عندما تتحول البلطجة من سلوك مرفوض إلى ترند

بقلم د : غادة محفوظ
لم نعد أمام مجرد ظاهرة عابرة، بل أمام خلل عميق في الوعي العام حين يتحول السلوك العنيف، الذي يفترض أن يُستنكر ويُعاقب، إلى مادة للضحك، ومصدر للترفيه، ومجال لتحقيق الشهرة.
أصبح العنف محتوى جاذبًا، وتحوّلت البلطجة من انحراف سلوكي إلى “ترند” يحصد المشاهدات والإعجابات والتعليقات.
وهنا تبدأ الأزمة الحقيقية: أن يصبح القبح قابلًا للاستهلاك… بل وللإعجاب.
من الرفض إلى الانبهار
المنصات الرقمية منحت البلطجي المسرح، وجعلت من سلوكياته مادة للمشاركة والضحك والجدل.
المجتمع الذي كان يومًا ما يستهجن هذا النموذج، بات يتفاعل معه، يشاركه، وأحيانًا يتعاطف معه.
وكلما زادت صدمة المحتوى، زادت فرص انتشاره… لا لأن الناس تؤيده، بل لأنهم “مندهشون”، غير مدركين أن الانبهار أيضًا شكل من أشكال الترويج.
حين تتحول القدوة إلى خطر
الخطر لا يتوقف عند انتشار الفيديو، بل فيما يترسخ في أذهان المتابعين، خاصة من هم في سن التكوين.
المعادلة البسيطة التي تتكرر أمامهم: من يعلو صوته، ومن يتجاوز، ومن يتعدى… يحقق انتشارًا.
وهنا تتشوه صورة النجاح، وتُستبدل القدوة الحقيقية بشخصية عنيفة، عابثة، لكنها مشهورة.
وهذه أخطر أنواع الانحراف: الانحراف في مفهوم القيمة ذاته.
المشاركة الصامتة تواطؤ
ليس من يمارس العنف فقط هو المسؤول، بل كل من يُشاهده بصمت، أو يضحك عليه، أو يشاركه دون وعي.
كل إعجاب، كل مشاركة، كل تعليق ساخر يُعيد ضخ هذا المحتوى في الذاكرة الرقمية.
نحن نصنع ما نستهلكه، ونُعلي من شأن ما نختار مشاهدته.
الصمت هنا ليس حيادًا، بل تواطؤ ضمني مع فوضى أخلاقية تتسع يومًا بعد يوم.
استعادة الوعي.. ضرورة لا رفاهية
إذا أردنا أن نواجه هذه الظاهرة، فالحل لا يبدأ من المنصات، بل من داخل كل فرد فينا.
نحتاج إلى وعي فردي بأن لكل نقرة أثر، ولكل تفاعل قيمة، ولكل مشاركة تبعات.
علينا أن نسأل أنفسنا: من أمنحه انتباهي؟ ولأي محتوى أفتح بيتي؟
المجتمع لا يتغير بالقوانين فقط، بل بالوعي، والنماذج التي نُعليها، والرسائل التي نرسّخها.
ومثلما نمت البلطجة من فراغ إعلامي وخلل قيمي، يمكن أن تنحسر حين نسترد بوصلتنا الأخلاقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى