الحرب الإعلامية ضد الأردن: تحريف التصريحات وتشويه المواقف

بقلم الاعلامية – ايمان عكور
في الوقت الذي استخدمت فيه معظم وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى كلمة “rebuff” (التي تعني الرفض القاطع) لوصف رد جلالة الملك عبد الله الثاني على مقترحات ترامب حول القضية الفلسطينية، سقط الإعلام العربي—الهش والمشحون حقدًا على الأردن—في أوهامه وأحقاده الدفينة، واختار أن يحرّف الحقيقة لصالح أجنداته الرخيصة.
عندما قال جلالته:
“It is hard to make this work in a way that’s good for everybody.”
كانت الترجمة الصحيحة: “من الصعب تنفيذ ذلك الأمر بطريقة ترضي الجميع.”
لكن قناة الجزيرة، وغيرها من الأبواق التي تتغذى على الإثارة والتشويه، قدمت ترجمة مضللة:
“سوف نرى كيف سيتم ذلك لمصلحة الجميع.”
هذه الترجمة ليست مجرد خطأ عابر، بل تزييف ممنهج يهدف إلى قلب المواقف، وتحويل موقف الرفض الصريح إلى إيحاء بالموافقة أو الحياد.
لم يكن غريبًا أن يتعرض الأردن، وجلالة الملك عبد الله الثاني تحديدًا، لحملات إعلامية تستهدف مواقفه السياسية الثابتة، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية التي تحاول إعادة رسم خرائط المنطقة على حساب الشعوب وحقوقها.
لكن الجديد هذه المرة أن أداة التشويه لم تأتِ من الإعلام الغربي فحسب، بل من بعض القنوات العربية التي كان يفترض بها الالتزام بالمهنية والدقة في نقل تصريحات القادة.
وإذا لم تعتذر القناة عن هذا الالتباس بأسرع وقت، فهذا يعني أن التشويه كان متعمدًا، وأن هناك أجندة واضحة تهدف إلى إضعاف الموقف الأردني في أعين الشعوب العربية.
الهجوم على الأردن: هل هو ممنهج؟
ما إن انتشرت الترجمة المشوّهة حتى انهالت التعليقات المسيئة على الأردن وعلى جلالة الملك، وكأن الملايين قرروا تصديق الترجمة المحرّفة دون العودة إلى المصدر الأصلي. هذه السذاجة الإعلامية ليست جديدة، لكنها تعكس هشاشة الوعي العربي في التعامل مع الأخبار، خاصة عندما تكون مشحونة بالعاطفة.
لكن السؤال الأهم: هل هذا التشويه الإعلامي جزء من حملة أوسع تستهدف الأردن؟
الإجابة تكمن في تتبع سياق الأحداث الأخيرة. فمنذ بداية العدوان على غزة، كان موقف الأردن ثابتًا لا لبس فيه: لا للتوطين، لا للتهجير، لا للمساس بحقوق الفلسطينيين. وهذا يتناقض تمامًا مع ما يريده البعض، سواء في واشنطن أو في بعض العواصم العربية التي تسير في فلكها.
الملك في مواجهة ترامب: الصدام أم الاحتواء الذكي؟
ترامب ليس مجرد رئيس سابق للولايات المتحدة، بل هو شخصية غير متزنة، مهووس بالصفقات، ويعتقد أن بإمكانه التلاعب بمصائر الشعوب كما يفعل في عقاراته الفندقية. وعندما وقف أمام جلالة الملك مستعرضًا عضلاته العقارية وقال بثقة:
“الفلسطينيون سيحبون الخطة، لقد كنت ناجحًا جدًا في العقارات، يمكنني أن أخبركم عن العقارات، سيحبونها!”
كان واضحًا أنه يعيش في عالم موازٍ، حيث يظن أن القضايا السياسية يمكن بيعها وشراؤها كما يفعل في أبراجه الزجاجية.
لكن كيف تعامل جلالته مع هذا الجنون؟
هل كان عليه أن يرد بانفعال ويواجه ترامب على الهواء مباشرة؟
أم أنه اختار استراتيجية أكثر ذكاءً، تترك الرسالة تصل دون الدخول في معركة كلامية مع رجل لا يفهم إلا لغة الصفقات؟
ما فعله جلالة الملك كان احتواءً نفسيًا بارعًا، حيث رد بجملة دبلوماسية محكمة تحمل في طياتها رفضًا ضمنيًا ذكيًا:
“من الصعب تنفيذ ذلك الأمر بطريقة ترضي الجميع.”
هذه الجملة تبدو بسيطة، لكنها تحمل رسائل عدة:
لا توجد “صفقة سحرية” كما يظن ترامب.
أي حل يجب أن يكون عادلًا وليس مجرد صفقة عقارية.
الأردن لن يكون جزءًا من أي مشروع تصفوي.
بهذا الرد، منع جلالة الملك ترامب من جرّه إلى سجال عقيم أمام الكاميرات، وأرسل رسالة واضحة بأن الأردن ثابت على مواقفه، مهما حاولت وسائل الإعلام تحريف كلماته.
الأردن خط أحمر❌️
ما جرى في هذه الواقعة ليس مجرد “خطأ ترجمة”، بل هو مؤشر على حرب إعلامية تسعى إلى إضعاف الموقف الأردني، وتصويره كطرف متراخٍ أو متهاون في قضايا مصيرية. لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع، حتى من يحاولون التشويه، هي أن الأردن كان وسيظل السد المنيع أمام أي محاولات لطمس حقوق الفلسطينيين أو إعادة تشكيل المنطقة على حسابهم.
من يعتقد أن الأردن سيسمح بتمرير مخططات التوطين أو التهجير فهو واهم. ومن يظن أن بإمكانه ليّ ذراع الملك أو الضغط عليه إعلاميًا فهو لا يعرف تاريخ هذا البلد ولا قيادته.
أما لمن صدّق الترجمة المحرّفة وبدأ بالإساءة دون تحقّق، فلعلّ هذه الحادثة تكون درسًا جديدًا في كيف يمكن للإعلام أن يصنع أزمة من لا شيء، وكيف يمكن لجملة واحدة أن تُستخدم لخلق انطباع مغاير تمامًا للحقيقة.
في النهاية، الأردن لا يحتاج إلى تبرير مواقفه، فهو كان وما زال صوت العقل في زمن الضجيج، وخط الدفاع الأول عن قضايا الأمة رغم كل الضغوط والمؤامرات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى