حماس فقدت السيطرة: لا قيادة ولا حوكمة في غزة – فقط فوضى ومعاناة

يارا المصري
أشعلت الحرب بين إسرائيل وإيران مرحلة جديدة لا رجعة فيها بالنسبة لقطاع غزة. حماس لم تعد تدير، بل تختبئ. في ظل القصف المتواصل، وتصاعد الجوع، والاختناق باليأس، لم يعد هناك متسع للأوهام: حماس فشلت. الحل الوحيد هو الإفراج الفوري عن الرهائن وانسحاب واضح من الحكم في غزة، قبل أن يتفاقم الوضع أكثر ويدفع السكان ثمناً أغلى.
تشهد غزة في الأشهر الأخيرة واحدة من أصعب مراحلها في التاريخ، لكن في الأسابيع القليلة الماضية، ومنذ اندلاع المواجهة الواسعة بين إسرائيل وإيران، يبدو أن القطاع يغرق أكثر في حالة من الفوضى التامة. القصف يشتد، المنظومات الإنسانية تنهار، والأمل يتلاشى. الجهة الحاكمة التي من المفترض أن تُدير وتمثّل وتحمي – اختفت. لم تعد حماس سلطة حاكمة، بل مجرد مجموعة مسلّحة بلا سيطرة، بلا مسؤولية، وعاجزة عن إدارة شعب ومستقبل.
ما بدأ كحركة نشأت من رحم الشارع تحوّل عبر السنين إلى كيان سلطوي قمعي، فشل في كل جانب من جوانب إدارة الحياة. بل وأكثر من ذلك – أدخل السكان في حروب لا تنتهي، مستخدمةً الجوع كسلاح، والسلاح كورقة تفاوض، والمدنيين كرهائن. واليوم، بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى: لا يوجد مَن يُعوَّل عليه في غزة. حماس فقدت السيطرة، ومعها – الشرعية.
في ظل استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية، تكشف الشهادات من داخل القطاع صورة قاتمة: الناس يتصارعون على فتات الخبز، يبحثون عن مياه في آبار ملوثة، ويُجبرون على النزوح مراراً وتكراراً. في غياب سلطة مركزية، ومع تزايد خطر انهيار قطاعات الصحة والرعاية، يتشكل فراغ خطير، حيث بات كل إنسان لنفسه.
حماس، التي طالما قدّمت نفسها كـ”عمود المقاومة”، لم تعد تمثل مقاومة – بل حالة من الإنكار للواقع. تتحدث بشعارات، تبث مقاطع ضبابية لمقاتلين بأسلحة، لكنها تتجنب الإجابة عن السؤال الأهم: ما هو المخطط لغزة؟ ما هو المستقبل؟ إلى أين؟
لسنوات، تمسّك البعض بسردية مفادها أن “بعد كل جولة قتال، سنعود إلى طاولة المفاوضات”، أو أن “حكومة وحدة وطنية قد تتشكل”، أو أن “اتفاقاً ما مع إسرائيل قد يُبرم”. جميعها أوهام خطيرة، استخدمتها حماس للتغطية على فشلها.
الواقع الراهن يوضح بجلاء: لن يكون هناك مفاوضات تُعيد لحماس سلطتها على غزة. لن تُمنح شرعية جديدة. لا طريق للعودة.
الحل الوحيد: انسحاب فوري، وإفراج عن الرهائن
إذا كانت لدى حماس ذرة من المسؤولية، فعليها أن تتحرك فوراً: إطلاق سراح جميع الرهائن دون شروط، وتنفيذ انسحاب كامل، واضح وعلني من كل مواقع الحكم المدني في القطاع. هذا ليس استسلاماً – بل اعتراف بديهي بأن استمرار احتجاز شعب بأكمله لم يعد ممكناً.
كل تأخير، وكل مماطلة، ستزيد الوضع سوءاً وترفع الثمن. يجب أن تدرك حماس: طالما هي متمسكة بالسلطة – لن تنهض غزة. وطالما هي متمسكة بالقوة – لن تنفتح أي آفاق. الشعب الغزي بحاجة إلى التحرر من هذه الوهم.
السؤال لا يخص حماس فقط – بل اليوم التالي
لا يمكن للمجتمع الدولي ولا للقيادة الفلسطينية في رام الله الاستمرار في الوقوف مكتوفي الأيدي. كلما طال بقاء حماس في السلطة، ازداد الألم وتأخر الإعمار. سكان غزة بحاجة إلى خطة طوارئ وطنية ودولية – ولا يمكن أن تتحقق هذه الخطة ما دامت حماس تقف في الطريق.
الآن هو وقت القرار الشجاع، المؤلم، ولكنه ضروري: أن ندرك أن مشروع حكم حماس في غزة قد انتهى. أن نفهم أن التمسك بالسلاح والشعارات القديمة لا يجلب الحرية، بل يقود فقط إلى الكارثة. حان الوقت لمواجهة الحقيقة وفتح صفحة جديدة – قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى