الأقليات .. أزمة التاريخ ورهان المستقبل في العالم العربي

بقلم د : ليلي الهمامي

أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن

 

الأقليات عند العرب: ثمة معضلة يواجهها العقل العربي هي معضلة التعدد والاختلاف

في مستوى الشعار الجميل الرومانسي، دائما ما نؤكد على أننا انصار التعدد وأن في التعدد رحمة، وأن في التعدد حرية وأن في تعدد الاختيارات الممكنة ثمة رحمة.
أكيد أن هذا الشعار في منتهى الوردية والرومانسية، لكن عندما نتعاطى واقعيا وسياسيا مع اشكالية التعدد والاختلاف، نجد انفسنا امام البوابة الضيقة في مسار وحيد او مسلك وحيد هو مسلك نظرية المؤامرة.

نظربة المؤامرة ليست كما يؤكد على ذلك البعض، حالة من حالات العقل الكسول او العقل الجبان في مواجهة الاشكاليات وفي مواجهة الهندسات المتشعبة للمجتمع العربي.
اعتقد إن ثمة شيء من هذا، نعم، لكن ثمة شيء من المؤامرات التي تصاحب هذا الجسد العربي المهزوم، هذا أمز وارد وليس بالأمر المستبعد او المستهجن مطلقا.

لكن الأشكال في علاقة بالتعاطي مع الأقليات هو في الواقع كالتالي: كل المجتمعات الديمقراطية، كل المجتمعات القائمة على حرية الاجتماع، والضمير وحرية التعبير وحرية التنظم وحرية الدعاية… كل المجتمعات التي تقوم فيها السلطة على مشروعية الإرادة الشعبية، والتي تقوم على مبادئ التداول وعلى مبادئ الفصل بين السلطات وكل هذه المجتمعات ليس لديها اشكال مع الأقليات، ليس لديها اشكال مع المشكل الطائفي وليس لديها اشكال ما التعدد العرقي والجنسي و الفكري والمذهبي. فقط العرب والعرب وحدهم يرون في الأقليات اشكالبة، بل ومؤامرة، بل وعنوان فتنة، بل ايضا رأس جسر لتسرب مخابراتي… بالطبع، بكل تأكيد ليس في هذا القول ما يمكن ان يشرّع لنا الحكم بكونه هراء، ثمة شيء من هذا،، لكن السؤال المطروح لماذا لم تنجح لا فقط الأنظمة بل أيضا المجتمعات العربية، في استيعاب المختلف، ولا في استيعاب المتعدد، ولا في استيعاب الكثرة، هذه الكثرة التي تزعج عقلا يشتغل بمنطق الإجماع تزعج عقلا يعتبر في الاختلاف فتنة و”الفتنة أشد من القتل”.

المعادلة الحيوية والصحية هي تلك التي تجمع بين الوحدة والاختلاف.
جدلية الوحدة والاختلاف هي الأساس الذي من شأنه أن يجعل الحالة الاجتماعية، حالة مخصبة، بما ان الحرية في إطار التعدد ديناميكية خلاقة، تمنع حالة التوازن الحيوي الذي هو يعادل الموت بطريقة أم بأخري… منطق الأجماع، منطق لا يمكن ان يكون إنسانيا أضلا حتى لو عدنا إلى جون جاك روسو. الإجماع عملية شبه مستحيلة حتى بالمعنى الميتافيزيقي حتى بالمعنى الديني، حتى في مستوى الفقه وهذه مسالة أخري نستبعدها على الأفل من هذا الطرح ومن هذه المعالجة.
اعتقد أن الموضوع هو بالفعل موضوع استيعاب المختلف والمتعدد لان هذا جوهر الموضوع الديمقراطي. ليست الديمقراطية الأمر المقدس الذي لا يطاله النقد، الذي لا يمكن ان يشكك فيه،،، بالعكس اكثر الأنظمة القابلة للنقد، للمراجعة وللتطوير هي الأنظمة الديمقراطية.

النظام الديمقراطي حالة مثالية باعتباره كما قال تشرشل هو أقل الأنظمة السياسية سوء رغم انه يحمل العديد من المساويء لكن ميزته انه قابل للمراجعة، قابل للإصلاح في سياق تلك الديناميكية التي قلنا بانها ديناميكية لا تضم فقط أفليات في المعنى الجنسي والطائفي والعرقي بل أفليات أيضا فكرية وسياسية وإيديولوجية.

يمكن من داخل الديمقراطية السياسية إن تحول الأقلية إلي أغلبية. فقط الأغلبيات في العالم العربي لا تتغير، فقط الأغلبيات في العالم العربي أزلية.
في العالم العربي لا يمكن لأي أقلية إن تتحول في يوم من الأيام إلي أغلبية إلا في شكل كارثة؛ إما بالاحتراب او بالانقلاب بما يشبه سيناريو من السيناريوهات المفجعة والمخربة كالربيع العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى