خلاف السعودية والإمارات مجرد إشارة لتحدي أكبر يواجه “أوبك”
المصدر | فاينانشال تايمز
كانت الخلافات بين أعضاء “أوبك” سمة من سمات هذ التحالف النفطي منذ أن انطلق قبل ما يزيد قليلا عن 60 عاما.
لكن الخلاف الذي حدث الأسبوع الماضي برز على نحو خاص ليس فقط لكونه جاء على خلفية ارتفاع أسعار الخام، أو لأنه وضع الحليفين التقليديين السعودية والإمارات في مواجهة بعضهما البعض. فقد برز لكونه مجرد استعراض تمهيدي لما هو أت.
ظاهريا، اختلف أعضاء “أوبك” حول كيفية حساب مستهدفات إنتاج كل بلد على حدة من الخام.
وتعتقد الإمارات أنها عوملت بشكل غير عادل عبر اتفاق خفض الإنتاج الساري منذ أبريل/نيسان 2020، عندما كان وباء “كورونا” يسحق الطلب على الخام.
لكن خلف ذلك، يقف الإصرار المتزايد للإمارات للظهور كقوة على المسرح العالمي.
على وجه الخصوص، تشعر أبوظبي بأن تحالفها النفطي مع الرياض اغتصبته علاقة المملكة الوثيقة بشكل متزايد مع موسكو، منذ انضمام روسيا إلى تحالف “أوبك+” عام 2016.
جوهر القضية
لكن جوهر القضية أبسط بكثير، وهو الأمر الذي يزعج قطاع النفط بأكمله؛ حيث هناك اعتقاد متزايد بأن ذروة الطلب على النفط ليست بعيدة.
بالنسبة لكبار منتجي النفط مثل الإمارات، التي تعتقد أنه لا يزال لديها احتياطيات هائلة غير مستغلة، يتصاعد الدافع، في ظل هذا الاعتقاد، نحو ضرورة إخراج تلك البراميل من الأرض وتسييلها في أسرع وقت ممكن.
هذا هو التهديد الوجودي الحقيقي لاستراتيجية “أوبك” على المدى الطويل.
إذ يشهد التحالف، الذي تأسس أصلا لتعظيم قيمة احتياطيات أعضائه النفطية من خلال (في بعض الأحيان) تقييد الإنتاج، تحولا في تعريف معنى تعظيم قيمة الصناعة النفطية.
فإذا كان الطلب على النفط سيبلغ ذروته خلال العقد القادم أو نحو ذلك، كما يعتقد الكثيرون في هذه الصناعة بشكل متزايد، فإن الحسابات القديمة تبدأ في التغيير.
وتقول “أوبك” نفسها إن الطلب على النفط سيظل قائما لفترة طويلة قادمة. لكن هناك مجموعة كبيرة من التوقعات لما يعنيه ذلك بالضبط.
فبعض مراقبي النفط بعتقدون أن الطلب سيبلغ ذروته، لكن بعد ذلك يستقر عند مستويات مماثلة تقريبا لما هو عليه الحال اليوم.
بينما يتوقع البعض الآخر أنه عند وصول الذروة، سيبدو الانخفاض اللاحق في الطلب أشبه بهبوط من أعلى حافة منحدر.
سيناريوهات وكالة الطاقة
وتشير سيناريوهات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب على النفط في عام 2030 قد يكون حوالي 105 مليون برميل في اليوم؛ أي أعلى بنحو 5% مما كان عليه قبل الوباء.
أو ، إذا كانت الحكومات أكثر جرأة في مكافحة التغير المناخي، فقد ينخفض الطلب إلى 85 مليون برميل في اليوم.
وهذا التأرجح البالغ 20 مليون برميل في اليوم بين السيناريوهين الأقوى والأضعف يعادل تقريبا الإنتاج الحالي للسعودية وروسيا معا.
وتعتقد شركة “وود ماكنزي” العالمية للاستشارات في مجال الطاقة أنه في ظل السيناريوهات الجرئية لمكافحة التغير المناخي -من النوع المطلوب لتحقيق أهداف اتفاقية باريس- يمكن أن تنخفض أسعار النفط من حوالي 75 دولارا للبرميل اليوم إلى حوالي 40 دولارًا للبرميل بحلول عام 2030.
وبحلول عام 2040، ينخفض هذا السعر إلى حوالي 30 دولارا للبرميل وأقل من 20 دولارًا للبرميل بحلول خمسينيات القرن الماضي.
لذا، في حين أن توقيت خلافات “أوبك+” ربما فاجأ السوق، فإن حقيقة أن التوترات غير المرئية إلى حد كبير تضغط على “أوبك” لا ينبغي أن يُنظر إليها على أنها مفاجأة.
بالنسبة لصناعة النفط الأوسع، فهذه علامة أخرى على حالة عدم اليقين الهائلة التي جلبت إحساسا بالشلل للعديد من المستثمرين في هذا القطاع.
لكن بالنسبة لتلك البلدان المنتجة للنفط حيث يتحكم المشغلون المدعومون من الدولة في غالبية الإمدادات والاحتياطيات، فإن الشلل ليس خيارا.
تضاؤل قيمة النفط
ففي مواجهة حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كان النفط الذي تعتمد عليه سيكون ذا قيمة في المستقبل، يستنتج الكثيرون أن خطط الضخ بأسرع ما يمكن قد تكون الأفضل من بين مجموعة سيئة من الخيارات.
لقد استثمرت شركة “بترول أبوظبي الوطنية” (أدنوك) بالفعل مليارات الدولارات، ودخلت في شراكة أوثق مع شركات طاقة عالمية، لتعزيز طاقتها الإنتاجية من الخام من حوالي 3.5 ملايين برميل في اليوم عام 2018 إلى 4 ملايين برميل حاليا. وبحلول عام 2030، يُتوقع أن ترتفع طاقتها الإنتاجية إلى نحو 5 مليون برميل في اليوم.
لكن الإمارات ليست فقط من تنتهج هذه الاستراتيجية؛ فهي ببساطة الخيار الرائج حاليا.
فقد ناقشت السعودية زيادة الطاقة الإنتاجية من حوالي 12 مليون برميل في اليوم إلى 13 مليون برميل في اليوم أو أعلى في المستقبل القريب.
وتحاول روسيا أيضا جذب استثمارات بمليارات الدولارات لتطوير وتوسيع مشروع “فوستوك” النفطي في القطب الشمالي.
وهذا لا يعني بالضرورة أنه سيتم فتح صنابير الخام كلها مرة واحدة، عندما يتم رفع الطاقة الإنتاجية.
لقد تمت كتابة نعي “أوبك” السابق لأوانه عدة مرات من قبل.
ومن شأن استقرار الطلب على الخام في العقد الثالث من القرن الحالي أن يمنح “أوبك+” سوقا ضخمة لإدارتها.
وحتى لو انخفض الطلب على النفط بشكل حاد، فمن المرجح أن يتفوق أعضاء “أوبك” على المنافسين؛ كون أن كثير من من أعضاء هذا التحالف لديهم بعض من أقل تكاليف الإنتاج في العالم.
لكن المنافسة المتزايدة بين المجموعات تكاد تكون حتمية.
وأعضاء “أوبك+”، الذين يمكنهم زيادة الطاقة الإنتاجية، سيرغبون حتما في تعديل أهداف إنتاجهم أعلى، تماما مثل الإمارات.