غزة تنتفض ضد حماس: لا مجال للمهادنة بعد اليوم

يارا المصري
غزة – في سابقة نادرة من نوعها منذ سيطرة حماس على قطاع غزة قبل أكثر من 17 عاماً، شهدت مدينة بيت لاهيا شمال القطاع مظاهرة شعبية جريئة، رفع خلالها المتظاهرون لافتات كُتب عليها “دم أطفالنا مش للبيع” و”اخرجوا من حياتنا يا حماس”. هذه ليست مجرد صرخة عابرة، بل بداية كسر حاجز الصمت والخوف الذي فرضته حماس بالقوة منذ سنوات، وهي دليل صارخ على أن الشارع الغزي بدأ يرى بوضوح أن عدو الداخل أكثر فتكًا من أي عدوان خارجي.
لطالما رفعت حماس شعار “المقاومة” لتبرير سياساتها القمعية وتغوّلها في الحكم، لكنها اليوم تجد نفسها أمام شارع غاضب، شعب منهك، ودمار شامل لم يُبقِ شيئاً تقريباً. ما حدث في 7 أكتوبر، وما تبعه من حرب مدمرة أدت إلى مقتل الآلاف ودمار البنية التحتية، كشف زيف هذا الشعار. أهالي غزة، الذين دفعوا الثمن الأغلى، بدأوا اليوم يعلنون بصوت واضح: المقاومة لا تعني التضحية بالشعب. لا يمكن لفصيل أن يدعي تمثيل قضية وطنية، بينما يُهدر أرواح الأبرياء من أجل مكاسب سياسية أو دينية ضيقة.
أحد المتظاهرين، ويدعى أبو سليمان، قال بصراحة: “نحن نريد سلامًا لا يُفرض علينا بالنار. نريد أن نعيش بكرامة. نريد أن نقرر نحن من يحكمنا، لا فصيل مسلح يعتبرنا مجرد وقود لحروبه”. صوته لم يكن وحيداً، بل ترددت كلماته على ألسنة العشرات من المواطنين الذين شعروا أخيرًا بأنهم لا يستطيعون السكوت بعد الآن. صوت الشارع بات الآن أقوى من دعاية المنصات الإعلامية التابعة لحماس.
ما إن بدأت المظاهرة حتى سارعت عناصر من الجناح المسلح لحماس إلى تفريقها بالقوة. وهذا ليس جديدًا، فقد سبق أن قُمعت مظاهرات في مخيم جباليا في أغسطس 2023 عندما خرج المواطنون احتجاجًا على انقطاع الكهرباء وغلاء المعيشة. الرد لم يكن بحوار أو استماع، بل بالهراوات والاعتقالات والتهديدات. حماس لا تحتمل النقد، وكل من يعارض يُتهم بالعمالة أو يُختطف أو يُسكت بالقوة. حرية التعبير في غزة اليوم ليست مهددة فقط، بل معدومة. لا مجال لرأي آخر، لا مكان لاحتجاج، ولا شرعية لأي صوت لا يتماشى مع خطاب الحركة.
الناشط حمزة المصري نشر عبر قناته على تلغرام دعوة مباشرة للخروج المستمر إلى الشوارع، قائلاً: “كفاكم صمتًا. لن يتغير شيء إذا لم نخاطر. لقد حان الوقت لنستعيد غزة من قبضة العصابة المسلحة التي تدّعي تمثيلنا”. دعوته لم تكن مجرد حماسة شبابية، بل تعبير صادق عن إحباط شريحة واسعة من المواطنين الذين يشعرون أنهم فقدوا السيطرة على مصيرهم. كل لحظة صمت إضافية هي فرصة إضافية لحماس لتثبيت أقدامها.
لا تكفي مظاهرة واحدة. لا يكفي منشور فيسبوك. التغيير يحتاج إلى تكرار، إلى نَفَس طويل، إلى حراك شعبي لا يتوقف. على المواطنين أن يفهموا أن مستقبلهم لا يجب أن يكون رهينة لمن اختطف القرار الفلسطيني وسجنه في قبضة السلاح والخطاب الديني المسيس. الانتفاض ضد هذا الوضع لا يجب أن يكون ردة فعل مؤقتة، بل بداية لحركة مستمرة تستعيد الكرامة المهدورة.
المواطن الغزي اليوم أمام مفترق طرق: إما الاستسلام للخراب المستمر، أو النهوض والمطالبة برحيل من يزرع الموت والفقر باسم المقاومة. من اختار المقاومة الحقيقية، عليه أن يقاوم من يسلبه حريته. من أراد حياة لأطفاله، عليه أن يواجه من يستخدمهم كدروع بشرية. ومن أراد إنهاء الحرب، عليه أن يبدأ بإسقاط من أشعلها.
غزة لن تُشفى طالما بقيت رهينة لحكم حماس. لا إعادة إعمار، لا سلام، لا تعليم، لا علاج، ولا حتى كهرباء، طالما أن صانع الكارثة لا يزال يحكم. كل وعد بالإصلاح وهم، وكل تصريح عن الصمود كذبة. المعادلة الآن أصبحت واضحة: إما غزة الحرة، أو غزة المأجورة لحسابات خارجية لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية. والخيار بيد الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى