درب الحج القديم من مصر وبلاد المغرب و الشمال الأفريقى عبر سيناء (١)

 

بقلم / سهام عزالدين جبريل

دكتوراه في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية
-زمالة الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية العليا – عضو البرلمان المصري سابقًا
-كاتبة صحفية ومحللة استراتيجية

تمثل دورب الحج القديمة محطات تنقل بين الصحراء العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج ولكل محطة حكايات وأنشطة وفعاليات عاشها و مارسها الأجداد عبر هذه الطرق التاريخية حيث كانت تمتد الرحلات شهورا عديدة فكان الحجيج يأتون من بلادهم متجهين إلى بلاد الحرمين قاصدين مكة المكرمة والمدينة المنورة عبر قوافل برية من كل صوب لتجمع على تأدية ركن هام من أركان الإسلام الحنيف وكانت مصر أحد المحطات الرئيسية فى طرق الحج عبر صحراء سيناء الذى تعتبر من أهم المحطات التى يلتقى فيها حجاج المغرب والشام متجهين الى الاراضي المقدسة وحتى نعيش حكايات الأجداد ودروب سفرهم لنبدأ فى هذا الجزء بعرض مايلى

١. الخلفية التاريخية العامة
فمنذ بدايات العصر الإسلامي، أصبحت مصر معبرًا أساسيًا لمرور حجاج بلاد المغرب الأقصى (المغرب العربي والأندلس وغرب إفريقيا)، الذين كانوا يصلون بحرًا إلى الإسكندرية، ثم ينتقلون إلى القاهرة ليبدأوا رحلتهم البرية نحو الحجاز عبر طريق يُعرف بـ”درب الحج المصري” .

في القاهرة، كانت تخرج “كسوة الكعبة” ضمن موكب المحمل، يسبق قوافل الحجاج، ويترافق معه احتفالات دينية وشعبية كبيرة .

٢. مراحل طريق الحجاج عبر سيناء
ينقسم طريق الحج إلى ثلاث مراحل رئيسية عبر العصور الإسلامية حتى القرن التاسع عشر:
1. المرحلة الأولى: من الفتح الإسلامي حتى أواخر العصر الفاطمي.

2. المرحلة الثانية: من أواخر العصر الفاطمي حتى بداية حكم المماليك.

3. المرحلة الثالثة: من أوائل المماليك حتى عام ~1885م، حين تحول المسلك البحري لأكثر الطرق استخدامًا .

٣. مسار الطريق وتفاصيله الجغرافية
تبدأ القوافل عند “بركة الحاج” شمال القاهرة حيث يتجمع الحجيج ويقيمون للأسواق والتزود بالمزاد والعتاد استعداد لرحلتهم الطويلة التى تستغرق مراحل عبر الطريق فمن القاهرة إلى خليج السويس عابربن إلى عجرود، ثم إلى نخل، ومن ثم إلى قلعة العقبة (عقبة أيلة) .

وتقسم كل مرحلة (بركة الحاج → عجرود → نخل → العقبة) تُقطع خلال حوالي 3 أيام سيرًا على الأقدام، حيث تكون المسافات 150 و150 و200 كم على التوالي .

بعد الوصول إلى العقبة، تستمر القوافل على طول البحر الأحمر عبر مدن مثل حقل المثلث ومدين وينبع ورابغ، للوصول إلى مكة المكرمة .

٤. محطات الخدمات والأنشطة الثقافية
مدينة نخل بوسط سيناء: شهدت أنشطة مكثّفة أثناء الحج، مثل وجود خان للإقامة، وخانقاوات، وسوق تجاري، وأفران خبز، وآبار مياه وصهاريج، إلى جانب حماية من القبائل المحلية من أبناء سيناء .
دبّة البغلة: تضم نقش السلطان المملوكي قنصوة الغوري، يتضمن آيات قرآنية ونصًا يذكر دوره في تمهيد الطريق للحجاج .

الآبار، الخانات والقلاع: أنشأتها الدولة الأيوبية والمملوكية، وأُنشئت في مواقع استراتيجية مثل بركة الحاج، عجرود، نخل، دبة البغلة، قلعة نخل، وعقبة أيلة .
٥. الحضارة المتبادلة والثقافات المشتركة

في كل محطة، كان الحجاج يتبادلون سلعًا وعادات ومعدات — سوق نخل وقلعتها كان محطة للتزود وتبادل البضائع بين الحجاج والتجار من سيناء، مثل فواكه، خبز، وغيرها .

القبائل المحلية كانت تلعب دورًا هاما في عملية تأمين الطريق: مثل الحويطات والقبائل الأخرى الذين كانوا يقدمون جمالًا لحراسة المحمل سنويًا، فيما يُعرف بـ”الفرش” ـ وهو نوع من الحماية المقوّمة مالياً .

المحمل نفسه كان يمثل مركزًا ثقافيًا ودينيًا — موكبًا احتفاليًا يجمع الناس على الطقوس والدين، وهو امتداد للقاء الثقافي وتبادل الفنون والتقاليد بين الحجاج من مناطق متعددة
وقد شهدت مواسم الحج قديما
محطات هامة عبر الطريق كما ذكرنا فمن :
بركة الحاج، عجرود، نخل، دُبّة البغلة، قلعة العقبة، ومواقع ما بعد العقبة على البحر الأحمر.

كما أن الدور الاجتماعي والاقتصادي كان من أحد أهم الأنشطة الموسمية التى تعود بالمنافع على الناس فقد كان هناك دور قوى للأسواق، فى عملية التبادل التجاري،وتعلم الصناعات مثل الخبز والخانات، وحماية الطريق من قِبل القبائل.

هذا إلى الجانب الثقافي والحسي: من خلال مشاهد الاحتفالات بمسيرة المحمل، أدوار الحجاج ـ من الأندلس، المغرب، وغرب إفريقيا ـ في بناء التراث الثقافي وتبادل العادات والتقاليد فى الملبس والمأكل والحكايات والسرد والقصص وتبادل الثقافات ويصل الأمر إلى توطيد علاقات النسب والتصاهر بين القادمين

حيث نجد فى هذه الرحلة الإيمانية تطبيق حقيقيا لقول المولى عز وجل فى سورة الحج
“ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات” هذه الآية الكريمة من سورة الحج في القرآن الكريم، ترجمت القيمة المكانية والايمانية والمعنى العظيم من مسيرة الحج و فى هذا الركن الهام الذى قصد فيه همية تجمع الحجاج والمسلمين حيث يحضرون فعاليات وأنشكة دينية فى موسم الحج ليعود عليهم بالخير والبركة وهذا المعنى العظيم الذى جسدتها قوافل الحجيج
“ليشهدوا منافع لهم”: هذا يعني حضور المسلمين في موسم الحج ليشهدوا ويستفيدوا من المنافع الدينية والدنيوية التي يكتسبونها في الحج.
“ويذكروا اسم الله في أيام معلومات”: والتى تشير إلى ذكر الله تعالى في أيام محددة ومشهورة، وهي أيام العشر الأوائل من ذي الحجة وأيام التشريق، أي أيام عيد الأضحى.
“على ما رزقهم من بهيمة الأنعام”: وهذا يعنى أنهم يذكرون اسم الله في تلك الأيام على الأضاحي والهدايا من الإبل والبقر والغنم التي يضحون بها شكراً لله على ما رزقهم.
“فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير”: بعد الأضحية، يؤكل منها ويقدم بعضها كصدقة وشكر للفقراء والمحتاجين. ةوتتجسد فيه أهمية الأيام المعلومات: المقصودة هي أيام العشر من ذي الحجة وأيام التشريق التي تتبعها، وهي أيام فاضلة تُشرع فيها العبادات وذكر الله والتقرب إليه من خلال الذبح والصدقات.
والمنافع التي تُشهد في الحج تشمل الثواب في الآخرة، ومغفرة الذنوب، وتوطيد العلاقات الاجتماعية، والترابط بين المسلمين القادمين عبر دروب الحج والتجارات التى يمارسونها والثقافات التى يتبادلونها وغيرها من الفوائد الدنيوية والبركات والذكريات العظيمة وآثارها الطيبة التى بتركها موسم الحج بين العائدين عبر دروب الصحراء ووديانها ممايعينه على تحمل سفر دروب الصحراء وتحمل المعاناة للفوز بهذا المشهد العظيم وحج البيت الحرام
ومازالت هناك بعض العلامات الأثرية على مفارق الطرق مثال :
نقش الغوري في دبّة البغلة،
لقد شهدت القلاع والخانات، مشاهد عظيمة فى موسم الحج السنوية التى ساهمت فى نمو الخدمات وتطور الطريق بالتوازي مع التغيرات السياسية والاجتماعية خلال فترات تاريخية هامة رسمت علامات على طريق الحج القديم
وصدق الله فى قوله تعالى
(وأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ (27) لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ (28) سورة الحج

ومازال للحديث بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى