لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: ملحمة تحرير الكويت.. قصة وفاء شعب مصر

تحتفل هذا الاسبوع، الكويت وشعبها، ومعها شعب مصر، بأغلى ذكرياتهم في العصر الحديث، وهو يوم عيد تحرير الكويت من احتلال جيش صدام حسين. فشعب الكويت، كغيره من الشعوب العربية، له مكانة خاصة في قلوب الشعب المصري، وهو ما تجلى، بوضوح، عندما غزا صدام حسين الكويت، وأعلن ضمها للعراق، فإذا بالشعب المصري ينتفض معلناً غضبه، ورفضه، لهذا الاعتداء، وإذا بأبناء الشعب الكويتي يتدفقون إلى مصر، هرباً من بطش صدام حسين، يقيناً منهم أن مصر وطنهم الثاني.
ترجع المأساة ليوم ٢ أغسطس من عام ١٩٩٠، عندما تقدمت فرق الحرس الجمهوري العراقي، بأوامر من صدام حسين، مخترقة الحدود الكويتية، وقامت بالسيطرة على مراكز البلاد والعاصمة الكويتية، وقام الجيش العراقي بالسيطرة على الإذاعة والتليفزيون الكويتي. وبعدها بيومين، في يوم ٤ أغسطس، قامت السلطات الموالية لصدام، بتعيين حكومة صورية، في الكويت، تحت مسمى جمهورية الكويت، بزعامة علاء حسين، أحد عملاء صدام، في محاولة لإقناع العالم بأن ما يحدث في الكويت هو انقلاب عسكري، قاده الضابط الكويتي علاء حسين، الذي طلب دعم العراق للإطاحة بأمير الكويت. وبعدها أصدر صدام حسين قراراً، بتبعية الكويت للعراق واعتبارها المحافظة رقم ١٩، ضمن محافظاته.
وبالطبع، لم يصدق المجتمع الدولي، تلك المزاعم، وتباينت ردود أفعال الدول العربية، حول ذلك الحدث، بين رفض الغزو العراقي لدولة عربية، ومساندة للموقف الكويتي، من مصر والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان وسوريا والمغرب، وبين تحفظ من دول عربية أخرى، مثل الجزائر وتونس ومنظمة التحرير الفلسطينية، مما دعا السيد الشاذلي القليبي، أمين عام جامعة الدول العربية، حينئذ، والتونسي الجنسية، لإعلان استقالته.
وعلى مستوى مصر، فلا يخف على أحد الموقف الراسخ للرئيس محمد حسني مبارك، وجهوده، منذ الدقيقة الأولى، في إقناع صدام حسين بالعدول عن قراره، والانسحاب فوراً من الكويت، ولما لم ينصاع صدام حسين، دعا الرئيس مبارك لعقد قمة عربية طارئة بالقاهرة، في اليوم التالي للغزو، يوم ٣ أغسطس، لبحث العدوان العراقي على دولة الكويت العربية المستقلة، وأعلنت القمة العربية شجب الاجتياح العراقي للكويت، وطالبت صدام حسين بالانسحاب الفوري، غير المشروط.
كان الدور الذي لعبه الرئيس الراحل حسني مبارك، محل تقدير واحترام من الدول العربية، والمجتمع الدولي، والحقيقة أنه ارتكز فيه على الرأي العام المصري الرافض لغزو صدام حسين للكويت واحتلالها. ولم تكتف مصر بذلك، بل دفعت بما يقرب من ٤٠ ألف مقاتل مصري، إلى منطقة حفر الباطن، في السعودية، لتكون ثان أكبر القوى العربية، المشاركة في التحالف الدولي لتحرير الكويت، والمكون من أمريكا، والسعودية، وبريطانيا، وفرنسا، ومصر، والمغرب، والكويت، وسوريا، وعمان، وباكستان، وكندا، والإمارات، وقطر، وبنجلاديش، وكوريا الجنوبية، وأفغانستان، والأرجنتين، والنرويج، وتشكوسلوفاكيا، واليونان وبولندا، والفلبين، والدنمارك، والمجر.
ضمت القوات المصرية فرقة مشاة ميكانيكي، وفرقة مدرعة، ومجموعة صاعقة، وعناصر من الدعم النيراني واللوجستي، وقادها الفريق صلاح الحلبي، رحمه الله، والذي تولى بعد حرب الكويت منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، وعُين اللواء كمال عامر، رحمه الله. نائبا له، والذي عُين، فيما بعد، رئيساً للجنة الدفاع والأمن القومي، في البرلمان المصري. وقد جاء قرار دفع القوات المسلحة المصرية في حرب الكويت، بعد موافقة، وإجماع، من مجلس الشعب المصري، طبقاً لما قرره الدستور، وهو ما كان تعبيراً عن إرادة شعب مصر، ومشاعره تجاه شعب الكويت الشقيق.
وفي مذكراته، ذكر السيد الرئيس حسني مبارك، أن فترة غزو صدام للكويت كانت أقسى فترات حكمه، لما رآه من اعتداء دولة عربية على استقلال دولة عربية شقيقة ذات سيادة، مضيفاً أنه حمّل نفسه بمسئولية بذل كل الجهود الممكنة، حتى عودة الكويت إلى شعبها وحكومتها، وطرد صدام حسين وقواته الغازية. وفي الفترة من ١٧ يناير إلى ٢٨ فبراير ١٩٩١، بدأت عملية “عاصفة الصحراء”، وهي الحرب التي شنتها قوات التحالف، المكونة من ٣٤ دولة، بقيادة الولايات المتحدة، ضد العراق، بعد أن منح مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، تفويضاً للولايات المتحدة بتحرير الكويت، ومعها قوات التحالف.
قامت استراتيجية قوات التحالف على الاستنزاف، بهدف إضعاف الجيش العراقي، من خلال تنفيذ ضربات جوية، لمدة ٤٣ يوم، وفي يوم ٢٤ فبراير، شكلت قوات التحالف ثلاث مجموعات برية للتوغل في الأراضي الكويتية والعراقية؛ تكونت المجموعة الأولى من القوات المصرية، فقط، وكانت مهمتها التقدم باتجاه الكويت لتحريرها، وهو ما تحقق بالفعل، أما المجموعتان الثانية والثالثة، فتكونتا من باقي قوات التحالف، لمهاجمة العراق. جدير بالذكر أن القوات السورية كان لها فرقة مدرعة، في حفر الباطن، بجوار الفرق المصرية، إلا أن الرئيس السوري، آنذاك، حافظ الأسد، رفض اشتراك تلك الفرقة السورية المدرعة، في تحرير الكويت، معللاً موقفه بأنه لا يريد أن يصبح هناك ثأراً بين العراقيين والسوريين، إذا ما شاركت قواته في الهجوم، على القوات العراقية الموجودة في الكويت.
وفي يوم ٢٧ فبراير ١٩٩١، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش، الأب، تحرير الكويت بعد ١٠٠ ساعة من الحملة بالقوات البرية، وعاد للكويت سيادتها، واستقلالها، وأثبتت مصر أنها الدعم والسند للأمة العربية، عبر التاريخ، وكانت تلك الحرب وبالاً على العراق، وشعبه، الذي مازال يعاني، حتى يومنا هذا، من عواقب، وويلات، تلك المغامرة، غير المحسوبة، التي قام بها صدام حسين.
وبعد ذلك، ما يبقى في الذاكرة بعد مرور هذه الأيام هو الدور المصري المحوري في دعم الأمة العربية، حيث تظل مصر دائمًا الأم والأب لكل الوطن العربي، خاصة في ظل الأحداث التي تشهدها الساحة العربية الآن. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، نجد أن مصر تقف بقوة ضد أي محاولات للقضاء على الهوية الفلسطينية والدولة الفلسطينية. فقد رفضت مصر بشدة نقل أبناء غزة إلى سيناء أو الأردن. وجاء رفضها كذلك لسفر الرئيس المصري إلى الولايات المتحدة لمقابلة الرئيس ترامب، تأكيدًا على موقفها القاطع برفض حل المشكلة عن طريق تهجير أهالي غزة، أو استيلاء الولايات المتحدة على أراضيهم.
كما رفضت مصر بشكل قاطع المقترح الذي أيّده زعيم المعارضة الإسرائيلي، والذي ينص على أن تتولى مصر إدارة غزة لمدة تصل إلى 15 عامًا مقابل تعويضات مالية تقدر بـ 155 مليار دولار، وهي قيمة الديون الخارجية لمصر. إلا أن مصر أكدت أنها لا تبيع قرارها ولا أرضها بالمال، وأن الجهة الوحيدة التي يجب أن تدير غزة هي السلطة الفلسطينية. كما شددت على رفضها القاطع لأي وجود لقوات أجنبية أو عناصر أخرى في غزة، نظرًا لكونها تمثل حدودًا مباشرة لمصر.
وهكذا، تثبت الأيام دائمًا أن مصر هي المدافع الأول عن الأمة العربية. فمنذ بداية العصر الحديث، كما حدث في العراق واحتلال الكويت، أثبت الشعب المصري موقفه الواضح حين قرر الرئيس مبارك التدخل لطرد الغزاة من الكويت. واليوم، يظهر نفس الموقف من خلال وقوف الشعب المصري بكل طوائفه خلف الرئيس السيسي في رفضه لترحيل سكان غزة إلى سيناء، مؤكدًا أن سيناء خط أحمر.
وهكذا، يقدّم الشعب المصري للعالم كل يوم مثالًا حيًا على دوره في حماية الأمة العربية، ليظل دائمًا السند والدرع الحامي لها.