رغم تغليظ القوانين.. ظاهرة التحرش في مصر مستمرة
سلّطت الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات المصرية لمكافحة ظاهرة التحرش وردع الفاعلين، الضوء على الأسباب الكامنة وراء هذه الجريمة وما إذا كان تغليظ القوانين وحده كافياً، أم أن هناك أمورا أخرى ضرورية.
فقد أوضحت أمل رضوان، أستاذة علم الاجتماع والعلاقات الأسرية، أن التحرش يعتبر جريمة مزدوجة، وذلك لأن المتحرش يرتكب فعلاً غير أخلاقي، أما الجرم الآخر الذي يرتكبه فهو تعديه على حرية وحرمة الآخرين، مشيرة إلى أن التحرش الجنسي يعد شكلاً من أشكال العنف ضد المرأة، وكذلك صورة من صور التفرقة العنصرية غير الشرعية، ونوعاً من أنواع الإيذاء الجسدي والنفسي.
كما تابعت في تصريح لـ”العربية.نت”، السبت، أن المتحرش هو شخص مضطرب نفسياً وقد يكون تعرض للتحرش عندما كان صغيراً، كما أنه شخصية سادية، وأحياناً يكون شخصاً نرجسياً.
وشددت على أن الفاعل عادة ما يكون بحاجة لعلاج وتأهيل نفسي، موضحة أن تغليظ العقوبة أمر هام ورادع، إلا أنها دون إعادة تأهيل وعلاج نفسي قد تكون غير كافية، وقد يعاود المتحرش تكرار جريمته.
ثقافة المجتمع تسبب زيادة التحرش
وأشارت إلى أن المشكلة في التحرش ليست أبداً في ملابس الفتاة، وإلا لما كان هناك تحرش بالأطفال، بل المشكلة تكمن في ثقافة المجتمع التي تبرر للمتحرش جريمته، فثقافة المجتمع وأفكاره تعد من أخطر الأسباب في زيادة الظاهرة، وتعد أخطر وأقوى من القوانين.
وتابعت أن مصر بحاجة لتصحيح المفاهيم جنباً إلى جنب مع تغليظ العقوبة.
في سياق آخر، أكدت الدكتورة أسماء مراد، أخصائية علم اجتماع المرأة لـ”العربية.نت”، أن التحرش في مصر لا يعتمد فقط على نوع أو شكل الملابس، فهناك منقبات في الشوارع يتعرضن للتحرش، وهو ما يدعم عدم ارتباط التحرش بملابس المرأة.
ولفتت إلى أنه لا علاقة للتحرش بالدين، بل هو مرتبط بشكل كبير بالتربية والنشأة والأخلاقيات التي بدأت في الاندثار في المجتمع، والعمل جارٍ على إعادتها مرة أخرى في المدارس، وذلك عبر الأخصائيين النفسيين في المدارس، خاصة من مرحلة الطفولة حيث تترسخ هذه المفاهيم لدى الأفراد في تلك المرحلة.
وأضافت مراد أن المرأة المصرية تتعرض للتحرش بشكل أكبر من غيرها لعدة أسباب، منها ارتفاع نسبة البطالة من جهة، وعدم قدرة الكثير من الشباب على تحمل تكاليف الزواج الباهظة لغلاء المهور والمعيشة، ما يتسبب في كثير من الأحيان بانحدار الأخلاق، حيث ترتفع نسب التنمر والتحرش بسبب ارتفاع نسب البطالة.
وأضافت أن للجهل دورا كبيرا، فهو العدو الأساسي للإنسان في أي مجتمع، مشيرة إلى أنه وبعدم معرفة المرأة لحقوقها، أو الرجل بحدوده وواجباته، ستبقى النساء في المجتمع فريسة سهلة لأي محاولة للتحرش أو الاستغلال، فظاهرة التحرش لا ترتبط بمصر فقط ولكنها مع الأسف تحدث في دول كثيرة حتى في الدول الغربية، وفق قولها.
إلى ذلك، نوّهت بأن هناك غير محجبات في مصر يتعرضن للتنمر بشكل أكبر، ويبرر للمتحرش بهن بأن ما فعله كان بسبب الملابس فتكون هي الضحية.
وشددت على أن تغليظ العقوبة في مصر أمر هام جداً ورادع، إلا أنه غير كاف حال لم يتم علاج باقي الأسباب.
القوانين غير رادعة
يشار إلى أن لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في البلاد كانت وافقت في الـ27 من يونيو/حزيران الماضي، في مجلس النواب المصري على مشروع قانون يدعو إلى تعديل قانون العقوبات الخاص بالتحرش الجنسي، حيث تناول المقترح تغليظ عقوبة التحرش من جنحة إلى جناية.
وينص قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، للتحرش الجنسي، على أن العقوبة وفقا للمادة 306، تصل إلى سنة حبس وغرامة تعادل 10 آلاف جنيه مصري، إلا أن التعديلات الأخيرة ستغلظ العقوبات، إذ لن تقل عن سنتين ولن تتجاوز أربع سنوات مع غرامة أقلها 100 ألف جنيه مصري ولا تزيد عن 200 ألف جنيه مصري.
ومع تكرار الفعل من خلال الملاحقة والتتبع، فتصبح العقوبة الحبس ثلاث سنوات على الأقل ولا تتجاوز الخمس سنوات مع غرامة لا تزيد عن 300 ألف جنيه مصري.
كما نصت التعديلات أيضا على أنه إذا كان للمتحرش نفوذ وسلطة أسرية، دراسية أو وظيفية على المجني عليه فستضاعف العقوبة لتصل إلى الحبس مدة سبع سنوات وغرامة لا تزيد عن 500 ألف جنيه مصري.
علاج الظاهرة
ورغم ذلك إلا أن الدكتورة أسماء مراد، قد اعتبرت أن القوانين الخاصة بالتحرش لا تمثل رادعاً كافياً للمتحرشين، وهو ما يجعلهم يتمادون في أفعالهم، خاصة فيما يتعلق بالتحرش اللفظي والتحرش الجسدي الذي تتعرض له النساء في مصر باختلاف نوع الملابس والديانات، وهذا يفسر ما تعرض له دار الإفتاء من هجوم عند تجريمه لهذا الفعل، لاعتقاد الكثيرين من الشباب أن ملابس المرأة هي الدافع لهم للتحرش بها، وأن ملابسها هي دعوى لهم للتحرش بها دون النظر لما يمثله هذا الفعل من جريمة يعاقب عليها القانون.
بدورها، لفتت الدكتورة أمل رضوان إلى أن تلك الأسباب كافية لتجعل مصر بحاجة لعلاج المشكلة أولا وحلها من جذورها عن طريق نشر الثقافة الدينية الصحيحة، والتربية السليمة التي تقوم على عدم تمييز الولد على البنت، واحترام الآخر وقبوله مهما كان مختلفاً، وعدم التعدي على الغير، والتوعية بقيمة المرأة في أنها ليست جسداً، وكذلك الثورة على ثقافة المجتمع التي تبرر تلك الجريمة ونسفها تماماً وعدم قبول تبرير الجريمة تحت أي مسمى، وكذلك العمل على مكافحة الإدمان، وعلاج المشاكل الاقتصادية، والتوعية السليمة بخطورة تلك الجريمة.
فيما على المرأة أن ترفض الفعل تماماً، وأن تبلغ السلطات به دون تجاهل أو خوف، معتبراً المتحرش شخصا جبانا وضعيفا.
يذكر أن السلطات المصرية خلال الفترة الأخيرة، كانت اتخذت إجراءات كثيرة لمنع هذه الجريمة ومعاقبة الفاعلين بأشد الأحكام.