بيتكوين و”مراجيح مولد النبي”
العملات الرقمية تتلقى ضربات قوية أدت إلى تهاوي قيمة بيتكوين من 65 ألف دولار في إبريل إلى نحو 30 ألف دولار لتفقد أكثر من 50% من قيمتها.
قد تتحول العملات المشفرة إلى وسيلة تسلية للحيتان للتندر على غباء صغار المضاربين الذين توهموا أنها ستحولهم إلى مليونيرات بين ليلة وضحاها.
اختفى شقيقان في جنوب أفريقيا وبحوزتهما نحو 69 ألف وحدة من بيتكوين، بقيمة تقارب 4 مليارات دولار، في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في تاريخ العملات المشفرة.
* * *
تعرضت العملات الرقمية لعمليات نصب واحتيال واسعة وضخمة جعلتها أضحوكة العالم ومصدر قلق بعد أن كانت التوقعات المتفائلة تؤكد أنها عملة المستقبل، وأن بيتكوين وغيرها من العملات المشفرة ستطيح العملات التقليدية بما فيها الدولار واليورو والاسترليني في غضون سنوات، وأن الحكومات والبنوك المركزية ستكون مجبرة على الاعتراف بمثل هذه النوعية من العملات الجديدة والتعامل بها وتقنينها.
لكن ما حدث مؤخرا جاء بما لا تشتهيه سفن المتحمسين بشدة لهذه العملات، الهواة والمستثمرين والمضاربين والراغبين في حصد أرباح سريعة وبملايين الدولارات، بل والمحتالين أيضاً.
خلال الأيام الأخيرة تلقت العملات الرقمية أكثر من ضربة قوية، ضربة على مستوى الأسعار، فقد تهاوت قيمة بيتكوين من 65 ألف دولار في شهر إبريل/نيسان الماضي إلى حاجز 30 ألف دولار لتفقد أكثر من 50% من قيمتها، وهناك توقعات بتراجعها لأقل من 20 ألف دولار.
وتلقت ضربة قوية من الصين التي طلبت من المصارف ومنصات الدفع وقف التعامل بالعملات الرقمية والتوقف عن إجراء المعاملات المالية بها.
وضربة ثالثة من بريطانيا حيث أمرت هيئة الرقابة المالية في المملكة المتحدة بإيقاف جميع الأنشطة الخاصة بشركة “باينانس-Binance”.
كما تلقت ضربات من الملياردير الأميركي إيلون ماسك رئيس شركة تيسلا لصناعة السيارات الكهربائية الذي تلاعب بالعملات الرقمية عبر تغريدات متناقضة ومثيرة. وعلقت تسلا بيع سياراتها الكهربائية بالعملة المشفرة لتتراجع عن قرارها السابق الذي أشعل المضاربة على هذه العملات.
وصاحب كل ذلك اعلان إيران حظر أنشطة تعدين العملات الرقمية لأربعة أشهر بعد انقطاع غير متوقع في التيار الكهربائي
ودخل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على الخط، حيث قال لقناة “فوكس بيزنس” إنه يرى أن عملة بيتكوين المشفرة “عملة احتيال” تؤثر على قيمة الدولار.
وما قاله ترامب له ما يبرره على أرض الواقع، فالضربة الأقوى والأخطر لهذه العملات هو تعرضها لعمليات نصب واحتيال واسعة، في مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا، تم الكشف قبل أيام عن أكبر عملية احتيال في سوق العملات الافتراضية.
فقد اختفى شقيقان هما مؤسسا منصة تبادل العملات الرقمية Africrypt، وبحوزتهما نحو 69 ألف وحدة من عملة بيتكوين، بقيمة تقارب 4 مليارات دولار، في واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في تاريخ العملات المشفرة حول العالم.
وفي شهر إبريل الماضي تعرضت تركيا لهزة عنيفة إثر الكشف عن واحدة من أكبر عملية احتيال بالعملات الرقمية، حيث جمع شاب صغير يرأس شركة لإدارة التعاملات بهذه العملات ملياري دولار من قرابة 400 ألف شخص قبل أن يلوذ بالفرار ويهرب خارج البلاد، مخلفاً واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في البلاد.
وفي شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي تعرض آلاف الأشخاص لعمليات احتيال عالمية، تقوم على عرض إعلانات للاستثمار في عملة بيتكوين، تقف وراءها شركات وهمية في قبرص ووكالات بيلاروسية وإسرائيلية ومراكز اتصال في أوكرانيا.
هذه الجرائم أعادت للذاكرة أكبر عملية نصب بالعملة الرقمية تمت في نهاية العام 2019 حيث استولت سيدة ببلغاريا تدعى روجا إغناتوفا، على 4.9 مليارات دولار وفي روايات أخرى نحو 15 مليار دولار.
علما بأن هذه المرأة كان يطلق عليها اسم “ملكة العملة الرقمية في أوروبا”، والمرأة التي كانت وراء عملة “وان كوين”، وأقنعت المستثمرين حول العالم بدفع تلك المبالغ الضخمة لها في فترات زمنية قصيرة.
هذه الحوادث وغيرها باتت تثير الشكوك حول مستقبل العملات الرقمية ومدى حماية حائزيها والمتعاملين بها من عمليات النصب والاحتيال ليس فقط من قبل المحتالين بل من قبل القراصنة والمستثمرين الكبار من أمثال “حيتان وول ستريت” في نيويورك.
بل وربما تقضى على شعبيتها ومصداقيتها وقيمتها، والتي ربما ستتآكل مع زيادة سعر الفائدة على العملات الرئيسية ومنها الدولار، وعودة الجاذبية لأسواق المال التقليدية والبورصات والأنشطة الاقتصادية المختلفة، وزيادة فرص الاستثمار الحقيقية المتاحة أمام المستثمرين.
وإذا كانت المراجيح وسيلة لتسلية الأطفال خاصة في الأعياد والمواسم، فهل ستتحول بيتكوين وغيرها من العملات الرقمية إلى مراجيح لتسلية صغار المضاربين وأصحاب المدخرات البسيطة بعد أن يهجرها الحيتان وصائدو الصفقات.
أو حتى تتحول تلك العملات المشفرة إلى وسيلة تسلية للحيتان للتندر على غباء صغار المضاربين الذين توهموا أن العملات الرقمية ستحولهم إلى مليونيرات بين ليلة وضحاها، وأنها بمثابة فانوس علاء الدين السحري؟
* مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي