“السياسة الصينية” تلعب دوراً فى تعزيز الإزدهار العالمي من خلال مبادرة الحزام والطريق

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين والشئون الآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تلعب الصين، من خلال مبادرة الحزام والطريق، دوراً فى تعزيز “الإزدهار العالمي”، إذ يُعدّ هذا الهدف المشترك لدول الجنوب العالمي. وخلال احتفال الأمم المتحدة بيوم الجنوب العالمي فى ١٢ سبتمبر ٢٠٢٥، تدعو الصين دول الجنوب العالمي إلى المشاركة الفعّالة فى إصلاح نظام الحوكمة الإقتصادية العالمية وقيادته، مما سيزيد من توحيد الدول النامية ويصبح رفيقاً لها على طريق التنمية والتعافي. وتحت قيادة الرئيس “شى جين بينغ”، تدعم الصين أيضًا الحوار الحضاري والتناغم مع التنوع بين مختلف الدول النامية فى الجنوب العالمي تحت مظلة مبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ يُمثّل هذا جوهر العالم الذي يسعى إليه الجنوب العالمى. واقترحت الصين “تعزيز التواصل والحوار ودعم بعضنا البعض فى إتباع مسار التحديث المناسب للظروف الوطنية”. كما أعلنت الصين أنها ستقود إنشاء “تحالف تعاون مراكز الفكر لدول الجنوب العالمى”، الذى سيضخّ زخماً جديداً فى التعلم المتبادل بين حضارات العالم.
أكد الرئيس الصيني “شى جين بينغ”، أثناء إلقائه خطابه فى “حوار قادة البريكس بلس” فى ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٤، أن “الصين ستأخذ زمام المبادرة فى إنشاء (تحالف تعاونى لمراكز الفكر فى الجنوب العالمى). وفى هذا السياق، إستضافت العاصمة الصينية بكين “مؤتمر مراكز الفكر فى الجنوب العالمى” فى ٢١ أكتوبر ٢٠٢٤. وشارك ممثلون من أكثر من ٧٠ دولة من الجنوب العالمى فى المؤتمر، الذى عُقد تحت شعار “السلام والتنمية والأمن”.
تضع الصين مبادرة الحزام والطريق كمنصة رئيسية للتعاون فيما بين بلدان الجنوب. ومن وجهة نظر أكاديمية، يمكنني تصنيف مبادرة الحزام والطريق على أنها تعاون فيما بين بلدان الجنوب، وتعاون ثلاثى، ونموذج هجين لأسباب عديدة. ومن وجهة نظرى الأكاديمية، وبصفتى خبيرة مصرية معروفة دولياً فى الشأن السياسى الصينى وسياسات الحزب الشيوعى الصينى الحاكم، أعتقد أن مبادرة الحزام والطريق الصينية بمثابة نموذج للتعاون بين الصين والدول النامية فى الجنوب العالمى، وكذلك من أجل التعاون الثلاثي. وقد أدت مبادرة الحزام والطريق الصينية، تحت شعار “العمل معاً من أجل التحديث وبناء مجتمع ذى مصير مشترك”، إلى تعزيز الثقة السياسية المتبادلة بين الصين والدول النامية في الجنوب العالمي وجميع الدول التي انضمت إليها. وقد تحقق ذلك من خلال تنسيق المواقف والسياسات للوصول إلى توافق فى الآراء بشأن القضايا الإقليمية والتحديات العالمية، مما عزز قوة دول الجنوب العالمى ورفع صوت الدول النامية، بقيادة الصين.
هنا، طرح الرئيس الصينى “شى جين بينغ” أفكاراً ومقترحات جديدة لبناء “مجتمع رفيع المستوى ذى مصير مشترك بين الصين ودول الجنوب النامية”، مع إعلان الصين عن تدابير وإجراءات جديدة للتعاون العملى مع دول الجنوب، وتناولت مواضيع جديدة، مثل: “حوكمة الدولة، والتصنيع والتحديث الزراعي، والسلام والأمن، بالإضافة إلى التعاون عالي الجودة في إطار مبادرة الحزام والطريق”، وغيرها، بما يحقق المنفعة المتبادلة للجميع، وفقًا لمبدأ الرئيس الصينى “شى جين بينغ” المعروف “الفوز المشترك والمنافع المتبادلة للجميع”.
تمثل مبادرة الحزام والطريق الصينية رحلة صينية جديدة نحو التحديث، والنهوض بمجتمع ذى مصير مشترك بين الصين ودول الجنوب، وفصلاً جديداً فى الصداقة بين الشعب الصينى وشعوب الدول النامية، مما يولد زخماً قوياً للتحديث العالمى.
من وجهة نظرى الأكاديمية، تُعدّ مبادرة الحزام والطريق الصينية محاولةً من الصين لطرح نظام إقتصادى عالمى بديل بالتعاون مع الدول النامية في الجنوب العالمي، في مواجهة سياسات الهيمنة الأمريكية. تُعارض الصين النظام الإقتصادى العالمى الحالى الذى تُهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، والقائم على (الحمائية، والأحادية، والهيمنة). لذلك، تعمل بكين على طرح رؤية بديلة لنظام إقتصادى عالمى قائم على التعاون، وهى نقطة سعى الرئيس “شى” إلى التأكيد عليها فى المنتدى، واصفاً مبادرته بأنها بديل شامل للنظام العالمى الذى تقوده واشنطن.
ولم يكن من المُستغرب، في سياق هذه الرؤية، أن يُكرّر الرئيس الصينى “شى جين بينغ” إنتقاده لما أسماه “العقوبات الأحادية، والمنافسة الجيوسياسية، وسياسات التكتلات”. وكان ذلك إشارةً ضمنيةً إلى السياسات الأمريكية الأخيرة تجاه بكين، والتي تُعتبر، من وجهة نظر واشنطن، وسيلةً للتخفيف من المخاطر، بينما تراها بكين تهدف إلى عرقلة نموها وصعودها. وقد عبّرت الصين عن هذه الرؤية أيضاً فى “الكتاب الأبيض”، الذى وصفت فيه مبادرة الحزام والطريق بأنها بديل للنموذج الإقتصادى العالمى الحالى، الذى “تهيمن عليه قلة من الدول”.
وبناءً على التحليل السابق، نفهم أسباب دعم الصين للدول النامية في الجنوب العالمي من خلال مبادرة الحزام والطريق، وجهودها لإنشاء مركز أبحاث لتحالف الدول النامية في الجنوب العالمي. لسنوات، لم تُخفِ الصين استياءها من النظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، والذي تصفه بأنه نظام قائم على الهيمنة الغربية ومعاملة الدول الأخرى بإزدواجية وإستعلاء. وتؤكد أن هذا النظام قد فشل فى حل الأزمات الدولية، مؤكدةً على الحاجة إلى نظام جديد أكثر عدلاً وفعالية. وتجادل الصين بأن النظام العالمى الحالى غير عادل ويستبعد مصالح الدول النامية، مستشهدةً بالتفاوتات الإقتصادية والتدخلات السياسية وفرض المعايير الغربية على غالبية دول العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى