه نحو المجهول، أو نحو “جهنّم”، وأول هذه البوادر ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى 23000 ليرة لأول مرّة، وهو سعر مرشّح للارتفاع في ضوء تأزّم الوضع السياسي وانسداد أفق الحلول.

ودستورياً رئيس الجمهورية مُلزمٌ بإجراء استشارات نيابية مُلزِمة لتسمية شخصية مسلمة سُنّية لتشكل الحكومة، وقد أفاد مكتب الرئاسة الأولى بأنّ الرئيس عون سيحدّد قريباً موعداً لإجراء تلك الاستشارات، غير أنّ إجراء الاستشارات شيء، وتشكيل الحكومة شيء آخر، والخروج من الأزمة التي يعيشها لبنان شيء ثالث.

السيناريو الأول لتلك الاستشارات المُلزمة قد يعيد تسمية سعد الحريري لتشكيل الحكومة. وفي هذه الحالة، سيكون لبنان أمام مشهد مشابه للمشهد الذي عاشه خلال الشهور التسعة الماضية. بمعنى آخر، ستعود الأمور إلى المربع الأول.

وبالتالي، هذا السيناريو، فيما لو حصل، سيعني دخول المجلس النيابي ورئيس الجمهورية في تحدٍّ مفتوح ومكشوف، وهذا قد يفتح البلد على مواجهة صعبة ومعقدة، قد يكون الشارع حاسماً فيها.

السيناريو الثاني أن يزكّي الرئيس المعتذر سعد الحريري، وهو بالمناسبة رئيس أكبر كتلة نيابية، وزعيم المسلمين السُنّة الأول في لبنان، شخصية سُنّية لتشكيل الحكومة، كما حصل قبل حوالي عام عندما زكّى الحريري اسم السفير اللبناني لدى برلين، مصطفى أديب، لتشكيل الحكومة.

غير أنّ الحريري، ومن خلفه رؤساء الحكومات السابقون ودار الفتوى في لبنان وقوى سُنّية عديدة لا يفضّلون الذهاب إلى خيار التنازل، وتغطية أيّة شخصية سُنّية لرئاسة الحكومة، تلبية لرغبة الرئيس عون، لأنّ ذلك يُعدّ في لبنان بمثابة خسارة وتنازل عن موقع وصلاحية لمكوّن أساسي في نظام سياسي يقوم أساساً على مبدأ التقاسم والتوزيع الطائفي.

وبالتالي، ليس مثل هذا الخيار مطروحاً حالياً، حتى إنّ أيّة شخصية سُنّية سياسية لا يمكن أن تقارب هذا الموضوع، لأنّه في مثل هذه الظروف سيكون بمثابة انتحار سياسي لها. وبالتالي، ذلك سيجعل المشكلة على حالها، وقد يفتح أبواب البلد على رياحٍ ساخنة عند كل منعطف جديد.

السيناريو الثالث أن يختار رئيس الجمهورية والأطراف السياسية المتحالف معه شخصية سُنّية من خارج الإجماع السُنّي، ويفرضها أمراً واقعاً، كما حصل من قبل مع حكومة الرئيس حسّان دياب.

غير أنّ هذا السيناريو سيعني، بالضرورة، إعادة إنتاج الأزمة في وقتٍ يوقن الجميع أنّ مفتاح حلّ الأزمات يكمن بتشكيل حكومة تكون محل رضا الأطراف الداخلية والمجتمع الدولي، ومثل هذا السيناريو لا يلبّي تطلعات الداخل أو المجتمع الدولي، وبالتالي ستكون حكومة محكومة بالفشل مسبقاً تماماً، كحكومة حسّان دياب.

السيناريو الرابع والأخطر بينها لجوء بعضهم إلى استخدام الشارع أو القوة أو العنف والفوضى، من أجل إحداث خرق في جدار الأزمة الكثيف، ثم الانتقال إلى واقع جديد يكون محكوماً بموازين جديدة.

وهنا الخطورة، لأنّ من شأن ذلك أن يدخل البلد في أتون صراعات المحاور، وهو ما قد يعني إعادة إنتاج الحرب الأهلية، وصولاً إلى التدخّل الخارجي في لبنان تحت العنوان الإنساني.

وهو ما أشارت إليه تقارير نُشرت أخيراً؛ أو دفعاً باتجاه إعادة إنتاج صيغة جديدة للبنان، تكون مختلفة عن الصيغة الحالية للنظام السياسي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ فكرة اعتماد النظام الفدرالي في لبنان طُرحت قبل مدة على موائد بعض الجهات المحلية.

في مطلق الأحوال، وبغضّ النظر عن هذه السيناريوهات، يتجه البلد الآن نحو المجهول المخيف، إلّا إذا جرى الاتفاق، في اللحظات الأخيرة، على تشكيل حكومة وظيفتها الوحيدة إدارة الانتخابات النيابية المفترضة ربيع عام 2022، لتدارك الانهيار الكبير الذي ينذر بزوال الكيان.

* وائل نجم كاتب صحفي لبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى