أمل ماهر تكتب عن “ بورتوفينو “ .. البريئة التى تسكن حضن البحر 

“ بورتوفينو “ قرية صغيرة تسكن بوداعة على شاطئ الريفيرا الإيطالية ، تعشق الهدوء والصفاء والرياح والأمواج وطيور النورس فى الشتاء، والصخب والموسيقى والمراكب والسياح وأحدث الموضات وأفخم الدكاكين في فصل الصيف والمعكرونة وأطباق البحر الشهية والبيتزا وصيد الأسماك طيلة العام . قرية تحيط مبانيها الملونة بالبحر من كل جانب مكونة خليج تترقرق فيه الأمواج وتتحرك برقة لتتكسر علي الصخور وجوانب اليخوت واللنشات الفخمة لأثرياء العالم التي تتأرجح على سطح المياه بعد أن قفز منها أصحابها ليجلسوا على أحد المطاعم المطلة على البحر ليلتهموا وجبة شهية من المعكرونة الغنية بثمار البحر بينما يلهو أطفالهم مع الأسماك ، فجرسونات المطاعم اعتادوا القاء بقايا الخبر لتلتهمه الأسماك في مشهد لذيذ .
و“ بورتوفينو “ يرجع إسمها لعصر الإمبراطورية الرومانية وكان يُطلق عليها “ بورتوس دلفينى “ أي ميناء الدلافين حيث كانت تكثر بها الدلافين ثم تحورت لتصبح “ بورتوفينو “، وهي قرية صغيرة كان أغلب سكانها من الصيادين لا تزيد مساحتها عن الفين كيلومتر مربع ويعيش بها حالياً ما يقرب من ٤٠٠ شخص بينما تستقبل الآلاف من السياح يومياً فى الصيف، وهى تقع ضمن النطاق الجغرافى لمدينة “ جنوة “ الجميلة ولا تبعد أكثر من ١٧٠ كيلومتر عن “ ميلانو “ .
وقد حالفني الحظ وقمت بزيارتها مرتين في نهايات الشتاء وبالتحديد فى شهر مايو وهو الوقت الذى رأيته مثاليًا فقد كانت القرية هادئة لا تخلو من صخب بسيط وحرارة الجو معتدلة والمطاعم والمقاه تستعد لإستقبال السياح فتمتعت بجمال القرية بشكل رائع ، وأكثر ما لفت نظري الراحة النفسية التى يشعر بها القادمون للمكان فالألوان هادئة على كل المبانى والإيطاليون يعيشون حياتهم ويمارسون طقوسهم اليومية بأريحية ولا يلتفتون الى الأثرياء وأغنياء العالم الذين يمرحون فى شوارع قريتهم البسيطة ، فيمكنك أن تلاحظ فى الخليج الأشهر فى القرية والذى تتميز مبانيه الملونة بالبساطة – والذى إحتضن الحفل العالمى للفنان الإيطالى “ اندريه بوتشيلي “- بالإيطاليون يجلسون فى شرفات منازلهم لإحتساء قهوة الصباح أو لإرتشاف كأس نبيذ عند مشاهدة غروب الشمس ويمكنك أن تسمع حوارًا بين أحد السكان من شرفته مع جار له يقف فى الشارع وسرعان ما تتعالى أصوات نقاشهم ثم تنتهى بالضحكات والتحيات الى لقاء قريب وإذا رفعت نظرك الي النوافذ والشبابيك الخشبية ستجدهم ينشرون الغسيل على الحبال على الطريقة المصرية فى مشهد أقل ما يمكن أن يوصف به أنه عبقري يلخص سحر وجمال المكان مع بساطة الإنسان .
والطريق الي القرية جميل ويمر عبر عدة قرى تشبهها ولكنها لا تحظى بالشهرة نفسها وفى نفس الوقت خطير فقد كنت قادمة بالسيارة من ميلانو التى لا تبعد أكثر من ١٧٠ كيلومتراً عن القرية ويمكنك أن تتمتع بالتنوع الجغرافى فى الطريق فالبداية دائماً ما تكون مع طرق سهلة ومنبسطة وحديثة ثم تضيق لتمر عبر القرى والساحل الإيطالى ثم تجد نفسك فجأة فى وسط طريق جبلى محفوف بالمخاطر وملفوف فعلياً يمر عبر أنفاق جبلية وصخرية ومناظر رائعة الجمال تحبس الأنفاس إذا بقى فيك أنفاس من الخوف من ضيق الطريق الثعبانى الذى يسير فى إتجاهين على حافة الجبل وعلي الطريق عواكس ومرايات ليشاهد فيها سائقوا السيارات العربات القادمة من خلف زوايا الجبل ، والإيطاليون مشهورون بالجرأة وحب المغامرة والقيادة السريعة للسيارات فيمكنك أن تحبس أنفاسك حتي تصل للقرية فتسجد لله شكراً وتبدأ المتعة ، متعة السباحة والصيد والإسترخاء وتناول الطعام والصفاء النفسى.
و “ بورتوفينو “ تعد إحدى الوجهات الأساسية لرحلات السفن العالمية فتقترب السفينة من القرية ليشاهدها الركاب من البحر ويتمتعوا بإلتقاط الصور الفريدة والسباحة والغطس ثم يعودوا أدراجهم لإستكمال رحلتهم .
والقرية تضم الكثير من الفنادق الصغيرة والبنسيونات ولكنها تحتاج الى ميزانية مرتفعة بعض الشئ لأنها تعد منطقة سياحية من الطراز الأول وخاصة خليجها بمطاعمه ومقاهيه ومحلات الآيس كريم فيه ودكاكينه التى تقدم لأثرياء العالم أهم الماركات الإيطالية والعالمية ولكن هذا لا يمنع من وصول السياح محدودى الميزانية من أمثالى للتمتع بالمكان وإختيار مطعم صغير مناسب على حافة البحر لإلتهام المنتجات البحرية والتمتع بمشاهدة طيور النورس والأسماك التى القيت اليها بقطع الخبز لتلتهمها فى مشهد جميل أعاد السكينة والصفاء الى نفسي، ولكم تمنيت أن أمضى عمرى فى مكان ساحر بشبه هذه القرية البسيطة الجميلة أو يشبه القرى الخمس ” شينكوا تيرى ” التى سأحكى عنها لاحقا .
ومساءكم سعادة وسكر زيادة ❤

من كتاب ” شنطة سفر “

تحت الطبع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى